أقلام وأراء

الإثنين 11 سبتمبر 2023 10:09 صباحًا - بتوقيت القدس

هل بدأ التقارب العلني السعودي الإسرائيلي؟

لقد اعتبرت إسرائيل دولة معادية من قبل الدول العربية لسنوات عديدة، ورفضت الدول العربية كل أشكال التطبيع معها، قبل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. إلا أن مصر فتحت طريق التطبيع بتوقيع معاهدتي السلام مع إسرائيل سنة 1979، من دون اشتراط حل عادل للقضية الفلسطينية، ومن بعدها وقّعت منظمة التحرير اتفاق أوسلو سنة 1993مع إسرائيل -نافذة التطبيع-، ووقّعت المملكة الأردنية اتفاق سلام مع إسرائيل سنة 1994.


 إلا أن الاتفاقيات سابقة الذكر مع إسرائيل لم تسهم في حل القضية الفلسطينية، وإنما ازدادت إسرائيل تطرفًا وحدة، فقد اعتبرت إسرائيل قيام الدول العربية بتطبيع العلاقات معها بأنه موافقة على سياساتها الصهيونية والعنصرية والاستيطانية.


لقد حددت الدول العربية موقفها من القضايا المطروحة لحل القضية الفلسطينية من خلال القمة العربية التي عقدت في بيروت في 27 آذار/مارس2002، لمواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي لحكومة أرييل شارون ضد الشعب الفلسطيني. وقد نصت النقاط الرئيسية في المبادرة العربية التي تضمنها البيان الختامي للقمة على مطالبة إسرائيل بالانسحاب من كامل الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري والأراضي التي لاتزال محتلة في الجنوب اللبناني، ومطالبتها بحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر تحت رقم194، ومطالبتها بقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية وفي الضفة والقطاع، وضمان رفض كل أشكال التوطين التي تتناقض مع القوانين المعتمدة في الدول العربية، وأخيرًا ‌دعوة المجتمع الدولي للعمل من أجل تطبيق هذه المبادرة.


وعليه تعهدت القمة العربية أنه في حال قبول إسرائيل بهذه الشروط، فإن الصراع العربي الإسرائيلي يعتبر منتهيًا، إضافة إلى إنشاء علاقات تبادل مع إسرائيل، والعيش معًا بسلام.


إلا أن السياسات الأمريكية والإسرائيلية نجحت في تحويل حل الصراع من الداخل الفلسطيني إلى الخارج العربي، حيث تزايدت وتيرة التطبيع السياسي والثقافي مع الدول العربية التي لم تدخل بعد في اتفاقات سلام مع إسرائيل. ومن شأن ذلك قبول إسرائيل في محيطها العربي قبل إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ما يعني إضعاف المطالب الفلسطينية.


وفي منتصف أيلول/سبتمبر2020، تكلل التطبيع العربي السري بالإعلان الرسمي عن توقيع ما يسمى باتفاقية السلام ما بين دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين مع إسرائيل في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي 24تشرين أول/أكتوبر2020 تم التوقيع مع السودان أيضًا برعاية ترامب. ويذكر أن المغرب كان رابع دولة عربية تطبع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل برعاية أميركية في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ومن المتوقع أن توقع العديد من الدول العربية والخليجية نفس المعاهدات مع إسرائيل وبذلك تكون هذه الدول قد تخلت عن المبادرة العربية كشرط للتطبيع مع الاحتلال منهية بذلك التزامها العروبي تجاه القضية الفلسطينية، محققة مصالحها على حساب قضية العرب الأولى والمركزية، محولة القضية الفلسطينية إلى قضية هامشية.


وهذه الاتفاقيات تركّز على المصالح الأمنية للدول الموقعة في مواجهة ما يسمى التهديد الذي تشكله إيران على دول المنطقة، بالإضافة إلى مصالح اقتصادية واستراتيجية، في ظل إغفال القضية الفلسطينية، هذه الاتفاقيات تبعد كل البعد عن معاهدة السلام المصرية والأردنية، اللتان قامتا أساسًا على مبدأ إقامة سلام مقابل استرداد أراضيها المحتلة.


لقد اعتبرت الدول الخليجية وإسرائيل سعي الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما إلى إبرام اتفاقية نووية مع إيران أمرًا مثيرًا للقلق، وعليه شكل البحث عن وسائل لمواجهة خطط إدارة أوباما فرصةً للدول الخليجية وإسرائيل للعمل المشترك، حيث شكلت هذه الخطوة القاعدةَ اللاحقة للعمل مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وبالفعل، تبيّن أنّ هذه الاستراتيجية ناجحة جدًّا، حيث شكل تحالف إسرائيل ودول الخليج جوهر السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعبر القيام بذلك، قدّمت الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا شبه مفتوح للطرفين، وانسحبت من الاتفاقية النووية التي أطلقها أوباما وطبّقت حملة "الضغط الأقصى" على إيران.


ومن جهة أخرى، فقد اعتقدت الدول الخليجية أنّ التطبيع مع إسرائيل سيساعدها على تحصين صلاتها الأمنية الخاصة بالولايات المتحدة، نظراً للدور الأمريكي في حفظ أمن إسرائيل. فقد يكون هذا التحليل صحيحًا، فبعد توقيع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل، أصبحت ثاني أكبر متلقٍّ للمساعدات الأمريكية، على الرغم من سياساتها السلطوية. ومن وجهة نظر فلسطينية، يرى الفلسطينيون أن هرولة بعض الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة.


وفقًا لموقع "واللا" العبري في 21تشرين الأول/أكتوبر2021، إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بحثت مع السعودية إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لم يرفض بن سلمان صراحة إمكانية التطبيع مع إسرائيل، مؤكدًا أن مثل هذه الخطوة ستستغرق وقتًا، إلا أن السعودية قد أعلنت أكثر من مرة أنها لن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل إلا بعد إيجاد حل للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.


ويذكر في هذا الصدد أن الصحفي الإسرائيلي في "نيويورك تايمز" كشف في نهاية تموز/يوليو 2023، عن "صفقة جديدة لبايدن"، لتطبيع السعودية مع إسرائيل.


وفي 13آب/أغسطس2023، تم كشف الشروط السعودية لتطبيع علاقاتها مع الدولة الإسرائيلية وتتمثل الشروط في حصول السعودية على ضمانات أمنية وسياسية وحصولها على العديد من المطالب معظمها من الولايات المتحدة الأمريكية، منها موافقة الولايات المتحدة على بيع المملكة العربية السعودية 50 طائرة إف 35، دون حظر لأي من أنواع الذخيرة المتطورة التي تستخدمها أسوة بإسرائيل، والموافقة على الشروع بإتمام صفقة بيع وإنشاء 5 مفاعلات نووية مخصصة للأغراض السلمية، والشرط الأخير توقف إسرائيل عن إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينيةـ والعودة لطاولة المفاوضات من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.


وإذا صحت هذه التسريبات والشروط تكون السعودية قد تخلت عن المبادرة التي طرحتها في القمة العربية في بيروت سنة 2002، واستبدلت شرط القمة العربية في بيروت بعدم التطبيع قبل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال بشرط تقوية السلطة أو عدم إضعافها.


وفي هذا الإطار، صرح وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي، إيلي كوهين، في 7آب/أغسطس2023، بأن إسرائيل والسعودية لديهما مصلحة مشتركة للتوصل إلى اتفاق تطبيع، ولن تقف القضية الفلسطينية عائقًا أمام التطبيع، مردفًا أن من مصلحة الجميع تحسين الحياة، في مناطق السلطة الفلسطينية، وبالنسبة لبايدن فهو سيحقق إنجازا قبيل الانتخابات، وهذا سيقوي الاقتصاد الأمريكي.


وعلى نفس المنوال صرح مسؤول إسرائيلي كبير في24آب/أغسطس2023، لا يوجد أي مطالب ملموسة من إسرائيل مثل تجميد البناء الاستيطاني، وكل المطالب تركز على المساعدات الاقتصادية للفلسطينيين، والتي ستأتي من السعوديين والأميركيين.


على الرغم من ذلك ترفض إسرائيل الشروط السعودية للتطبيع، وهذا ما أكّده وزير الشؤون الاستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي، رون ديرمر، في 20 آب/أغسطس 2023، أن التطبيع مستمر ولن تسمح إسرائيل بامتلاك أي دولة عربية برنامجًا نوويًا عسكريًا، ومن وجهة نظره سيزداد عدد الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، مضيفًا وقال بأن إسرائيل لن تعارض بالضرورة تطوير السعودية برنامجًا نوويًا مدنيًا، مقابل تطبيع العلاقات. إلا أن نتنياهو ورئيس المعارضة يائير لابيد رفضا حصول السعودية على أي برنامج نووي.


وتعقيبًا على ما سبق، من الممكن أن توافق إسرائيل على إقامة برنامج نووي سعودي مدني مدعوم من قبل أمريكا، في ظل التقديرات الإسرائيلية بأن السعودية قد تحصل على دعم لمشروعها النووي من الصين أو فرنسا. إلا أن المستشار الأمني القومي الأمريكي، جيك سوليفان صرح في22آب/أغسطس2023، بأنه "من غير المتوقع الإعلان عن تقدم في مفاوضات التطبيع في أي وقت قريب بين إسرائيل والسعودية.


ويذكر في هذا الشأن، أن السعودية قد قامت بتعيين السفير نايف بن بندر السديري لدى السلطة الفلسطينية، وهو بانتظار تصريح من إسرائيل يسمح له بالعبور إلى مناطق السلطة. وهذا التعيين يعتبر مقدمة للتطبيع بين الدولتين، الذي سيتلوه تعيين سفير سعودي للكيان الصهيوني.


أما الدول التي أعلنت رسميًا عن رفض التطبيع مع إسرائيل فهي الكويت، والجزائر، والعراق، وتونس، واليمن، ولبنان لغاية الآن. إن مخاطر التطبيع مع إسرائيل لن تقتصر على الإضرار بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وإنما مخاطره ستكون بعيدة وطويلة الأمد على الأمة العربية والإسلامية.

دلالات

شارك برأيك

هل بدأ التقارب العلني السعودي الإسرائيلي؟

المزيد في أقلام وأراء

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

في ذكرى النكبة 76.. غزة تعيد الصراع للمربع الأول

وسام رفيدي

حِراك طلبة الجامعات.. وشبابنا العاطل!

المتوكل طه

أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت

غسان عبد الله

النكبة الفلسطينية نزيف مستمر وشاهد على عجز الأمم المتحدة

عبد الله توفيق كنعان

ماذا يحدث في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي الجبهة الشمالية؟

أنطوان شلحت

لماذا تستميت أميركا لتطبيع سعودي مع إسرائيل؟

لميس أندوني

الكتابة بين الجثث.. قُبلة على جبين غزة في الذكرى الـ 76 للنكبة

عيسى قراقـع

مقارنة بين نكبتين.. من الطنطورة إلى الشابورة

إبراهيم ملحم

لاجئ وحتما عائد

حديث القدس

ذكرى النكبة محطة العودة

حمادة فراعنة

حق العودة بعد السابع من أكتوبر

عصري فياض

في يوم أوروبا.. بين مواقفها والوقائع بعد ٧٦ عاماً من جريمة النكبة

مروان إميل طوباسي

استقلالهم ونكبتنا

بهاء رحال

فلسطين و "إسرائيل".. من الهولوكوست اليهودي إلى الهولوكوست الفلسطيني

إبراهيم أبراش

عن القدس في ظل حرب الإبادة

يونس العموري

جبل غزة الذي لا ينحني….

محمد دراغمة

أقل الكلام

إبراهيم ملحم

أسعار العملات

الأربعاء 15 مايو 2024 9:44 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.67

شراء 3.65

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.97

يورو / شيكل

بيع 5.18

شراء 5.15

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%2

%98

(مجموع المصوتين 59)

القدس حالة الطقس