لا شك أن هناك تحالفًا استراتيجيًا بين إسرائيل وأمريكا، وقد كان ترامب جزءًا من هذا التحالف خلال فترة رئاسته الأولى، والتي قام خلالها بقتل سليماني، وألغى الاتفاق النووي مع إيران ونقل السفارة إلى القدس، واعترف بالجولان ملكية إسرائيلية.
لكن ترامب، بشخصيته الواثقة وعنجهيته المتكبرة، التي اتسعت بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية التي فاز فيها بأغلبية غير مسبوقة، أصبح أكثر اندفاعًا وثقة مطلقة بنفسه، حتى وصل إلى حد الغرور. ولا ننسى مصطلحاته التي رددها كثيرًا، مثل: "لو كنتُ رئيسًا لما حدثت حرب أوكرانيا"، "ولو كنتُ رئيسًا لما حدث 7 أكتوبر"، "وسوف أوقف الحرب في أوكرانيا قبل تسلمي الرئاسة"... إلى آخره.
بعد مرور مئة يوم على توليه الرئاسة، يكتشف ترامب أنه لم يُنجز أيّا من الوعود والخطط التي أعلنها. فقد تعثّر في بنما وكندا وغرينلاند وأوروبا وأوكرانيا، وهو الآن على وشك أن يتجه إلى الشرق الأوسط.
يقف ترامب ليراجع الماضي، فيقول في نفسه: "أنا ألغيت الاتفاق النووي لصالح إسرائيل، والآن هي تجرّني إلى حرب معها، وتحاول التدخل في المفاوضات مع إيران... أنا قتلت سليماني لصالح إسرائيل، بينما هي أنكرت علاقتها بالعملية (لتتجنب الثأر)". ثم يراجع المئة يوم الأخيرة فيقول: "إسرائيل تدعم زيلينسكي (اليهودي) الذي تمرّد عليّ في بداية عهدي، وخرج من الاجتماع كبطل، ولم يوقّع اتفاق المعادن، ولم يقبل بإنهاء الحرب". فيقرر، دون علم نتنياهو، البدء بمفاوضات مع إيران.
يتذكر ترامب كيف فرض وقف إطلاق النار في غزة قبيل توليه الرئاسة، وكيف بدأت عملية إدخال المساعدات. ثم يتذكر كيف رضخ نتنياهو للمتطرفين، فأوقف الاتفاق وبدأت الحرب من جديد، هذه المرة أشد وأقسى، مع فرض مجاعة على غزة. كما يستذكر قرارات المجلس الأمني المصغر في إسرائيل ببدء حرب أوسع واحتلال غزة، وتصريحات نتنياهو بأنه لن ينسحب منها. فتعود به الذاكرة إلى حلمه بالسيطرة على قطاع غزة، ليدرك أن النصر الذي حققه بوقف الحرب قد ضاع، وأن حلمه بامتلاك غزة قد تبخّر.
ويرى ترامب تهافُت إسرائيل على "الكعكة السورية"، وتذمرها من دور تركيا، فيرد: "أردوغان صديقي... اذهب وتفاهم معه".
يتذكر ترامب أنه شن غارات يومية على اليمن لصالح إسرائيل، وعندما يسمع تصريح نتنياهو بأنه "غير مقيّد بالنمط السابق من الردود"، يشعر بالإهانة، فيتوقف فورًا ويتصل باليمن، ويتوصل إلى اتفاق، دون الحاجة لإبلاغ إسرائيل.
وفي طريقه إلى السعودية، يتذكر المكالمة التي أجراها مع محمد بن سلمان، والتي حصل فيها على تريليون دولار، ثم يتذكر المبالغ التي تنفقها أمريكا على تسليح إسرائيل، فيتساءل: "لماذا أدفع إلى إسرائيل ما أقبضه من السعودية؟".
يتذكر أن مستشاره للأمن القومي أجرى اتصالات مع إسرائيل دون إذنه، فيغضب ويفصله فورًا.
كما يتذكر المظاهرات العارمة في أمريكا وأوروبا ضد الحرب، وضد إسرائيل، وضد أمريكا نفسها، فيقول في نفسه: "لماذا أدفع أنا الثمن؟".
ويعود ترامب بذاكرته إلى فترة الانتخابات، ويتذكر موقف اللوبي الصهيوني، فيهز رأسه، ويستبعد صهره كوشنر، ويستبدله بنسيبه اللبناني مسعد بولس.
يقصف نتنياهو ميناء الحديدة ويصرّح أنه "تشاور مع ترامب"، فيأتيه الرد من أمريكا: "لقد أبلغَنا... لكن لم نتشاور".
وبينما يقوم ترامب بحزم حقيبته، يقرر أنه لا داعي لزيارة إسرائيل. ويخرج نتنياهو من جلسة المحكمة التي يُحاكم فيها بتهمة الفساد، ويتجه إلى غرفة العمليات ليشاهد تدمير مطار صنعاء.
ينظر ترامب إلى الخارطة فيجد أن جميع الدول في المنطقة صديقة مخلصة له (الأنظمة)، باستثناء نتنياهو... حليفه الاستراتيجي. فيتذكر الفوز الساحق الذي حققه في الانتخابات الرئاسية، ويقول في نفسه: "لقد تمرّد نتنياهو عليّ، يتصرف وكأنه شريكي في الرئاسة، ويجب أن يعاقب. لقد أعطيناه كل شيء ولم ينتصر على غزة، يجب أن يرحل".
أما نتنياهو، فيكثر من شرب القهوة، ويتجول في بيته ذهابًا وإيابًا، يصرخ ويبكي، ويقول في نفسه: "هل أستقيل للحفاظ على دعم أمريكا، أم أستعين باللوبي للتخلص من ترامب؟".
شارك برأيك
شخصية ترامب وصناعة التاريخ