أقلام وأراء

السّبت 03 يونيو 2023 10:09 صباحًا - بتوقيت القدس

عقيدةٌ ثوّرية

في عقيدةِ الثّورات تُعتبر ثُلاثية المُقدَّس ( الأرض - البندقية - التحرير ) هي الرّابط الأصيل الذي يؤلف الصِّلات ويحكُم العلاقة بينَ أبناء ثورات التحرير فيتولّد من خلال هذا المَنصَب ثُلاثيّ المُقَدَّس وعيٌّ جَمعيّ يحمِل مفاهيم هامّة ومُشتركة مثل : مفهوم الأرض كمادّة وموضوع ، مفهوم الوطن كهوية وحقّ تاريخي ، مفهوم البندقية كأداة ووسيلة ، ومفهوم المبدأ وثابت الهدف ومتغيره .. وهي بِمجموعها تكون مُقدّسة في ثقافة التحرير بمعناها الجَمْعي إذ ينجمُ عن تفعيلها وبشكل مباشر مفهوم " الأخوة الثورية " أو ما يعرف ب " أخوة البندقية" وهذا المفهوم يتقدم على مفهوم "أخوة الدم والنّسب " بما يفرضه من اشتباكٍ بين وعي الفرد بالتحرر وبين ثقافة التحرير من أجل انجاز حالة حرية واستقلال على المستويين الفردي والجماعي (الشعبي) وهما مناط فكرة "الانسان" كوجود حرّ في هذا الكون .. ثمّ إنّ مفهوم " الأخوة الثورية" يفرض تقدمه على مفهوم " أخوة الدم " بحكم العلاقة المتينة التي تنشأ بين أبناء الثّورة الواحدة على اختلاف مشاربهم وجنسياتهم وذلك عندما ينخرطون في خندقٍ واحد ويتكتّلون كجسدٍ واحد في مواجهةِ الموت بل يفتدي الواحدُ منهم أخاه بنَفسِه ويدفَع عنه الموت بصدره وروحه ..! ثمّ إنه لا يتركه في ساحة المعركة جريحاً ينزف دَمَه ولا أسيراً ينزف صبراً في غِلاله ..! هذا ما يُفترض أن يكون قائماً على صوابيةٍ تامةٍ في جوهرِ فِكر الثورات الصالحة الأصيلة ، وكلّ ما يخالف ويعاكس هذه الأصالة يكون قد شذّ عن طهارة الثورة واستقامتها وأُصيبَ بجُذامٍ فكري وعقلي سينجُم عنه انفصامٌ وخللٌ جسيم في المعاني سالفة الذِّكر لا محالة .. فلا يمكن أن تكون " أخوةٌ ثورية صادقة" مِن غيرِ استعدادٍ للفداء والافتداء ودمج " الأنا الذاتية" في إطار " الأنا الجَمعية" بل أكثر من هذا ؛ فلا بدّ من تقديم "الأنا الذاتية" كفداءٍ خالص على مذبح " الأنا الجمعية" إذا ما تطلب الأمر وإذا ما فرضت الضّرورة أبجديّاتها ، وبحسب ما تُمليه ثوابت ومبادئ "المُقدّس" ..!


وهذا ما جسّده أبناء الحركة الأسيرة بشكلٍ فعليّ حين تقدّموا الجبهات في سبيل " المُقدّس" وواجهوا الموت والأسر بصدورهم الثائرة حفاظاً على "الأنا الجَمعية" ودَفعاً عنها وذلك لتمكينها من المُضيّ قُدُماً حتى تتمّة المشوار ..! وهم على ثقةٍ وإيمانٍ تامَّين مِن أنّ تلك الأنا الجمعية (الثورة) ستبقى طاهرة ومخلصة بعملها وفكرها وأدواتها حتى نهاية الطريق ولا نهاية إلا بتخليص "المُقدَّس" وتحريره وهو في حالة شعبنا (فلسطين بثوبها التاريخي) ، فلا يوجد ما يُسمّى بنصف ثورة ، أو ما يُعرَف باستراحة "ثائر /ثورة" .. فهذا هراءٌ وخَبلٌ فكري وانعدامُ رؤيةٍ وعجزٌ وشللٌ عمَلاتِي ..ومَن يفعل ذلك يكون كمَن يطلق النّار على نفسه أو يكون كما قال ماوتسي تونغ : " مَن يقم بنصف ثورة يكون كمن يحفر قبره بيده " .


ثمّ لا يمكن لثورةٍ أن تقع في فخّ الحسابات "الرّبح والخسارة" وهي في ذروة صراعها ، فهذه مصيدة التراجع والانحسار ومن ثم الانحراف عن المسار ، ومن وقع في هذه المِصيدة فإنه سيفقد أهمّ مُقومات وأُسس الثورة الحقيقية (المبادرة ، الاقدام والفداء ) والتي مِن غيرها لا يوجد ما يسمى ب "الثورة" ، والثورة التي تنتهج "الحِسبة" كمبدأ وتتبناه كناظِمٍ لأعمالها وسياساتها فإنها تصبح ثورة ورقية لا أنياب لها وستكثر لديها البرامج والمُسمّيات وتغمرها حِجَج الأولويات والثنائيات والهوامش ومن ثمّ ما أسرعَ أنْ تصير الهوامش والجزئيات مُقدَّمَة على الأولويات والهامّات من الأمور والأعمال لديها ، وهذا في حدّ ذاته مبضع سامّ وخطير سيمزّق جسدها وسيُدمِيها حتى آخر قطرةِ انتماءٍ فيها !!


على ضوءِ ما سَبق يمكن فهم واقع الثورة الفلسطينية اليوم وما آلت إليه من صدوعٍ وانشقاقات وخربطةٍ شاقّة لكثير من الأوراق المبدأية واختلالِ أسسها الأصيلة حتى أصبح "المُقدّس" لديها فيهِ نَظر ، حتى أنها انقسمت على ذاتها في جوهَرِ "المُقدَّس" ومَضامينه وصار ما يُدعى بالأولويات لديها مُبهماً وضبابياً إلى درجة صعوبة تعريفه وانْفصَمت في ذلك ، فما تعلنه "قولاً" فإنها تغفله "فعلاً وعَمَلاً" ومثالُ ذلك ما هو حاصلٌ اليوم في تعاطيها مع قضية الأسرى في سجونِ الاحتلال الذين كانوا رأسَ حَربَتها يومَ توقّدت جَمرةُ ثَورانها وانتفاضتها وأصبحوا اليوم أرقاماً وصوراً مكدّسة في ذمّة سنين الأسرِ المَديدة، ويفقدون حيواتهم وأعمارهم يوماً بعدَ يوم وقد تسلّط على أعناقهم سيفُ الانتظارِ لطوقِ نجاةٍ تمدّهم به ثورتهم التي تغطّ في سُبات الحِسابات وتتقمَّمُ لهم وعود الحريّة على قارعةِ التّسويات السّياسية الجَهلاء والمُتعامية بشكلٍ مُتعمّد عن أُصولِ الفعلِ الثوريّ الذي يُنتج حريّة كريمةً لهم ، وهو في الأساس ذات المُقدّس"الاخوة الثورية أو رفاق البندقية" الذي زجّ بهم في أتون الثورة وهم على ثقةٍ أن ذاك المُقدّس لا يمكن أن ينجَس في نفس الثورة وروحها ، وأنها لن تتخلى عنهم في حالِ سقطوا في أرضِ المعركة أُسارى ، ولا بدّ أنها فاعلةٌ كلّ مستحيلٍ حتى تُحرِّرهم ..!!


خلاصة القول :

لا بدّ للثورة من صَحوة ومن القيام بمراجعةٍ واعية ومسؤولة لأفعالها وسياساتها والعمل بمهنيةٍ ثوريّةٍ طاهرة تجاه قضية الأسرى ،فهذا فقط ما يمكنه أن يُحدث تغيّراً جذرياً ويصحّح المَسار وبالتالي سينتج عن ذلك تحريرٌ ثوريّ يُفضي إلى حريةٍ تامّة .

دلالات

شارك برأيك

عقيدةٌ ثوّرية

الدوحة - قطر 🇶🇦

حسين قبل 11 شهر

كلام فيه الكثير من الصوابية. وبحاجة إلى إعادة النظر والدراسة لدى قيادات العمل الوطني والمقاوم وخاصة حماس لتفعيل ماكينة الفعل الثوري التي تكسر أغلال الأسر وتحرر الأسرى من سجون الإحتلال. خاصة بعد مضي

المزيد في أقلام وأراء

مساومة أميركية اسرائيلية على دماء الفلسطينيين

حديث القدس

أمريكا تريدها وهماً تفاوضياً وإسرائيل تسعى لمنعها واقامة الدولة الواحدة اليهودية العنصرية

مروان أميل طوباسي

من يردع عصابات المستوطنين ومن يحمي شعبنا؟

بهاء رحال

في معاني الليلة الإيرانية

أحمد جميل عزم

"اسرائيل" ومأزق الرد وعدم الرد

راسم عبيدات

دعوات الصقور لضرب إيران الآن مخطئة

مارك شامبيون

جرائم ضد الإنسانية

حديث القدس

تحذيرات بايدن والفعالية المنقوصة--

حسن ابو طالب

ازدواجية ليست مفاجئة... ومستمرة---

بكر عويضة

رغم نفاق الاعلام الغربي .. هزمت إسرائيل...

فتحي كليب

أسباب تغيير الموقف الأميركي ودوافعه

حمادة فراعنة

حول مقولة (المسرحية) واستدخال الهزيمة

وسام رفيدي

في الذكرى السادسة والثلاثين لرحيل أول الرصاص وأول الحجارة

عباس زكي

١٧ نيسان : فلتهز صرخة أسرى فلسطين المدوية أرجاء العالم

حديث القدس

إيران ضربت إسرائيل في حزامها

حمدي فراج

الفلسطينيون والمنطقة بدون الأونروا؟!

علي هويدي

مقبرة مستشفى الشفاء الإجرامية

حمادة فراعنة

جبهة الضفة الغربية تشتعل

راسم عبيدات

الاحتلال الإسرائيلي وترتيبات اليوم السابق لانتهاء الحرب على غزة

محسن محمد صالح

تومــاس فريدمــان والنصائح المسمومة‎

هاني المصري

أسعار العملات

الخميس 18 أبريل 2024 10:59 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.78

شراء 3.77

دينار / شيكل

بيع 5.34

شراء 5.32

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.0

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%72

%24

%5

(مجموع المصوتين 127)

القدس حالة الطقس