الان، و بعد كل هذا الدم المسفوح، و بعد كل هذا الذي جرى من هزة عميقة على مستوى الوعي و الامن و السياسة , ليس في منطقتنا و انما في العالم اجمع، فان الكلام عن التسوية السياسية اصبح حديث الجميع، و بدا كأن كل الاطراف تكتشف ان هناك صراعاً منسياً عن عمد او عن غير عمد و ان هذا الصراع يجب حله، وهي خطيئة ساهم المجتمع الدولي فيها من خلال اهماله لحل هذا الصراع او تناسيه او توكيل قوى الاستعمار لادارته ، ساهم في هذه الخطيئة ايضا النظام العربي الذي عجز عن الحل عسكرياً و دبلوماسياً على مدى 74 سنة مضت .
الان، و بعد كل ما جرى، في قطاع غزة و الضفة الغربية و في الاقليم العربي و كذلك في اوروبا و الولايات المتحدة ، فانه التسوية السياسية التي يتم الكلام عنها تاخذ العنوان الاكثر استهلاكاً و استخداماً الا و هو حل الدولتين ، و هو ما اشار اليه الرئيس الامريكي بايدن عدة مرات و كذلك مسئولون كبار في الاتحاد الاوروبي فضلاً عن قادة عرب ذوي علاقة .
ولاننا اصحاب تجربة عميقة و مريرة في هذا الشعار الكبير والعريض والغامض، فانه لا بد من التنبيه الشديد و التحذير المسبق لاخطاء التسويات التي شهدناها او خبرناها ، و هي تتمثل فيما يلي :
الخطأ الاول : و هو خطا يتعلق بمسألة الامن ، اذ يكاد يجمع الجميع على ان الامن بيد اسرائيل ، و ان الشعب الفلسطيني يجب ان يكون مكشوف الظهر، بمعنى ان كل تسوية سياسية تفترض منذ البداية ان الفلسطيني يجب ان يكون ضعيفاً غير قادر على اتخاذ القرار السياسي او الامني او الاقتصادي ، ان تسوية مثل هذه تتضمن عوامل تفجيرها تماما .
الخطأ الثاني : و هو خطأ يتعلق بتعريف الشعب الفلسطيني ، اذ عادة ما تفترض هذه التسوية ان الشعب الفلسطيني ليس واحداً و ليس موحداً و غير معرّف، فهناك فلسطينيون عادة غير مشمولين في التسوية كفلسطيني القدس او الشتات او مناطق 48 ، او هناك تسويات قد لا تشمل الضفة الغربية او قطاع غزة ، وهناك تسويات تستبعد تلك الجماعة .
ان كل تسوية سياسية تستبعد جماعة او فئة او طائفة فلسطينينة بسبب المعتقد او الجغرافيا او المكانة القانوينة هي تسوية لا تستمر ولا تستقر .
الخطأ الثالث : التسويات التي شهدناها وخبرناها هي تسويات متدرجة في الزمان والمكان و النوايا و حسن السلوك ، ولا يمكن لتسوية ان تستمر أو تستقر اذا كان ضمانها او مقرر نجاحها او فشلها هو الطرف القوي او المستعمر ، لانه هذا المستعمر سيجد دائما ذريعة لنقض التسوية ، ان كل التسويات التي رأيناها و سمعنا عنها و عشناها كانت مرتبطة بقرار اسرائيل لتقرر مدى نجاح تلك التسويات و فشلها ، ان كل تسوية ناجحة يجب ان تنزع من اسرائيل هذه الافضلية .
الخطأ الرابع : هو خطأ مبدئي تماماً ، إذ لا يمكن لضعيف وقوي ان يتوصلا الى تسوية حقيقة ، فالقوي يفرض على الضعيف ما يريد وحتى هذه اللحظة ، فان كل التسويات كانت كذلك ، ولهذا فشلت ، ان التفاوض الحقيقي يكون بين متكافئين يؤمنان بالتسوية باعتبارها اقل كلفة من الحرب ، اما اذا لم يكن الوضع كذلك فان التسوية ستكون اقرب الى الاستسلام في أحسن ظروفها .
الخطأ الخامس: هو يتعلق بالضمانات او الضامنين لهذه التسوية ، اذ اثبتت التجارب ان لا ضمانة اطلاق لأي تسوية ، وان الضامنين هم شركاء او صامتون او ضعفاء او مستفيدون او كل ذلك مجتعماً .
ان التسوية الدائمة تفترض اطاراً دولياً لتثبيتها او ادامتها ، وهذا يعني ان مظلة اخرى دولية وعربية مطلوبة غير اولئك الذين خدعونا طيلة عقود بحل الدولتين ، حتى وصل بنا الحال الى الكلام عن الامارات الفلسطينية المحتلة كما طرح أحد اساتذة الجامعات الاسرائيلية .
الخطأ السادس : هو خطأ يتعلق بتعريف الارض الفلسطينية او جغرافية الدولة الفلسطينية ، وهما امران غير متطابقين ، ولهذا فان كل تسوية لا تحترم او تاخذ بعين الاعتبار وحدة هذه الارض وتواصلها و خلوها من التهديد او اعادة السيطرة او الوجود الاستيطاني فانها تسوية محكوم عليها في الفشل ، ان في الثروات او الطرقات او المساحات ، الوطن صغير الحجم و الاحلام كبيرة، و لهذا فان التسوية التي تقوم على الشراكة غير المتساوية لن تصمد في المستقبل .
الخطأ السابع : في التسويات التي خبرناها فانها خلت من الاشارة الى انهاء الاحتلال بل تضمنت التكيف مع الاحتلال او التعايش معه او احتماله او اعادة انتاجه ، بمعنى اخر ، التسويات التي خبرناها لم تر في الاحتلال عنصراً يجب ازالته بل يجب التعامل معه باعتباره قدراً لا فكاك منه ، ان الاصرار على هذا الامر يعني ان التسوية مهما تضمنت من عناصر جيدة ستظل قابلة للانفجار .
أقلام وأراء
الخميس 30 نوفمبر 2023 10:13 صباحًا - بتوقيت القدس
اخطاء التسوية السياسية المعتادة

دلالات
المزيد في أقلام وأراء
هذا هو الفرق بيننا وبينهم
من الدولة المدللة.. إلى المنبوذة
سلاح التظاهرات دعماً لفلسطين
مواقف دولية وتصريحات واعدة
قطع الرواتب.. دعوة لإعادة النظر !
الفرصة الأوروبية.. كيف نبني على التحولات الشعبية والسياسية في الغرب؟
الرأي القانوني في قرار الكابينيت الأخير منع عملية تسوية الأراضي في مناطق C وإلغاء إجراءات...
على هذه الأرض ما يستحق البقاء
مصطفى إبراهيم
المساعدات والمفاوضات والتهديدات
بهاء رحال
صحوةٌ بعد طول غفوة !
إبراهيم ملحم
فلسطين فرصة اقتصادية تنتظر التفعيل العربي
إن لم تكن شريكاً في الطبخة فأنت الوجبة!
إبراهيم ملحم
تطورات سياسية غير مسبوقة
حمادة فراعنة
حين تتحول الساحات إلى منصات للنضال الثقافي// من أوسلو إلى "فدائي" النشيد الوطني الفلسطيني...
توفيق العيسى
زيارة ترامب ومستقبل القضية الفلسطينية
جمال زقوت
من عامود السحاب الى عربات جدعون... الطريق غير سالك
حمدي فراج
المسارات الخاطئة.. طغيان الوسائل على الأهداف
جيمس زغبي
بين خيمة وخيمة
بهاء رحال
بين غزة وطروادة
نبهان خريشه
البنود النهائية لصفقة التبادل والتهدئة والساعات الحاسمة
حمزة البشتاوي
الأكثر تعليقاً
محدث:: دخول أول شاحنة مساعدات إلى قطاع غزة منذ شهرين

حماس: إسرائيل تضلل العالم بادعاء إدخال مساعدات لغزة

الاحتلال الإسرائيلي: 100 شاحنة مساعدات للأمم المتحدة دخلت إلى غزة

تضارب الروايات حول دخول مساعدات إلى غزة لأول مرة منذ مارس

الرئيس عباس يدعو دول العالم لكسر الحصار وإيصال المساعدات لغزة

هل ستفضي هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة إلى هدنة حقيقية تنقذ ما تبقى من غزة؟

87 شهيداً و290 جريحاً خلال 24 ساعة بغزة

الأكثر قراءة
أهم تدخلات وزارة المواصلات خلال العام الأول من تولي حكومة مصطفى مهامها

79 شهيدا بغزة وأنباء عن انهيار مبنى على قوة إسرائيلية

الرئيس عباس يدعو دول العالم لكسر الحصار وإيصال المساعدات لغزة

شهيدان ومصابون في قصف للاحتلال غرب دير البلح

رئيس وزراء إسبانيا يدعو لاستبعاد إسرائيل من "يوروفيجن"

قصف إسرائيلي يستهدف مركبة في عين بعال جنوبي لبنان

هجوم روسي يقتل 6 جنود أوكرانيين وسط حراك دولي لإنهاء الحرب

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%56
%44
(مجموع المصوتين 1260)
شارك برأيك
اخطاء التسوية السياسية المعتادة