أقلام وأراء

الخميس 24 أغسطس 2023 10:14 صباحًا - بتوقيت القدس

التعليم العالي لخدمة السوق أم لاحتياجات تنموية ؟

كثير ما تثار قضايا التعليم، وخاصة التعليم العالي، من حيث التخصصات وبطالة الخريجين والأزمات المالية والامتناع الحكومي عن تحويل المخصصات إلى غير ذلك من قضايا. لعل أبرز القضايا المطروحة هي الدعوة الصريحة لمعالجة قضايا بطالة الخريجين عبر ربط التعليم العالي باحتياجات السوق، دعوة تبدو، ولكثرة التركيز عليها، وكأنها البلسم الشافي لقضية بطالة الخريجين.


اما ما هو واضح فهو أن الجامعات متجهة فعلياً ومنذ سنوات وسنوات لتلبية الاحتياجات لتخصصات تعتقدها تتناسب ومتطلبات السوق، ولذلك رأينا قبل أكثر من 15 عاماً ذلك الإقبال على فتح تخصصات إدارة الأعمال والتسويق والإدارة المالية والمحاسبة وتكنولوجيا المعلومات والقانون والهندسة بفروعها، وقد حصلت طفرة في خريجي تلك الفروع لدرجة دعت بعض النقابات كنقابات الممرضين والمعلمين في غزة، ونقابات المحامين والصيادلة وأطباء الأسنان في الضفة لمطالبة الجامعات برفع معدلات القبول كي لا يستمر سوق البطالة بالتضخم، او توجهت بدعواتها للطلبة بتجنب تلك التخصصات حسب تقرير للجزيرة نت.


هذا جانب من المسألة، أما الجانب الثاني في سياسات القبول فهو القبول لغرض واحد أوحد: حشد اكبر عدد من الطلبة، وبالتالي جباية أقساط بأرقام تتزايد تقريباً كل سنة (50 الف دينار باتت تكلفة دراسة الطب مثلاً)، لمعالجة ما تقول الإدارات أنها أزمات مالية، حتى لو كان هذا الحشد على حساب جودة التعليم وجاهزية الطلبة للتخصص المعني، ومعدلات القبول الصادمة التي اعلنتها احدى الجامعات قبل اسبوعين، خير مثال على ما ذهبنا إليه. ولحشد مزيد من الأموال وضعت الجهات المسؤولة التي ترسم السياسات المالية، وهي للحق تتمتع بعقلية تجارية بامتياز، (نظام الموازي) لحصد المزيد من الأموال، نظام يفتح المجال أمام الطلبة للإلتحاق بتخصصات تتطلب معدل أعلى من المتحصل عليه في التوجيهية.


أما ما تمخضت عنه سياسات ربط التخصصات باحتياجات السوق ومجمل سياسات القبول، فهو بقاء البطالة على ما هي بين صفوف الخريجين بحيث بلغت 48% في العام 2022 حسب جهاز الإحصاء المركزي ومع ذلك يستمر رفع شعار ربط التعايم العالي بالسوق تحت شعار معالجة البطالة!!!!! إن اصحاب هذا التوجه يغفلون عن حقيقة راسخة في الاقتصاد وهي أن نظام السوق الرأسمالي لا يمكن إلا أن ينتج البطالة فهي ظاهرة بنيوية فيه.


من نافلة القول ان يرتبط التعليم بمجمل البنية الاجتماعية فهو لا يعمل بمعزل عنها، ولكن يبقى السؤال: ايهما الأهم هنا، إرتباطه باحتياجات السوق، الرأسمالي بامتياز، والتابع والملحق في حالتنا، أم أن يرتبط باحتياجات تنموية مطلوب تبنيها والعمل عليها، علماً أن نظام السوق لا يعني التنمية بأي حال، وإن عنى النمو بالمفهوم الراسمالي.


ينبغي التأكيد ودون لبس أن ما يسمى تجاوزاً بالاقتصاد الوطني الفلسطيني هو اقتصاد خدماتي غير منتج، ,مرتبط كتابع ملحق بالسوق الصهيوني حتى مخ العظم، اقتصاد تهيمن عليه أنشطة البنوك وشركات الاتصالات ونظم المعلومات ولا يستند لا لقاعدة انتاجية في الزراعة والصناعة، ولا لسيادة على الأرض والموارد والمعابر والحدود، اقتصاد يحوز فيه الاستيراد حصة الأسد من الفعاليات التجارية بحيث وفّر هذا نمواً هائلاً لشرائح الكمبرادور: وكلاء وسماسرة الشركات الأجنبية، وبالتالي من باب التجازو المخل بالعلمية تسميته بالاقتصاد الوطني. وعليه عندما يجري الحديث عن ربط التعليم بالسوق فالمقصود سوق الخدمات الرأسمالي حصراً، المرتبط بعلاقة تبعية والحاق بالسوق الصهيوني، علناً ومن الباطن. ومع ذلك فشعبنا كشعب مستعمَر يحتاج لغير ذلك.


يحتاج شعبنا لانشطة وبؤر تنموية لتدعيم مقومات بناء اقتصاد مقاومة وصمود، كفيل بتحقيق بعض الانتاجية وتوفير فرص العمل، والحد، -وليس القضاء بالتأكيد-، من البطالة بين الخريجين، اقتصاد يقوم على استصلاح الأراضي وبناء تعاونيات زراعية، وأخرى زراعية غذائية، وبناء صناعات حرفية صغيرة.


 اعداد تتزايد من الشباب الخريجين، من الجنسين، الذين واجهوا البطالة اهتدوا لما ندعو لهم بتجربتهم الخاصة واحتياجاتهم الفعلية، فأنشأوا عشرات التعاونيات الشبابية، للجنسين ايضاً، في مختلف مناطق الضفة سواء أكانت تعاونيات زراعية أم تعاونيات للإنتاج الغذائي بحيث غدوا نموذجا لمجموعات شبابية تتزايد باستمرار، وباتت تحظى بدعم واهتمام أوساط الباحثين وأعداد لا بأس بها من الداعمين والمتسوقين.


لست ممن يبيعون الوهم بممكنات بناء (تنمية مستدامة) أو (إنسانية) كما تروج برامج بعض المنظمات غير الحكومية لاستجلاب الأموال، فتنمية بهذا المعنى تتطلب السيادة اولاً وقبل كل شيء على الأرض والموارد الطبيعية، كالمياه مثلاً والحدود، على الجو والبحر، فلا تنمية تحت الاستعمار، ولكن هناك مجال ومتسع لنماذج وبؤر تنموية توفر الحد المعقول من الدخل لقطاعات الخريجين، وتعزز صمودهم في الوطن كبديل للهجرة، وتبني لبنات مجتمع صامد يملك مقومات المقاومة.


كل ما سقناه عن تلك النماذج التنموية لا يشغل بال واضعي السياسات في العديد من الجامعات لا من قريب ولا من بعيد. كم عدد الجامعات التي تقدم مساقات في إدارة التعاونيات الانتاجية أو استصلاح الأ راضي، أو بناء ورشة حرفية؟. من تجربتي في حقل التعليم الجامعي، ومن ملامستي لهموم الطلبة الخريجين، اعتقد جازماً ان مساقاً إجبارياً حول كيفية بناء التعاونيات الانتاجية، زراعية أم حرفية، أهم بكثير من مساقات إجبارية في الرياضة والفن التشكيلي والموسيقى، على أهمية تلك المساقات على العموم كمكونات من الثقافة العامة، ولكن من زاوية الأولويات المجتمعية لشعب تحت الاستعمار، فبناء تعاونيات إنتاجية لخريجين جامعيين أهم في هذه اللحظة التاريخية من تطوير ملكة تذوق الفن التشكيلي أو الوقوف على مساحات الملاعب المختلفة، وقطر كرة السلة او كرة القدم، فدائماً هناك أولويات تتحدد في لحظة ما وتتغير بتغير اللحظة.


أما ما أُعلن أكثر من مرة رسمياً حول تطوير وتوسيع التعليم المهني فهذا مبشر، ويتفق مع ربط التعليم بالاحتياجات التنموية، إلا أن الاتجاه حتى اللحظة، وهو اتجاه متزايد، هو إغراق الجامعات بتخصصات للبكالوريوس والدراسات العليا لا صلة لها بالاحتياجات التنموية اللهم در كميات من الأموال لخزينة كل جامعة. إن تحقيق التوجه نحو التعليم المهني يتطلب تسهيلات عديدة لافتتاح كليات مهنية، وإيجاد حوافز مالية وأكاديمية لتشجيع الطلبة للالتحاق بتلك الكليات، مع تحديد ابز التخصصات المهنية المطلوبة لخدمة احتياجات تنموية تخدم بناء مجتمع الصمود والمقاومة، ومع ذلك ينبغي دون تردد اعتماد التقييد المطلوب للتوجه، المالي بالأساس، الجاري بإغراق الجامعات بتخصصات لا شأن لها باي توجه تنموي.

دلالات

شارك برأيك

التعليم العالي لخدمة السوق أم لاحتياجات تنموية ؟

المزيد في أقلام وأراء

في انتظار الموت المؤجل ...

يونس العموري

القرار في غزة والجواب في القاهرة

حديث القدس

قمع حراك الجامعات الأمريكية.. أهداف ومعان

فوزي علي السمهوري

تناقض أم تكامل الخطابين: العسكري والسياسي

سماح خليفة

الحكومة, الانتخابات والوحدة: ما هي استراتيجية الخروج؟

د. دلال صائب عريقات

تحديات أمام الأحزاب

حمادة فراعنة

الشارع الإسرائيلي يطالب بوقف الحرب ودفع الثمن

حديث القدس

الحجر بكى من وجع غزة

ريما محمد زنادة

الحرب على " ظهور الماعز"

عطية الجبارين

حصار إسرائيل وأميركا في الأمم المتّحدة

عائشة البصري

الهدنة وقرار اجتياح رفح

بهاء رحال

الاستحقاق الانتخابي في موعده

حمادة فراعنة

غزة ... والحرب العالمية الثالثة ... والعرب يتفرجون !!!

ابراهيم دعيبس

الهجوم الإسرائيلي على رفح محكومٌ بالفشل

محسن محمد صالح

نتانياهو وفيتو صفقة التبادل

حديث القدس

هل ما زالت ألمانيا تكره الحروب؟

وليد نصار

مكاسب استراتيجية للفلسطينيين

حمادة فراعنة

دورنا في مواجهة المعادلات الجديدة في ظل عجز أمريكا وأزمة إسرائيل

مروان أميل طوباسي

حماس وطوفان الأقصى.. والإكراهات الجيوسياسية

ماجد إبراهيم

رفح ثغر الشعب و حبل الصرة مع الأمة

حمدي فراج

أسعار العملات

الإثنين 29 أبريل 2024 9:46 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.8

شراء 3.79

دينار / شيكل

بيع 5.37

شراء 5.35

يورو / شيكل

بيع 4.1

شراء 4.04

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%73

%22

%4

(مجموع المصوتين 178)

القدس حالة الطقس