أقلام وأراء

السّبت 15 أبريل 2023 11:34 صباحًا - بتوقيت القدس

أوهام ستجد نهاية لها

لا شك أن كل شعوب الأرض منذ بدأت الحياة تدب خَلقَت أساطيرها وكَونت معتقداتها ووضعت نواميسها وعقائدها اللاهوتية ، إلاّ في حالة واحدة حدث فيها العكس، وهي حالة المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي التي أختُلقت ووُجدت تبعاً لأساطيرها وأوهام لا نهاية لها ، هي اوهام "مملكة إسرائيل الكبرى" ، هذه الأوهام عند عدد من المؤرخين والمفكرين هي الأساس الذي قامت عليه فكرة إقامة الدولة الدينية اليهودية . ولكي يتحقق هذا الأمل او الوهم كان على مفكري وكهنة هذه الجماعة أن يضعوا أولاً حدوداً جغرافية لهذه الدولة أو الوطن المزعوم ، ومن هنا لجأوا إلى الأسطورة ، ثم كان عليهم أن يخلقوا تاريخاً قديماً لهذه الدولة فلجأوا ثانية إلى الأسطورة ، وهكذا كانت الأسطورة هي الملاذ لخلق كل مقومات دولتهم وأوهامهم بما فيها وهم الشعب اليهودي التي لا يريدون نهاية لها .


وقد جاء في كتاب دراسة نقدية في لاهوت العنصرية الإسرائيلية "انه، رغم ان الرؤى الدينية هي احدى محددات الاستراتيجيات الأمنية التوسعية لدولة الاحتلال وفيها يختلط الأسطوري بالواقعي والماضي بالحاضر حيث يصبح تاريخهم لاهوتاً ولاهوتهم تاريخاً انطلاقا من اقتناع مؤسسي وقادة إسرائيل الاستعمارية بأنهم ورثة مملكة داود وسليمان القديمة.


أن لاهوت العنصرية الإسرائيلية "كطاقة مقدسة" تؤثر بقوتها وتَفردها العنصري على ما هو "غير مُقدس من غير اليهود "من وجهة قناعتهم المشوهة تصبح مبررا للامساواة والاستغلال والحروب، وتمنح المبرر النفسي لسلوك الإسرائلييين اليهود تجاه غيرهم وفي مقدمتهم شعبنا الفلسطيني."


أن ذلك يعبر عن جانب من مبررات ما يجري اليوم ليس فقط من جانب اوساط الأحزاب الصهيونية الدينية، لكن من الكل الصهيوني الذي توالى على حكومات دولتهم . لكن ورغم فكرة فوقيتهم والنقاء العرقي لليهود الذي يؤمنون به، فهنالك يبرز تنوع المستويات الثقافية والعرقية للجماعات اليهودية والأفراد اليهود الذين تتفاوت مستوياتهم العقلية والثقافية تبعا للمجتمعات التي عاشوا فيها قبل ان تنفذ الحركة الصهيونية مخططها بدفعهم لفض الاندماج من مجتمعاتهم التي كانوا يعيشون بها سواء الأوروبية أو العربية وترتيب هجرتهم الاستيطانية الى فلسطين ، وهذا احد الجوانب التي يستند لها الانقسام الحاصل بينهم .


والآن فإن هذا التفاوت والاختلاف الاثني ذو المنشأ القومي الأساس من جهة ، وبين تلك التيارات الاصولية الصهيونية الدينية والليبرالية العلمانية من جهة اخرى، يشكل واجهة الخلاف والصراع القائم اليوم بين مكوناتهم إضافة إلى عامل الفوارق الطبقية التي بدأت تتسع بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي دون أن يكون سبب تلك الصراعات موضوع اضطهاد شعبنا أو استمرار الأحتلال الاستعماري .


أن توصيف الصراع اليوم او حصره بالقُدس على أهميتها التاريخية والسياسية إلى جانب معانيها التراثية العربية الدينية بالنسبة لنا، أو ابرازه كصراع ديني على أحقية الأماكن المقدسة وهويتها فقط يشكل خطورة كبرى تفضي إلى الانجرار خلف مبراراتهم الدينية هم ، كما وتغييب حقيقة صراع الوجود على الأرض ومعنى وجوهر الصهيونية، ويعيق من فضح دولة الاحتلال العنصري ككل متكامل ومقاومة سياساتها ككيان استيطاني إحلالي في كل فلسطين ذو وظيفة توسعية وكقاعدة استعمارية استراتيجية للغرب ، فصراعنا معهم هو على الوجود والسيادة وليس على العبادة رغم أهميتها كموروث ثقافي إسلامي ومسيحي لنا نحن ابناء المشرق وأصحاب الأرض.


ان اجراءات الاحتلال الإسرائيلية التصعيدية، والرامية إلى فرض تقييدات من أجل منع ابناء شعبنا في الوصول إلى أماكن العبادة بكنيسة القيامة، والمشاركة في المراسم الخاصة بسبت ظهور النور من كنيسة القيامة هذا اليوم السبت والتي تزامنت مع اجراءات الاحتلال في اقتحام باحات المسجد الأقصى وممارسة أبشع صور القمع خلال شهر رمضان وما قبل من اقتحامات المستوطنين ، ترمي إلى تثبيت رؤيتهم التوراتية التلمودية المزعومة والتي استندت لها الفكرة الصهيونية اساسا .
لذا فان محاولات الاتفاق على تحديد الأعداد من المصلين واوقات الصلاة، يخدم فقط فكرة التقسيم المكاني والزماني الأمر الذي يعطي حقا لمن لا يملكه وفق وقائع التاريخ وحضورنا على هذه الأرض.


الآن فإن مختلف المتغيرات السياسية الجارية بالعالم وبدء الوصول إلى نظام عالمي جديد قد يأتي بالعدالة للشعوب وحقوقها التي غيبتها الهيمنة الأميركية، والصورة الحقيقية العنصرية الفاشية لدولة الاحتلال التي اظهرتها حكومة اليمين الديني الصهيوني الأكثر تطرفا أمام أصدقاء دولتهم بل وحتى أمام جاليات يهودية لليبرالية حول العالم وانفضاح سياسات الابرتهايد المقيته في نظر الرأي العام الدولي قد ساهمت إلى جانب تقويض ما يسمى بالقيم المشتركة بين الولايات المتحدة ودولة الاحتلال على اثر قرارات حكومة نتنياهو ومساندة الولايات المتحدة على اثر ذلك لأوساط المعارضة بهدف إنقاذ وحماية دولة الاحتلال، التي ما زالت الإدارة الأميركية بحاجة لها كحليف استراتيجي يعتمد عليه بعد انسحابها من بعض مناطق التوتر بالمنطقة من جهة، وسرعة التحولات والانحيازات في شكل العلاقات البينية السياسية العربية نفسها ومع إيران من جانب آخر وانتهاء مقاطعة سوريا ونهاية حرب اليمن وبروز تحالفات جديدة بعد صعود الصين وروسيا إلى واجهة المشهد الدولي إضافة إلى توسع تحالف دول البريكس والتجمعات الاقتصادية الجديدة حول العالم ، وبداية مطالبات أوروبية باستقلال مواقفها السياسية بعيدا عن رؤية الاستراتيجية الأميركية التي تعاني أزمة حقيقية اثر حربها بالوكالة باوكرانيا وتراجع مكانة اقتصادها.


كل تلك الأسباب يضاف اليها طبعا تصاعد الأزمة والتاَكل بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي وتعقيداته وبروز مشاكل المؤسسة الأمنية وظهور بعض علامات ضعف قوة الردع لديها في مواجهة ما قد يتطور بالجانب العسكري على اثر الانحيازات السياسية بالمنطقة بعد كل التقاربات الجارية امامنا .


أن كل ذلك اصبح يضع علامات استفهام كبيرة على كيفية منحى تقدم أو تراجع دور دولة الاحتلال ومكانتها الجيوسياسية، بل ويبرز شكوكا لدى اوساطهم حول إمكانية استكمال تنفيذ مشروعهم الصهيوني أمام الحالة الجديدة للمنطقة ويدفع باتجاه ظهور عوامل إحباط وهجرة معاكسة، بعكس ما كانت تراهن عليه رؤيتهم من اصابتنا نحن بالاحباط المدمر لمشروعنا الوطني التحرري.


برأيي أن ذلك يشكل لنا الآن فرصة مناسبة لاستنهاض دورنا واستعادة كافة مكامن قوتنا كحركة تحرر وطني لتصفية جوهر مشروعهم الاستعماري العنصري ، مما يتطلب البناء على المتغيرات الجارية لكن وقبل ذلك استعادة ثقة شعبنا بمكونات كفاحه الوطني وتوسيعها لتشمل كل اطياف مجتمعنا الفلسطيني وفق رؤية واضحة وبرنامج وادوات قيادية تمتلك التأثير، من خلال تنفيذ ما أعلن عنه الرئيس سابقا من دعوة للحوار الوطني الشامل، كما وتطوير حالة الفعل المؤثر والشجاع على كافة الساحات الإقليمية والدولية لمواجهة اية محاولات للعبث بساحة قرارنا الوطني المستقل والابتعاد عن سراب الحلول الاقتصادية والامنية الاميركية. كما وتوسيع قاعدة المشاركة الجماهيرية الضرورية لحماية ذلك من خلال التفعيل الديمقراطي والشعبي لدور مؤسساتنا وإجراء الانتخابات العامة بما فيها بالقُدس كحق طبيعي لأبناء شعبنا كافة وكسلاح امام المجتمع الدولي في وقت تُمارس به الفاشية الديكتاتورية الثيوقراطية الاَن في دولة الاحتلال الاستعماري الاخذة في خسارة مكانتها.

دلالات

شارك برأيك

أوهام ستجد نهاية لها

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

انتظروا بياناً هاماً ...!!

سمير عزت غيث

اليوم التالي ووهْم حلّ الدولتين

محمد الهندي

ألسنة اللهب ترتفع في الجنوب والشمال والدبلوماسية الدولية تكتفي بالأقوال ..!!

حديث القدس

احتجاجات الجامعات: تحولات كمية.. إلى نوعية

د. أسعد عبدالرحمن

بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

جواد العناني

النكبة وسرديّة المخيّم الكبرى

سمير الزبن

الجامعات والإعلام ودورهما في تعزيز"الانتماءِ للقضية الفلسطينية"

تهاني اللوزي

المقاومة ونتنياهو ولعبة الوقت

بهاء رحال

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

أسعار العملات

الجمعة 17 مايو 2024 12:34 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.71

شراء 3.7

يورو / شيكل

بيع 4.02

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.2

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%7

%93

(مجموع المصوتين 73)

القدس حالة الطقس