أقلام وأراء

الأحد 17 مارس 2024 9:53 صباحًا - بتوقيت القدس

مناورات الهدنة في غزة .. بين الواقع والمنطق

تلخيص

في الوقت الذي تتعرض فيه غزة لكارثة مكتملة الاوجه، حيث عشرات الالاف من الشهداء، ومثلهم من الجرحى، وأكثر من سبعين بالمئة من بنيتها التحتية ومنشآتها دمرت، اما بشكل كامل أو جزئي، يدور في الاروقة الدبلوماسية الدولية الحديث عن مبادرات لوقف اطلاق النار، أو هدن مؤقتة، ظاهرها انساني ولكن باطنها يكيد لاهل غزة، وتخطيط لمزيد من التصعيد واستهداف العزل لتحقيق الاهداف المبيتة وعلى رأسها التهجير.


دولة الكيان وعلى لسان مسؤوليها، وعلى رأسهم رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، أعلن منذ بدء العدوان عن اهدافه المتمثلة بالقضاء على حكم حركة حماس للقطاع وتدمير بنيتها العسكرية واستعادة الاسرى الاسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة، ونتنياهو المأزوم معروف بتلونه، وكعادته اتخذ من المناورة والمماطلة سبيلا لعدم انهاء العدوان، محاولا تصدير أزمته الداخلية الى قطاع غزة والضفة الغربية مستخدما الثنائي المتطرف (بن غفير وسموتريتش ) كعصا يلوح بها لكل من يحاول الالتفاف على اركان حكومته، مدركا أن أي وقف فعلي لاطلاق النار واسكات اصوات مدافعة سينعكس عليه وجوديا وانتخابيا ويفكك حكومته ويقوده الى خلف القضبان، لذلك تراه يناور، تارة بموافقة باهتة لهدنة مؤقتة لا تتجاوز الايام او بضع اسابيع في احسن الاحوال دون الحديث عن وقف كامل وانسحاب شامل من القطاع، متماشيا مع الموقف الامريكي الداعم له، وتارة يلوح باجتياح رفح لاتمام مهمته.


وفي الجانب الآخر، مقاومة تقارع محتل يبطش بممارسات منافية لكافة القوانين والاعراف الانسانية والدولية والربانية ، فبادرت واجتهدت لكسر حصار مستمر منذ اكثر من 17 عاما، بعملية طوفان الاقصى النوعية التي قلبت الدنيا رأسا على عقب (من كل بد ستطفو نتائجها الى السطح اجلا ام عاجلا وسيتغير وجه الارض التي ستزهو بسطوع شمس فلسطينية وسيطال لهيبها كل ظالم ومتخاذل)، طوفان الاقصى كشفت عورة هذا الاحتلال ، الذي رد بعدوان وحشي طال الحجر والبشر، دفعت غزة فيه ثمنا باهظا الى ان اصبحت بعد ستة أشهر من العدوان تتلقف أطنانا من القنابل الامريكية المحرمة دوليا استخدامها، فبات القطاع غير صالح للحياة او العيش فيه، لكن غزة ما زالت صامدة وتوجه ضرباتها للمحتل ، وفي الوقت ذاته تفاوض لانهاء المعاناة ، وتتمسك بمطالبها العادلة المتمثلة بوقف شامل لاطلاق النار وانسحاب كامل من القطاع وتبادل للاسرى، الكل بالكل.


بين الموقفين فجوة كبيرة ، وهناك من يسعى الى توسيعها وآخرون يكدون لتضييقها ، وفي الوسط اكثر من مليوني فلسطيني غزي باتوا بلا مأوى، يلتحفون السماء ويفترشون الارض، وبامعاء خاوية تتضور جوعا واجساد اكلتها الامراض والاوبئة وافترسها الجوع جراء تواصل الانهاك المبرمج دون ادنى رعاية طبية، فهم فقط يعيشون على ما يقدم لهم من فتات مساعدات مغمسة بالدم، وهناك من يسارع ويلقي اللوم على المقاومة لتصلبها بموقفها بدعوى اهمالها لما يكابده المدنيون من معاناة تتزايد يوما بعد يوم .


في خضم ذلك كله، تتبادر الى الاذهان جملة من التساؤلات: هل حقا ان هناك من يسعى لتحقيق وقف اطلاق نار بالقطاع حرصا على حياة المدنيين وتفويت الفرصة على دولة الكيان بعدم تحقيق اهدافها؟ هل على المقاومة الموافقة على هدن مؤقتة ، ام ان تتمسك بمواقفها حتى لا تفقد ورقة الاسرى الاسرائيليين من يدها ، خاصة وان دمارا كبيرا غير معهود قد لحق بقطاع غزة وأهله، بمعنى هل تبقى هناك ما تخسره المقاومة ؟ هل اركان الحكومة الاسرائيلية جادة في تعاطيها مع المبادرات المختلفة، وتسعى بجدية لاستعادة أسراها ، ام انها تدفع الى مزيد من التصعيد دون أدنى اهمية لمصير أسراها، خاصة وان هناك من قتل منهم تحت القصف الاسرائيلي ؟ هل دولة الكيان من النوع الذي يلتزم بعهوده ويؤتمن جانبه حال التوصل الى وقف جزئي لاطلاق النار على طريق الوقف الشامل والانسحاب الكامل؟ وأخيرا، هل بداية الازمة الراهنة كانت مع عملية طوفان الاقصى وما أعقبها من عدوان غير مسبوق، أم أن هناك تراكمات كان يجري ترحيلها من وقت لاخر دون الغوص بحلول خلاقة تعيد الحقوق الى أصحابها؟ اليس من حق أهل غزة الخلاص من الاوضاع المأساوية المحيطة بهم منذ اكثر من 17 عاما والعيش كباقي شعوب العالم؟


تباينت الاراء باختلاف طرق التفكير والاتجاهات السياسية ، والمصالح الفئوية ، فمنها ما كان الى جانب رفع الظلم عن القطاع والتخفيف من حدة المعاناة التي يكابدها الغزيون ، والتي لم تبدأ منذ السابع من اكتوبر ، انما منذ اكثر من 17 عاما، من حصار بري وبحري وجوي فرضته دولة الكيان للنيل منهم ومحوهم عن وجه الارض. ولعل قول رئيس وزراء الاحتلال الراحل اسحق رابين الذي جرى اغتياله في تشرين ثاني 1995 ، ما زال حاضرا في اذهان كل فلسطيني ، حينما تمنى ان يصحو يوما ما من نومه ويرى غزة وكل من عليها وقد ابتلعها البحر !!


 وكأنه ليس من حق الغزيين العيش اسوة بشعوب العالم، وقدرهم الاستسلام لانتهاكات لا تتوقف ، تطال ايضا كافة اوجه الحياة للفلسطينيين في القطاع والضفة الغربية والقدس المحتلة ، والخنوع لامعان دولة الكيان في ممارستها، حيث يتواصل التوغل الاستيطاني غير المسبوق ، والاعتداءات ممنهجة على المقدسات الاسلامية والمسيحية وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك ، التنكيل بالاسرى ، افلات قطعان المستوطنين على العزل ، والامعان في القتل عن سبق الاصرار والترصد ، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية ، وقرصنة أمواله المشروعة ، والتنكر للاتفاقيات الثنائية ومخالفة القوانين والتشريعات الدولية، والقائمة تطول ، والمجتمع الدولي يغض الطرف عن الممارسات الاسرائيلية، بل ويساهم في محاولات النيل من الشعب الفلسطيني واعتبار مقاومته لانتزاع حقوقه السليبة ارهابا، ويتحايل بكلام معسول ومبادرات واهية يراد منها إطالة أمد الاحتلال ومنح دولة الكيان مزيدا من الوقت لتنفيذ برامجها ومخططاتها وبسط سيطرتها الكاملة على التراب الفلسطيني، وجعل الشعب الاصلي لهذه البلاد أقلية منبوذة على غرار هنود امريكا الحمر.


ومن هنا فان تمسك المقاومة التي تقودها حركة حماس بمطالبها، يأتي من ادراكها ان دولة الكيان لا يمكن الوثوق فيها، وتاريخها وتاريخ من يعتلي سدة الحكم فيها حافل بالتنكر للاتفاقيات المبرمة ، والكيد للاخر لتنفيذ مخططاتها المبيتة. وتدرك المقاومة ان دائرة الاستهداف الاسرائيلية المدعومة من المجتمع الدولي المتنفذ ليست قطاع غزة وحسب ، وأن الدور آت على الضفة الغربية والقدس واجزاء من الوطن العربي ، وقد اتضح ذلك من تصريحات مسؤولين امريكيين وفي مقدمتهم الرئيس بايدن، وتواطؤ اوروبا الممزوج بنكهة عربية من احفاد "أبي رغال".


لذلك ليس من الجائز ومن غير المنطق، بعد كل هذا الدمار، مطالبة المقاومة بتقديم تنازلات ، واعتقد ان قيادة المقاومة لن تتخلى عن مطالبها مهما كلف الثمن، وتؤكد على سيرها على خطى السلف الثائر رموز حركات التحرر والكفاح والجهاد امثال عمر المختار وعبد القادر الحسيني وتشي جيفارا وهوشي منه واحمد ياسين وياسر عرفات، واضعة نصب اعينها النصر او الشهادة ، حتى البدء الفوري الجدي بمعالجة الصراع من جذوره وفق قرارات عديدة اقرتها الشرعية الدولية ، ما من شأنه ان ينهي احتلال مستمر منذ نحو 76 عاما حتى يعيش الشعب الفلسطيني بكرامة ويعود المهجرون الى ديارهم .

دلالات

شارك برأيك

مناورات الهدنة في غزة .. بين الواقع والمنطق

المزيد في أقلام وأراء

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

‏ آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته

غسان عبد الله

حوار عربي أوروبي في عمّان

جواد العناني

حرب نفسية عنوانها : تهديد اسرائيلي وضغط أميركي

حديث القدس

الأمم المتحدة والإعتراف بفلسطين دولة

ناجي شراب

خطاب ديني يواري سوأة المغتصِب

سماح خليفة

نتياهو قرر إفشال الهدنة وصفقة التبادل

بهاء رحال

تعرية التحالف الاستعماري

حمادة فراعنة

عزلتهم تزداد وهزيمتهم مؤكدة

وسام رفيدي

عاش الاول من أيار ..عيد العمال الأحرار

حديث القدس

"سان ريمو" إرث استعماري يتجدد ضد فلسطين والقدس

عبد الله توفيق كنعان

لماذا تقلق النخب من الحراك الطلابي المعادي لسياسات إسرائيل والمؤيد لغزة بالجامعات الأمريكية والغربية ؟!

محمد النوباني

أزرار التحكم... والسيطرة!

حسين شبكشي

ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

عيسى الشعيبي

الانتماء لفترة الصهيونية

حمادة فراعنة

الجنائية الدولية وقرار اعتقال نتنياهو ... حكمة أم نكتة

سماح خليفة

أسعار العملات

الجمعة 03 مايو 2024 9:49 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

دينار / شيكل

بيع 5.25

شراء 5.2

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%20

%5

(مجموع المصوتين 202)

القدس حالة الطقس