أقلام وأراء

الأحد 10 مارس 2024 10:03 صباحًا - بتوقيت القدس

المصالح الأمريكية تتطلب تنوع نماذج التدخل والتغيير

تلخيص

مع الأزمة الأوكرانية، دخلت الولايات المتحدة مرحلة من التصعيد الشديد لسياستها العدوانية القائمة على التطويق والمواجهة الحاسمة مع روسيا، وهي مرحلة لم يسبق لها مثيل منذ سنوات عديدة ، يضاف الى ذلك ما يجري اليوم من عدوان وإبادة بحق شعبنا والذي شكلت الإدارة الأمريكية الداعم بل والشريك الأساسي له منذ بداياته، بغض النظر عن ما اَلت اليه بعض الخلافات الجارية الآن بين حكومة الاحتلال القائمة والبيت الأبيض، والتي لا تعبر عن أي نوع من الخلافات الاستراتيجية بخصوص التحالف الاستراتيجي بينهما، لكن ربما حول الرؤية الأمريكية لما يسمى بالشرق الأوسط الجديد الذي تحدثتُ عنه في مقالات سابقة.

لقد اخفى بايدن في خطابه امس حول حالة الاتحاد أمام الكونغرس شراكة الولايات المتحدة الكاملة فيما جرى ويجري من حرب الابادة ضد شعبنا، وتباكى على ضحايا شعبنا وتحدث عن اسقاط المساعدات الإنسانية من الجو ، والتي اصبحت برأيي تشكل عبئاً جديدا على شعبنا هناك، كما تحدث عن رصيف الميناء المؤقت . الغريب بالأمر أن الإدارة الأمريكية استطاعت اقناع دولة الاحتلال بذلك في حين لم تستطيع اقناعها بفتح المعابر البرية لإدخال المساعدات! واعتقد ان ذلك يتم كي يشكل الضؤ الأخضر لاستمرار العدوان الوحشي على مدينة رفح والذي قد ينتج عنه التهجير القصري .

هم لا يريدون الضغط على حكومة إسرائيل ، بل الضغط على شعبنا الفلسطيني ، ويعملون على الإسقاط من الجو لاغراض اعلامية كما حديثهم عن الضحايا المدنيين في غزة في محاولة لتحقيق توازن بين الأطراف المختلفة بحزبه الديمقراطي اولاً ، نتيجة ارتفاع وتيرة ضغط المعارضين لسياسات إسرائيل الحالية لمحاولة إعادة استقطابهم في حملته الانتخابية التي برأيي قد بدأها امس أمام منافسه ترامب من جهة ، ومن جهة أخرى لمحاولة امتصاص الانتقادات الدولية الواسعة ومن ضمنها لعدد من الدول الاوروبية التي باتت محرجة اخلاقيا أمام ما يجري من جرائم . لكن ذلك الاداء الاعلامي لا يمكن أن يقترن باجراءات محاسبة أو عقاب بحق إسرائيل من أجل وقف فظائعها .

لذا فقد جرى الحديث دون ان تمارس إدارة بايدن ضغوطات جادة على حليفها إسرائيل لوقف فوري للعدوان أمام اتساع رقعة الغضب بالشارع الأمريكي على استمرار ذلك .

ان دوافع بايدن الذي جاهر بصهيونيته، هي سياسية غير اخلاقية بالمطلق حول ما يجري بغزة، خاصة مع استمرار تزويده إسرائيل باسلحة الدمار وحمايتها بالمؤسسات الدولية، وهو أمر يجمع عليه الحزبان بالولايات المتحدة حتى الآن ، وهو ما يشكل مساً بهيبة الإدارة الأمريكية طالما لا تتحقق وعود أو تنبؤات بايدن حول الصفقة والهدن المؤقتة التي أطلقها وهو يتناول البوظة، فهي عاجزة عن تقييد نتنياهو رغم استقبالها بني غانتس في محاولة للتاثير على التوجهات الإسرائيلية، خدمة للسياسات الخارجية الأمريكية في منطقتنا ليس إلا ، حيث ان غانتس أقرب للرؤية الأمريكية حول المنطقة واتجاهات تطورها .

اما حديث بايدن بحسرة عن استهداف اوكرانيا من جانب روسيا ، وهو أمر اعتبره جزء من تهديد الديمقراطية بالغرب ، فيبدو أنه قد تناسى الدور الذي قامت به المخابرات المركزية الأمريكية بالتعاون مع جماعة بانديرا النازية في تنفيذ الانقلاب بحق الديمقراطية الشعبية والنظام المنتخب عام ٢٠١٤ . بانديرا الذي كرمه زيلينسكي رغم موته عام ١٩٥٦ وهو مجرم الحرب النازي الأوكراني، الذي ارتكب مجازر بحق ١٣٠ ألف شخص معظمهم من البولنديين والأوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية.

وهؤلاء النازيون الجدد في اوكرانيا وعدد من دول أوروبا الشرقية سابقا، وحتى الغربية، تتنامى قوتهم ويحظون بدعم من الإدارة الأمريكية وإسرائيل في أن واحد، رغم معاداتهم للسامية التي تشكل ذريعة لإسرائيل في استخدامها أدوات الدولة لقمع معارضيها في أوروبا، يكشف زيف الاخلاقيات التي تدعيها الحركة الصهيونية في محاربة معاداة السامية والتي هي بالأساس ظاهرة أوروبية لها مصادرها الدينية والاجتماعية الاقتصادية ، وتستغلها أوروبا فيما تعتقد بأنه يحررها من عقدة الذنب وازاحتها علينا نحن بالشرق العربي وكفلسطينين.

المبادئ والاخلاقيات لم تكن هي يوما المعايير المقررة بالسياسات الخارجية. ان سياسات بايدن وحتى كل الإدارات الأمريكية لا تعتمد مع ما يسميه البعض ازدواجية المعايير، وانما المصالح هي التي تشكل المعيار الوحيد والتعبير الحقيقي عن مواقف الدول .

وتفترض هذه السياسة سيطرة وثيقة على "حلفاء الولايات المتحدة " من خلال فرض وقائع تفرض عليهم التعاطي معها، وإذا أمكن السيطرة على الطيف السياسي بأكمله في تلك الدول الحليفة لخدمة العناصر الأساسية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، كما يجري الآن مع المكونات السياسية في دولة الاحتلال ، ومحاولات السيطرة من جهة اخرى على مكونات دول المنطقة ونظامنا السياسي الفلسطيني، من خلال حديثها الفظ والمستمر عن ضرورات التجديد بالسلطة الوطنية وتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن القوى السياسية، وهو أمرٌ فلسطيني خالص لا شأن لهم به. وقد جرى ذلك سابقا في عدد من الدول العربية التي خضعت للشروط الأمريكية والتي تم ربطها بالبنك الدولي أو صندوق النقد الدولي ، وكلاهما مؤسستان ماليتان تخضعان للسيطرة الأمريكية بابعادها السياسية، والنتيجة هي ما وصلت له اليوم من اشكال التبعية نتيجة القروض المالية باعتبارها دولا ريعية .
ان الهدف هو السيطرة بشكل مباشر قدر الإمكان على كل من السلطات الحاكمة وقوى "المعارضة" إلى حد دَفعِهم إلى تبني سياسات ضارة بشكل واضح بشعوبهم ، كما يتطلب ذلك الاستيلاء على الدولة العميقة في تلك الدول .
ونتذكر هنا طبيعة العلاقة التي ربطت الإدارة الأمريكية ومخابراتها مع جماعة الإخوان المسلمين والتي كانت تشكل طرفا معارضا لعدد من الأنظمة العربية، التي نفسها ارتبطت بمصالح الولايات المتحدة ونفذت ما سمي بالربيع العربي للاطاحة بمفهوم الدولة الوطنية على حساب تفوق اسرائيل بالمنطقة .

ورغم ان الولايات المتحدة التي تعلن عن عدم رغبتها بالتدخل العسكري بعد انسحابها من أفغانستان،
الا انها تحتفظ اليوم بأكثر من ٨٥٠ قاعدة عسكرية حول العالم، بما فيها‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط الذي يشكل‭ ‬هدفاً‭ ‬إستراتيجيا‭ ‬لإنشاء‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬لما‭ ‬ذكرته‭ ‬آنفاً،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬هشاشة‭ ‬أمنية‭ ‬وسياسية‭ ‬تعيشها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دوله.

الولايات المتحدة تحتفظ بهذه القواعد وتوسعها بعد أن نفذت انقلابات مختلفة الاشكال في كافة القارات وارتكبت المجازر وحروب الابادة بهدف بسط سياساتها في زمن الحرب الباردة، تعود اليوم باساليب اقتصادية وناعمة دون اغفال الجانب العسكري الذي ما زالت الولايات المتحدة تعتمده بهدف الابقاء على هيمنتها في ظل النظام الدولي الحالي والذي اصبح يتجه للتغيير .

إن إنشاء جيش من "القادة الشباب" الواعدين الذين يتم تشكيلهم في الجامعات النخبوية الأمريكية والشركات الأمريكية متعددة الجنسيات أو مراكز الفكر المختلفة أو حتى المنظمات غير الحكومية ، هو أحد الأسلحة الناعمة الرئيسية في هذا المخطط .

غني عن القول أن نقل "مادة التجديد" هذه يتم بتواطؤ مع قطاعات كبيرة من القوى المالية والاقتصادية المحلية في تلك الدول، التي تتم في بعض الأحيان تحت مسمى حكومة التكنوقراط، وهذا ما جرى في فرنسا واليونان وقبرص مؤخرا، لضمان سيطرة القوى المالية الأمريكية وموظفينها من السياسيين الذي ياتون من كبرى الشركات المالية الأمريكية لتسلم زمام الحكم السياسي في هذه الدول وغيرها، فالان وكما قال لي مرة أحد الساسة القدماء باليونان، اليوم لا يوجد باوروبا زعماء سياسيون، هناك موظفو شركات كبار.

وعادة ما تتناقض التصريحات الأمريكية بشأن الموقف من المكونات السياسية لتلك الدول المستهدفة ، ففي وقت تعلن الإدارة الأمريكية أو الكونغرس عن إجراءات تتعلق اما بالسلطات الحاكمة أو بقوى المعارضة وتُخضعها لأنظمة العقوبات، فانها تجري معها حوارات تعتمد سياسة العصا والجزرة لمحاولات اخضاعها لتنفيذ سياساتها ورؤيتها الاستراتيجية في مناطق عدة بالعالم بما فيها منطقتنا بهدف تمكنها من الطرفين بالحكم والمعارضة .

دلالات

شارك برأيك

المصالح الأمريكية تتطلب تنوع نماذج التدخل والتغيير

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو اصطاد العصافير دون النزول عن الشجرة

حديث القدس

القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي

حمادة فراعنة

إطار للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

جيمس زغبي

رفح آخر ورقة في يد نتنياهو

بهاء رحال

سامحني أبو كرمل.. أنا لم ولن انساك

خالد جميل مسمار

حرب ظالمة وخاسرة

سعيد زيداني

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

فهمي هويدي

أمنوا بالنصر فحققوه ..

يونس العموري

التطبيع.. الدولة العربية، جدلية "المصلحة" والثقافة

إياد البرغوثي

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

أسعار العملات

الأربعاء 08 مايو 2024 10:24 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.22

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 3.97

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 232)

القدس حالة الطقس