أقلام وأراء

السّبت 04 نوفمبر 2023 1:05 مساءً - بتوقيت القدس

واقع وتحديات اليوم أمام استكمال منهج وعد بلفور الاستعماري

ما يجري اليوم وفي تزامن لذكرى وعد بلفور الذي صادفت قبل ايام ما يحقق مفهوم الوعد المشؤوم من خلال ممارساتهم ومنهجهم المتجدد المستمر منذ عام ١٩١٧ .
اخطار وتحديات كبيرة قادمة امام شعبنا في ظل مجريات العدوان البربري وحرب الابادة الجماعية ،ليستكملوا بها من جهة ، ما وعدتهم به قوى الاستعمار من خلال الصهيوني بلفور لاستدامته وتوسيعه عبر هذه الشراكة المتجددة ، وفق ما يقدمون أنفسهم به أو ما يقدمهم الاستعمار به بما يخالف مفهوم القانون الدولي "كشعب" وكضحية التاريخ الوحيدة وساميين مضطهدين ، وعلى أساس التوسع الاستيطاني والحروب وانكار وجود شعبنا ونفي حقنا في تقرير المصير .
ان ما يجري اليوم بحق مرتكزات وجودنا والهوية الوطنية لشعبنا من تصعيد لجرائمهم المستمرة منذ اكثر من ٧٥ عاما ، يجب أن يدفعنا الان بعد اولوية وقف حرب الابادة الجماعية بل والتطهير العرقي والتهجير القسري الى تقييم المرحلة والرؤية والاداء ولو متأخرا ، حتى نتمكن من الصمود والمقاومة والبناء من أجل أن نبقى في وطننا .
فلا توجد خيارات متعددة أمامنا سوى المقاومة بمفاهميها واشكالها المتعددة وفق الظروف ، فقد استمر الاحتلال لفترة عقدين من الزمن دون تكلفة ، في حين استمر الانقسام على اثر الانقلاب المؤسف بتكلفة عالية على برنامجنا الوطني وحضورنا الدولي ومقومات صمودنا ، وكان مبرِرا للبعض الدولي والاقليمي العربي في اضعاف وتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية كما تُفترض مكانتها من التمثيل الوحيد لشعبنا والتي ساهمنا نحن ايضا في اضعافها لأسباب عدة وبأشكال مختلفة لا يتسع هنا الحديث عنها الان .
هنا لا اريد ان ادخل في تفاصيل تتعلق بالكيفية التي سَمحت لبعض التوجهات بتصور التاريخ وكأنه سيقف عند نقطة محددة ، دون إدراك علمي بأن التاريخ يسير للأمام ولا ثابت فيه سوى المتغير وبمسيرته التي تأخذ اشكالا مختلفة فهو لا ينتظر احدا ولا يقبل الفراغ ولا تتكرر به اللحظات المناسبة لطبيعة عمل ما .
ومع الإدراك لحجم التضحيات العظيمة والكبيرة التي يقدمها شعبنا هذه الأيام على اثر جرائم لا تتسع الكلمات لوصفها وتعدادها . تضحيات مماثلة كان قد قدمها شعبنا بكل مراحل الكفاح الوطني حتى من على اراضي دول اخرى بعد الشتات القسري لنا وحين كان يرتكز نضالنا على المقاومة المسلحة . مراحل متعددة كانت يجب أن توصلنا إلى الحرية والاستقلال الوطني ، الا اننا لم نمتلك جرأة التقييم النقدي للمراحل السابقة بأمانة ثورية وتاريخية أمام شعبنا ، ولهذا أدخلنا الغير أو أدخلنَا انفسنا نحن في مسارات ودهاليز دون تحقيق ما يصبوا شعبنا وحركتنا الوطنية اليه .
والأمثلة كثيرة على ذلك ، لكن أهمها يتعلق بعدم ادراك تلك التوجهات لدى البعض لحقيقة الدور الاستعماري للولايات المتحدة وما تسعى له من خلال محددات العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل ذات الابعاد الدينية والسياسية الفكرية الاستعمارية والاستيطانية التي تستند الى جرائم التطهير العرقي والفكر الفوقي هنا وهنالك ، فبقي البعض بتوجهاته تلك يركض خلف ذلك السراب الاميركي بحجة أن اميركا تمتلك قدرة التأثير على دولة الاحتلال ، بل وتمتلك ٩٩% من أوراق اللعبة كما كان يردد السادات، فبتنا نناشدها في كل الظروف رغم قولنا لا "لترامب"، وامتناعنا مؤخرا مع الأشقاء العرب عن لقاء بايدن في اطار فهم صحيح لدورهم .
الذي يحرك الكثير من الجغرافيا السياسية اليوم كحالة أوكرانيا لمحاولة انضمامها إلى الغرب، وإسرائيل الانضمام إلى شرق أوسط جديد وفق استكمال اتفاقيات التطبيع وبهيمنتها، الأمر الذي قد يشكل توافقا روسيا ايرانيا مشتركا في اعاقة تنفيذ المسألتين في مواجهة الرغبات الأميركية ، التي تهدف للقضاء على ما تبقى من حركات التحرر الوطني أو حتى تراثها كما في حالتنا الفلسطينية وعلى المقاومة بالأقليم بمختلف مسمياتها ، وفق ما نُفذ سابقا في مناطق اخرى من العالم ، التي عادت وانهت الدور الأميركي فيها .
ذلك الدور الأميركي ايضا الذي هدفَ وما زال الى تحطيم الهوية الوطنية الفلسطينية وافراغ مقومات قضيتنا العادلة من جوهرها السياسي،وتحطيم الكيانية الفلسطينية تحت مسميات مشاريع وذرائع مختلفة إلى أن وصلنا إلى حالة الجمود عبر عقدين من الزمن وفق احتكارهم لعملية ادارة ازمة الصراع دون حلها حتى حدوث العدوان البربري والمتغيرات الجارية الان .
ان دولة الأحتلال تسعى برأيي لمحاولة استكمال تنفيذ مشروعها بالسرعة الممكنة لتفادي ظهور جبهات جديدة أو تصاعد الجبهات القائمة الآن ومنها اولا : جبهة صمود المقاومة الجارية الاَن في غزة وفق امكانياتها وامكانية اتساعها من حدود الشمال الذي بات امراً مقلقا لاسرائيل بحكم ما يحيطه من كتمان حول توجهات قوى اخرى . ثانيا : اتساع جبهة التضامن الشعبي الدولي التي تأخذ اشكالا جديدة يوميا في كل دول العالم التي باتت تظهر كشكل الانتفاضة العالمية ضد الولايات المتحدة والحركة الصهيونية العالمية واداتها دولة الاحتلال وضد حكومات دول الغرب التي باتت تخشى اتساعها .
ثالثا : اتساع حجم المقاومة الشعبية المتعددة الاشكال في مناطق الضفة الغربية بما فيها القدس ضد الاحتلال والمستوطنين . رابعا : تصدع جبهتهم الداخلية بتفاصيلها المتعددة وعدم انسجام مستوياتها السياسية والعسكرية وخاصة مع اهالي اسراهم وقتلاهم ودون تمكنهم من اعادة اي منهم حتى اللحظة وتصاعد المعسكر المناهض لنتنياهو الذي أعتقد أنه يخوض معركته الأخيرة. فبات السؤال لدى اوساط مختلفة من شعب القوميات المتعددة المسمى "الشعب اليهودي" باسرائيل حول جدوى حروبها المستمرة منذ ٧٥ عاما ، ومدى قدرة مجتماعاتهم على تحمل الثمن الباهظ للعدوان واستمراره بغض النظر عن إمكانية تعدد الجبهات من عدمه .
دولة الاحتلال تسعى من خلال مشروعها وفق سياسة المراحل في حرق الأرض لدفع شعبنا إلى الهجرة نحو الجنوب ومن ثم استخدام كل الوسائل لدفعهم باتجاه سيناء ، رغم معارضة الموقف المصري الواضح حتى اللحظة رغم المغريات المقدمة . وهذا ما تخطط له دولة الاحتلال لاستكمال مكونات مشروعها الأخرى في الضفة الغربية في إطار محاولة تنفيذ خطة "الحسم المبكر" والترانسفير الذي يصطدم اليوم بموقف أردني واضح وبصمود شعبنا ومقاومته السياسية والشعبية والقانونية والإعلامية وظهور أشكال من المقاومة المسلحة .
لذلك فان السؤال القائم الآن هو ، هل ستحتمل دولة الاحتلال كل تلك التبعات الناتجة عن تشابك الجبهات التي أشرت اليها؟ ، وخاصة الخسائر بالأرواح وما يشكله ذلك العدوان من عبئ مالي على اقتصادهم المتزعزع اصلا منذ عام مع بداية الانقلاب القضائي . طبعا الخزانة الأميركية مفتوحة على مصراعيها لهم رغم وجود معيقات تتعلق بتحركات المعارضة الجارية بالشارع الاميركي ومنها منظمات يهودية ضد تداعيات السياسة الأميركية والإسرائيلية ومنها استقالة موظفين بالكونغرس وموقف عدد من اعضائه ايضا .
إضافة لبدء تراجع طفيف لعدد من الدول الأوروبية خجلا وتحت ضغط المظاهرات الشعبية فيها عن موقفها المنحاز تماما . كما وبدايات سحب السفراء الذي بادرت له دول لاتينية صديقة وتبعته دول شقيقة ، الامر الذي يجب ان نطالب نحن باستكماله ليشمل كافة الدول الصديقة والشقيقة وفق ضرورة تراجعنا عن مبدأ تقديم دولة الاحتلال كشريك بالسلام سندا لاتفاقية اوسلو التي قد عطلتها وتنكرت لها هي نفسها، وضرورة تقديمها من جانبنا اليوم كدولة اجرام مارقة يتوجب مقاطعتها .
ورغم أن الولايات المتحدة تقول ان الوقت غير ملائم الآن لوقف النار رغم تناقض تصريحاتهم حول الهدنة الانسانية المؤقتة الذي ينم عن الفشل في ادارة الازمة ، ولانها تريد للعدوان الاستمرار لكن بضمان النجاح بحكم مشروعها الشرق اوسطي الجديد بالمنطقة وتوحشها لتنفيذه ، الا ان معظم دول العالم يطالبون اليوم بوقف النار فورا، وهنالك آفاق لاتساع جبهة الشمال وجبهات اخرى من العراق واليمن .
أن في ذلك الآن مصلحة لشعبنا لوقف الإبادة الجماعية وهو موقف القيادة والكل الفلسطيني بما فيها حركة "حماس" التي اختلف شكل ومضمون خطابها المعتاد وفق ما جاء على لسان رئيس مكتبها السياسي قبل يومين ، رغم ما نختلف فيه او نتفق معهم عليه ، الا ان الأمر يتطلب اليوم ضرورة الابتعاد عن اثارة عدد من الأسئلة التي تطرح حول جدوى الفائدة المضافة لما جرى من مفاجأة هزت قوة ردع جيش الاحتلال وقدراته يوم ٧ أكتوبر الماضي ، كما ومدى استعداد شعبنا في قطاع غزة لمواجهة كل ما ترتب عن ذلك الهجوم المقاوم كرد فعل طبيعي لشعب يعاني جرائم الاحتلال ، وما له علاقة بالتضخيات وبقدرات المقاومة وإمكانيات المساندة الجوهرية الغائبة حتى كتابة هذه السطور سوى من بعض الاشتباكات على الحدود الشمالية وفق قواعد الاشتباك المعتادة حتى الآن ، لكن دون تمكن دولة الاحتلال من اعادة لبنان إلى العصر الحجري كما كانت تهدد ، وذلك وفق متغيرات معادلات الردع .
أسئلة يتوجب نقاشها لاحقا في إطار تقيم المسيرة والنتائج لكن ليس الآن ،بل المطلوب الان تشجيع الخطاب الواقعي العقلاني ذو البعد الوطني لدى قيادة "حماس" و"الجهاد" وانضمامهم إلى بيت الحركة الوطنية الفلسطينية منظمة التحرير وبدء إجراءات الترميم والتصحيح الديمقراطي التحرري فيها ، والبدء الفعلي وليس اللفظي لعملية البناء والتكامل السياسي والدبلوماسي مع دور المقاومة التي اتاحتها المواثيق الدولية للشعوب الخاضعة للاحتلال . فهذا التكامل هو سر نجاح حركات التحرر حول العالم كما اهمية المساندة الخارجية التي مكنتها من حصاد نتائج سياسية نحو تحررها .
الان علينا نحن تقع مسوؤلية استثمار ما يجري بالجبهات الأخرى من صمود شعبنا ، وفق ما اشرت له من جبهات تتسع وتتعمق ، وهي لحظة حصولها التي يجب أن تكون مواتية للبناء على العوامل المذكورة في هذا الظرف لبناء جبهة عالمية ضد العدوان ومن اجل وقف المحرقة ، كما وضد دولة الاحتلال نحو عزلها وعقاب مجرمي حربها .
ولذلك علينا كسب المعركة بكل ابعادها لان خسارة دولة الاحتلال للمعركة الجارية بكل ابعادها يعني انتهاء وخسارة مشروع الاحتلال الاستيطاني ، لهذا فإن إسرائيل والولايات المتحدة التي تذر الرماد في العيون بحديثها عن حل الدولتين وتدفع باتجاه المزيد من تعقيدات الامور وارتكاب المجازر التي رغم ضحاياها الجسام والمؤلمة لا يجب ان تأخذنا إلى حيث ما يريد أن يأخذنا الاحتلال له من معركة أرقام . لذا علينا أن ننتصر لوحدتنا ومستقبل كفاحنا الوطني ولمستقبل شعبنا ولمبادئ الحرية والمساواة والعدالة والسلام .

دلالات

شارك برأيك

واقع وتحديات اليوم أمام استكمال منهج وعد بلفور الاستعماري

المزيد في أقلام وأراء

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أميركا إذ تقف عارية أمام المرآة

أسامة أبو ارشيد

إنكار النكبة

جيمس زغبي

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 212)

القدس حالة الطقس