Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

السّبت 15 مارس 2025 10:46 صباحًا - بتوقيت القدس

إعادة التفكير في التضامن: ولاء غير مشروط أم مقاومة أخلاقية؟



لطالما كان الشعار "نحن مع فلسطين، ظالمة أو مظلومة" نداءً للتضامن، يتردد صداه بقوة بين الجزائريين وغيرهم ممن يقفون مع القضية الفلسطينية. ورغم أن هذا الشعار يعكس روابط تاريخية عميقة ودعماً لا يتزعزع، إلا أنه يثير تساؤلاً جوهرياً: هل يعني التضامن الحقيقي الولاء الأعمى، أم أنه يتطلب المساءلة؟ إن الدعم الصادق يجب أن يتجاوز الشعارات، ليغوص في تعقيدات العدالة، بحيث تكون المقاومة متجذرة في النزاهة وليس في الحصانة من النقد.


أحد النشطاء الأوروبيين، المنخرطين بعمق في القضية الفلسطينية، سأل مجموعة فلسطينية ذات مرة عن الشفافية في عملهم. كانوا قد حشدوا الدعم، وجمعوا التبرعات، ونظموا الحملات. ولكن عندما استفسر الرفيق الدولي عن الإجراءات المتبعة لضمان النزاهة، جاء الرد سريعاً ومستنكراً:


"سؤالك متعالٍ، استشراقي، ويفوح منه الاستعمار الثقافي. من أنت حتى تطالبنا بالمساءلة؟ لقد جرحنا سؤالك كثيراً!"


أُخذ الناشط على حين غرة. فقد أمضى سنوات في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، ودفع ثمناً شخصياً من أجل تضامنه. لم يكن يتوقع أن يُوبَّخ لمجرد طرح سؤال—وهو سؤال كان سيوجهه لأي حركة دعمها.


هذه الحادثة ليست استثناءً، بل جزء من نمط أوسع حيث يُستخدم النضال من أجل التحرر كدرع ضد المساءلة، وحيث تُستغل لغة مناهضة العنصرية لقمع النقاش المشروع، وحيث يُنظر إلى التضامن ليس على أنه مشاركة متبادلة، بل كولاء غير مشروط. وفي مواجهة الغطرسة الاستعمارية، يتجذر شكل مقلق من الإقصاء—ذلك الذي يستبدل الحوار الحقيقي بالتكميم، والمسؤولية بالحصانة.


مفارقة العنصرية المناهضة للعنصرية


هناك نزعة متزايدة، في فلسطين وخارجها، لخلط النقد السياسي بالتحيز العنصري، ولإضفاء قداسة أخلاقية على المعاناة التاريخية. وتتجلى هذه المفارقة بعدة أشكال:


1. تسليح الهوية: يتم رفض أي نقاش نقدي بناءً على هوية المتحدث بدلاً من جوهر كلامه. فعندما يطرح متضامن غربي تساؤلات حول الحوكمة، يُوصم بالغرور، بينما يُتهم الناقد الداخلي بإضعاف الوحدة.



2. حصانة المظلوم: الافتراض بأن المعاناة تمنح نقاءً أخلاقياً تلقائياً، وكأن المظلوم خارج نطاق المساءلة، وأن أفعاله لا تقبل التشكيك. لكن القهر لا ينتج بالضرورة الفضيلة، تماماً كما أن الامتياز لا ينتج بالضرورة الرذيلة.



3. المعايير الانتقائية: هناك حركات تطالب الرفاق الدوليين بمساءلة الظلم في مجتمعاتهم، لكنها ترفض الخضوع لنفس المعايير داخل صفوفها. فإذا انتقد ناشط الفساد في حكومة غربية، يُشاد به؛ أما إذا انتقد الفساد داخل حركة تحرر، يُهاجم.



4. إسكات النقد الداخلي: في كثير من الأحيان، يتم قمع النقد الداخلي باسم الوحدة. فالمتسائلون عن القيادة أو سوء الإدارة المالية أو القرارات الاستراتيجية يُتهمون بالخيانة، وكأن النقد فعل خيانة، وليس تمريناً ضرورياً في النزاهة.




الثمن


قد تمنح هذه العقلية شعوراً مؤقتاً بالبراءة المطلقة، لكنها لا تخدم النضال. بل إنها تُبعد الحلفاء الملتزمين، وتضعف المكانة الأخلاقية للحركة، وتسمح باستمرار المظالم الداخلية بلا رقيب. فالحركة التي ترفض فحص ذاتها لا تنمو—بل تتجمد عند نقاط ضعفها.


المساءلة ليست فرضاً استعمارياً؛ إنها مبدأ إنساني. يجب أن تستند شرعية القضية الفلسطينية، ككل القضايا العادلة، إلى المعايير الأخلاقية التي تُدار بها المقاومة، لا على المعاناة وحدها.


نحو تضامن قائم على المشاركة المتبادلة


التضامن الحقيقي ليس عملاً من أعمال الخضوع، بل هو التزام مشترك. إنه يتطلب فكراً ناقداً وقلباً نابضاً قادراً على الانخراط في المحادثات الصعبة، والتواضع للاستماع بقدر ما يتحدث. وبينما نرفض الغطرسة الاستعمارية، علينا أيضاً أن نرفض عقلية الضحية الدفاعية.


إن مقاومة القمع تعني مقاومة جميع أشكال الإقصاء والتكميم—بما في ذلك تلك التي تتخفى تحت عباءة المقاومة ذاتها. فالحركة المتجذرة في النزاهة ستكون دائماً أقوى من تلك التي تستند إلى الخوف من النقد.



دلالات

شارك برأيك

إعادة التفكير في التضامن: ولاء غير مشروط أم مقاومة أخلاقية؟

فويرون - فرنسا 🇫🇷

لولو قبل حوالي شهر واحد

جزيل الشكر على هذا المقال المتنور والتحليل الواقعي.

المزيد في أقلام وأراء

نجاح العدالة و التنمية مرتبط بنجاح نظام اللامركزية الإدارية للدولة

كريستين حنا نصر

الأغوار الفلسطينية والمشروع الصهيوني الكولونيالي

د. برنارد سابيلا: رغم الحرب واليأس سيكون هناك نور وهذا هو رجاء الفصح الأبدي

د. برنارد سابيلا

القِيَامَةُ في الوِجدَانِ الفلسطينِيِّ

على أبواب التوجيهي.. قنابل بلا "رحمة" ومدارس من ركام!

جُمعةُ القِيامَةِ والبَعْثِ والفِداءِ

بهاء رحال

“ثورة بلا دماء: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل السلطة والصوت والنفوذ”

صدقي أبوضهير

"حرب التجويع".. ومخطط التهجير

عصام أبو بكر/ كاتب مصري

نحو اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني

حمادة فراعنة

نزع سلاح حركة حماس

جهاد حرب

عودة السلطة الى غزة.. استحقاق وطني أم إعادة تدوير للأزمة؟

أمين الحاج

ما بين وثيقة إعلان الاستقلال وانعقاد دورة المجلس المركزي

مروان إميل طوباسي

إصلاح منظمة التحرير أم إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية

رائد محمد الدبعي

تحديات الاقتصاد الأردني

جواد العناني

سيناريوهات تعيين نائب للرئيس الفلسطيني.. بين الضغوط الخارجية والمصلحة الوطنية

بسام زكارنة

أهلنا في غزّة أبطال لكنهم ليسوا سوبرمان

داود كتّاب

في غزة.. الناس لا يبحثون عن "التحرير" بل عن "تذكرة نجاة"

محمد جودة

خَمِيسُ السِرِّ المُقَدَّسِ

بهاء رحال

المفاوضات الإيرانية- الأمريكية معقدة وتسودها حالة من انعدام الثقة

راسم عبيدات

لا يمكن أن يستمر الحال في غزة على هذا النحو.. "فلا نتنياهو ولا السياسيين الألمان...

أسعار العملات

الخميس 17 أبريل 2025 1:14 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.69

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.2

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 4.19

شراء 4.18

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%55

%45

(مجموع المصوتين 1092)