أقلام وأراء
الأحد 11 أغسطس 2024 9:35 صباحًا - بتوقيت القدس
تكنولوجيا بلا حدود
تلخيص
للتقنية، في القرن الواحد والعشرين، أفضالٌ كثيرة على الناس في العالم أجمع، بما قدمته لهم من تطورات مجسّدة في أجهزة ذكية، تساهم في متعتهم وتواصلهم، وتقلل أو تزيد من سعادتهم أو كآبتهم حسب الطلب والظروف والمزاج كذلك. وعلى سبيل المثال، في مجال المتعة الشخصية المنزلية، بإمكان المرء منّا الجلوس باسترخاء على كنبة في غرفة جلوسه في البيت، في أي وقت، وبين يديه جهاز تحكّم وسيطرة، ويشاهد ما يود مما يُقدم في مختلف القنوات بمختلف اللغات من برامج، وأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، وبرامج تحقيقات، وطبخ ولبخ.....الخ.
تلاشت مختفية، غير مأسوف عليها، تلك الأعوام الكئيبة التي كان جهاز التحكّم والسيطرة في أيدي الحكومات، وليس على المواطنين سوى مشاهدة ما يختاره له موظفون رسميون، يفرضون أذواقهم على الناس.
في القرن الحادي والعشرين، أتاح التطور التكنولوجي للمواطنين ميزة لم تكن متوفرة لهم في السابق اسمها حرية الاختيار. أليست حرية الاختيار واحدة من شروط الحرّية الشخصية في الفلسفة الليبرالية؟
لهذا، يمكن للواحد منهم، على سبيل المثال، أينما كان وحلَّ، الاختيار بين متابعة مجريات ألعاب الأولمبياد في باريس، ومعرفة من فاز بأكثر الميداليات، ومن خسر، ومن بقى من الفرق واللاعبين في باريس ومن غادروها راجعين إلى بلدانهم محمّلين بخُفي حُنين، أو، إن شاء، يمكنه اختيار متابعة آخر أخبار وتقارير غارات سلاح الجو الإسرائيلي، وهي تدكُّ، ليلاً ونهاراً، بأطنان من القنابل والصواريخ، ما بقي من مبانٍ لم تدك في تلك البقعة المنكوبة المسماة قطاع غزة، أو في غيرها من المناطق مثل جنوب لبنان، أو جنوب العاصمة بيروت، أو حتى العاصمة الإيرانية طهران. فأيدي إسرائيل الطويلة، صارت في القرن الواحد والعشرين، وبفضل التطور التكنولوجي كذلك، أطول وأطول. وكل همّها تحقيق أهدافها والعودة إلى قواعدها سالمة، من دون أن تطالها طائلة.
وإذا أحسَّ المرء بالاختناق من تلك المشاهد المرعبة، وفقد القدرة على تحمّل رؤية جثت الأطفال الفلسطينيين في أكفانهم وعويل أمهاتهم، فما عليه سوى الضغط على زر صغير في جهاز التحكّم لديه والانتقال إلى قناة أخرى متخصصة في فنّ الطبخ. من ميزة برامج الطبخ، في كل القنوات التلفزيونية، المحلية منها والدولية، أنّها جميعاً تتسم بالحيادية، ولا تسبب ضرراً للمشاعر والأحاسيس. والأهمُّ أنّها تساهم كثيراً في فتح الشهية للأكل. وقد يختار المرء الانتقال إلى قنوات أخرى متخصصة في برامج مصائب أخرى عديدة.
التطور التكنولوجي الهائل جعل من الواحد منّا مواطناً عالمياً وحرّاً! يملك بين يديه جهاز تحكّم وسيطرة، وكل القنوات التلفزية في العالم تحت طلبه، ولا يخاصمه في ملكيته للجهاز أحد. وأكثر من ذلك، منحه التطور التكنولوجي ما صار يعرف بالشبكة العنكبوتية - الإنترنت. ففي تلك الشبكة ينفتح أمامه عالم بلا حدود، يخوض فيه بحرّية. وكونه مواطناً عالمياً حرّاً، بإمكانه التعبير عن أفكاره ومشاعره وقراءاته في الفلسفة والفنّ والأدب والتاريخ، أو اللجوء إلى سبّ وشتم الناس وتنغيص حيواتهم، ونعتهم بأسوأ النعوت والصفات لأنهم لا يوافقونه الرأي السياسي، أو يخالفونه في لون البشرة والعقيدة الدينية، أو بث الأكاذيب حول المهاجرين لأنهم فقراء فروا بحيواتهم هرباً من حروب أهلية، أو مجاعات، أو كوارث طبيعية، ومن السهل جداً تعريضهم للأذى، وبخاصة إذا كانوا عرباً أو مسلمين.
عالمُ الشبكة العنكبوتية مفتوح على كل الآفاق والجهات. والمرءُ الذي صيّرته التكنولوجيا مواطناً عالمياً وحرّاً يملك حرّية الاختيار، إلا أنه للأسف، في أغلب الأحيان، لا يملك حِسّاً بالمسؤولية. إذ ليس من مهام التكنولوجيا تلك الوظيفة. وغيابُ الحِسّ بالمسؤولية الأدبية والأخلاقية، حَوّل الشبكة العنكبوتية إلى غابة بأحراش ووحوش وأشباح غير مرئيين، يتخفّون وراء رموز وأسماء غريبة، بقصد التحايل والسرقة، أو برغبة التنغيص على الناس، أو طلباً لشهرة، أو سلطة. إلا أن التضليل في المعلومات من أخطر وأكثر ما يطفو على الإنترنت من مصائب. آخرها صدر عن عنصريين في بريطانيا، عقب حادثة قتل ثلاثة أطفال طعناً بسكين، ارتكبها شاب من أصول أفريقية لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره (قاصر قانونياً).
العنصريون والمتطرفون سارعوا منذ ظهور أخبار القتل إلى الإنترنت، بنشر أخبار مضللة تؤكد على أن الفاعل مسلم، بهدف التحريض العدائي ضد المسلمين. وبالفعل نجح التضليل. وتسبب في خروج متظاهرين، وقيامهم بهجمات على المسجد الإسلامي في المنطقة التي شهدت الجريمة. وأفضت تلك التظاهرة العنيفة إلى موجات أشد عنفاً، استهدفت أماكن إقامات المهاجرين، وانتشرت في العديد من المدن البريطانية، ولم تنتهِ بعد.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
(الأنا) .. ما بين النرجسية والطموح
نادية ابراهيم القيسي
إسرائيل تفضل الحسم العسكري إقليميا على الحسم العسكري فلسطينياً
راسم عبيدات
القانون الدولي: أداة مماطلة لإسرائيل أم طريق نحو إقامة الدولة الفلسطينية؟
د. دلال صائب عريقات
أطفال غزه بين الركام: الأولوية للصحة النفسية والتعليم
بقلم د. سماح جبر ، مديرة دائرة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية
هاريس وأفق السلام الفلسطيني الإسرائيلي
جيمس زغبي
مع اقتراب الانتخابات الأمريكية ”اللوبي الصهيوني" لم يعد يهوديا فحسب
د. أسعد عبد الرحمن
ماذا تبقى من حل الدولتين؟
بهاء رحال
الدول الداعمة للاحتلال تتخلى عن إنسانيتها
سري القدوة
نبض الضفة لا يهدأ
حديث القدس
"حكومة الوحدة".. هل يفعلها نتنياهو؟
حسن لافي
الاستيطان ومستقبل الضفة
مناضل حنني
المساعدات الإنسانية الأمريكية.. دلالات التوقيت والسياق السياسي
فادي أبو بكر
مستقبل غزة مرتبط بنتائج الانتخابات الأمريكية
مروان اميل طوباسي
المساعدات الإنسانية الأمريكية.. دلالات التوقيت والسياق السياسي
فادي أبو بكر
مستقبل غزة مرتبط بنتائج الانتخابات الأمريكية
مروان أميل طوباسي
التعارض والتناقض الأميركي
غوتيريش: لكي يكون أميناً عاماً فعالاً وذا رؤية
أ. د. جورج جبور
ماذا تعرف عن زمنك الفردي؟
فراس عبيد
بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الانتحار: دور الخطاب الديني في معالجة الانتحار
سماح جبر
هل يستسلم العالم أمام نتانياهو ؟!
جمال زقوت
الأكثر تعليقاً
مستعمرون يعتدون على الطلبة والمعلمين شمال غرب أريحا
إطلاق صاروخين تجاه عسقلان
"اليوم التالي في غزة ضمن رؤية وطنية": فلسطين واحدة، مستقبل واحد"- إعادة بناء الأمل
مصطفى: ما يجعل حل الدولتين مُمكنًا هو إنهاء الاحتلال
صبري صيدم لـ"القدس": الانحياز الأمريكي لإسرائيل قوّض فرص التسوية
أمهات يروين لـ"القدس": كلما هممنا بتعليم أطفالنا تلاحقنا الصواريخ إلى أماكن نزوحنا.. الدراسة في الخيام تحت النار
الإدارة الأميركية بصدد تقديم مقترحها بشأن غزة الأسبوع الجاري
الأكثر قراءة
إصابة شرطي من الاحتلال بعملية طعن في القدس
جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترف بمسؤوليته عن مقتل 3 أسرى
الإمارات تنفذ إجلاء طبياً عاجلاً لــ 252 مصاباً برفقة عائلاتهم من غزة
خطة إسرائيلية لاحتلال شمال غزة وتهجير سكانه.. ماذا في تفاصيلها؟
"اليوم التالي في غزة ضمن رؤية وطنية": فلسطين واحدة، مستقبل واحد"- إعادة بناء الأمل
السنوار يوجه رسالة لنصر الله
معركة فلسطين في الأمم المتحدة.. السلطة تضغط بدعسة كاملة
أسعار العملات
الإثنين 16 سبتمبر 2024 12:05 مساءً
دولار / شيكل
بيع 3.73
شراء 3.71
دينار / شيكل
بيع 5.23
شراء 5.21
يورو / شيكل
بيع 4.14
شراء 4.12
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%19
%81
(مجموع المصوتين 151)
شارك برأيك
تكنولوجيا بلا حدود