أقلام وأراء

السّبت 26 أغسطس 2023 10:14 صباحًا - بتوقيت القدس

ثورة جديدة: نتنياهو لا يحارب الأشباح

ضجّت الصحف الإسرائيلية والإعلام من تكاثر العمليات العسكرية الفلسطينية مؤخرًا في شهر 8 من العام 2023م، وهي العمليات غير المسبوقة التي تأتي ضد الاحتلال الإسرائيلي المتمثل بعصابات المستعمرين المجرمة وبالجيش داخل الضفة الغربية.


في سياق هذه العمليات اعترف قائد القيادة المركزية في جيش العدوان الإسرائيلي الجنرال "يهودا فوكس" بفشل الجيش في التصدي للعمليات الفلسطينية (مؤخرًا) في حواره والخليل، وقال في بيان له أنه: "لفترة طويلة لم نكن نعرف مثل هذه الموجة من الإرهاب، هذا الأسبوع لم ننجح في إحباطها".حسب تعبيره.


العمليات المتصاعدة مؤخرًا كانت بداية ظهورها وانطلاقتها من مدينة جنين القسّام منذ العام 2021م، وجاءت غالب عملياتها العسكرية من جماعات شبابية فلسطينية ميدانية جديدة، أومن أفراد لا ارتباط مباشرا لهم بهذا الفصيل أو ذاك، وإن كان منهم -وبعضهم ظلّ- منتميًا لحركة "فتح" أولفصيل "الجهاد" أو"حماس" أو "الشعبية" أوغيرها من فصائل تاريخية.


وما مجموعة "عرين الأسود" في نابلس (فدائيون منتمون لحركة فتح أو الجهاد...أساسًا)، أوكتيبة جنين (كمثيلتها في نابلس) أو في كتيبة طولكرم وكتيبة بيت لحم، أو كتيبة أريحا، أو في الخليل إلا نماذج للعمل الفدائي الفلسطيني المسلح "المنفرد"، أو المرتبط جزئيًا أو بلا ارتباط تنظيمي مباشر بالفصائل الكبرى التي تخوض جدالًا عقيمًا لا ينتهي وفي غالبه على اقتسام الغنائم والسلطة. وتعتبر هذه الجماعات الفلسطينية المسلحة الجديدة بلا ارتباط حقيقي أيضًا بالأطر الثورية الفاعلة المنبثقة من الفصائل وخاصة حركة "فتح"، في مجال العمل الكفاحي الميداني الجماهيري السلمي بالضفة.


مهدي أبوغزالة القائد السابق ل(كتائب شهداء الأقصى) بنابلس كان قد أشار في العام 2021م الى أن تصعيد الاحتلال وهجمته الشرسة ضد فلسطين والفلسطينيين وتبنّي ذلك سياسيا من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يعتبر سببًا كافيًا لجعل الجيل الشاب ينتمي تحت جناح أي فصيل مقاوم. ورغم اعتقاده وغيره الكثير من المحللين بأن الجماعات الموجودة على الأرض تعمل بشكل فردي وليس فصائلي، إلا أنه ذكر بوضوح "أن الاعتداءات المتكررة خاصة التي يشنها المستوطنون ستخلق حالة من الربط أو التنسيق بين الفصائل المختلفة"، وهو على ما يبدو الذي بدأ يتحقق بالعام 2023 ما ظهر بتصاعد عمليات الثورة المسلحة الفلسطينية بالضفة شمالًا وجنوبًا، وما استدعى استنفارًا إسرائيليًا كبيرًا سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا.


في معرض تعقيبه على عملية بلدة حوارة-نابلس ثم عملية الخليل يوم الاثنين 21/8/2023م، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" آثر كعادته إدارة الظهر للحقيقة وانكار وجود الشعب الفلسطيني وصموده وحق بوطنه ودولته، وأنكر كرامته وثورته الثابتة والمستمرة بكل الأشكال لاحتلاله وضد ممارسات جيشه وعصاباته الاستعمارية .
"نتنياهو" بردّه على العمليات لم ير الشعب الفلسطيني في أي "مكان تحت الشمس"، وافترض بهذا الشعب الجبار أنه شبح لامرئي الى ان أضاء بأصابع الآخرين، فيصبح بالإرهاب مرئيًا!


قال "نتنياهو": "إن إسرائيل في خضم هجوم إرهابي بتشجيع وتمويل من إيران ووكلائها.!؟" وأضاف أنه "يتم استخدام وسائل هجومية ودفاعية لتصفية الحسابات مع القتلة وأيضا مع مرسليهم".حسب تعبيره.


"يوآف غالانت" وزير الحرب الإسرائيلي وعلى نهج "نتنياهو" انكر وجود الفلسطينيين وحقهم برفض احتلال أرضهم، قال أن "الهجوم موجّه من إيران، التي تبحث عن كل وسيلة لإيذاء المواطنين الإسرائيليين.. سنصل إلى الإرهابيين ونتخذ إجراءات إضافية ... كل الخيارات مطروحة على الطاولة".


"نتنياهو" (ووزير حربه وحكومته) الذي لا يرى أن الفلسطينيين كشعب يستحقون الذكر إلا مربوطين بالإرهاب، ينكر حقيقة القتل الإرهابي الإسرائيلي الذي أطاح بأكثر من 200 فلسطيني بالضفة الغربية حتى هذا الشهر، ومنه القتل المباشر الذي مارسه المستعمرون وما كان لهم إلا الفرار بوجوه ساخرة وضاحكة من المسؤولية كالعادة.


"نتنياهو" لا يرى في قتل جيشه لأبناء فلسطين في قطاع غزة أو بالضفة إلا تحقيقًا لسياسة (القتل فمزيد من القتل) ضمن خطة "سموتريش" المطبقة فعليًا للتخلص من الفلسطينيين، لذا يشارك المستعمرون برحابة مع الجيش ب"تدفيع الثمن" للفلسطينيين.
لا يكتفي المستعمرون (المستوطنون) تحت حماية حكومة "نتنياهو" الصارمة، بتكسير السيارات وحرق الأشجار وحرق البيوت والمساجد، وسرقة الأغنام والزيتون، ولا يكتفون بسرقة واحتلال الأرض ولا بطرد أو ضرب الفلسطينيين، بل ويمارسون القتل المباشر المدعوم والمأجور أمام أعين الجيش الفرِحَة بما ترى! كما هي فرحة "نتنياهو" وحكومته بالتخلص من أي فرد بالشعب الفلسطيني.
واليكم آخر مثال على مسلسل القتل من العصابات الاستعمارية: قصي جمال معطان (19 عاما) استشهد في (4/8/2023م) متأثرا بإصابته برصاص مستوطنين إرهابيين هاجموا قرية برقة شرق رام الله، بالطبع مصحوبين بعمليات الحرق التي لا زالوا يمارسونها كما فعلوا بالقدس وفي حوارة-نابلس وفي ترمسعيا-رام الله وغيرها من القرى، وهي العملية الإرهابية التي لقيت إدانات عالمية حتى أميركية لكن لاحياة ل"نتنياهو" وحكومته او من تنادي فيهم. فكان مصير القتلة المعروفين هو فضاء الحرية.
وهذا ليس بجديد فلقد قتل المواطن علي حرب في قرية اسكاكا شرقي محافظة سلفيت في حزيران 2022. وكذلك ما كان من قتل الإرهابيين المستعمرين للشهيد مثقال ريان، في بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت، خلال تصديه مع أهالي بلدته الصامدة لهجوم مستوطنين من البؤرة الاستيطانية على الجهة الشمالية للبلدة.
وفي جميع الأحوال نَعِم القتلة بالحرية! فهل من عجب أن تكون ردة الفعل الفلسطينية وخاصة من الشباب المتقد (الأشباح) هي الثورة والانتفاضة والمقاومة! وما قد يعقبها من انتفاضة عارمة أو ثورة جديدة تحقق ترابط المجموعات ذات العمل الفردي وتلك شبه المنتظمة في عقد واحد.
لماذا تصعيد العمليات ضد الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية سؤال لا يريد الأجابة عليه "نتنياهو" ووزير حربه ووزيره لما يسمى الامن القومي، وحكومتهم الا بالإنكار للأسباب الحقيقية متمثلة باحتلال الأرض، وباللعب ما وراء الحقيقة وما وراء عظمة الشعب العربي الفلسطيني المنغرس في هذه الأرض منذ الأزل، ومنذ رسم شكل الحضارة الكبارية والناطوفية ثم الحضارة الفلسطينية من 20 ألف عام، وما تلاها حتى اليوم.
دعونا نلخص بالقول: إن الاحتلال لأرض فلسطين هو السبب الأول والأخير للعنف والإرهاب القادم من الجيش، ومن المستعمرين المدعومين من الجيش، الذين يمارسون الإرهاب كنزهة تحت حماية الجيش. ولطالما كتبنا وأشرنا الى أن مسلك الحكومة الاجرامية وعدوان الجيش، وممارسات العصابات الاستعمارية الإرهابية هي السبب الأول الذي يمهد لانتفاضة عارمة أوثورة جديدة في فلسطين.
نكرر القول لمن يريد أن يسمع إن وجود الاحتلال كاحتلال للأرض بحد ذاته هو سبب إشعال الانطلاقة للثورة الفلسطينية عام 1965م، وهو ذاته سبب كل الانتفاضات والحراكات، وسيكون سبب انطلاق الثورة الجديدة، أوالانتفاضة القادمة، التي برزت فردية أو شبه منظمة منذ العام 2021 ومتفرقة جغرافيًا أو غير متواصلة هيكليًا، ثم مع تواصل سياسة القتل فمزيد من القتل الإسرائيلي ستغدو الجماعات أو الخلايا منظمة ثم حارقة.
إن لم تستطع قيادة التنظيمات السياسية وعلى رأسها "فتح" و"حماس" وغيرهما أن تفهم جيدًا أنها تحت رحمة الجيل الثائر الجديد، فقد تجد نفسها ضمن مخلفات الثورة الفلسطينية. وإن وعت جيدًا دورها ستكون قادرة على الإمساك بزمام اللحظة التاريخية الداهمة بالداخل والخارج.
قد تتخذ الانتفاضة أو الثورة الجديدة للأشباح شكلها العنفي أو غير العنفي، وغالبًا ما ستبتعد عن أساليب التنظيمات السياسية القائمة-إن لم تفهم قيادة هذه التنظيمات دورها المطلوب- إن استطاعت تنظيم صفوفها، ووضعت هدفًا سياسيًا قويًا وواقعيًا ومعقولًا، وعليه ستجترح أساليبها النضالية الصائبة من حيث الثقة المطلقة بالجماهير ودورها الأصل في الفعل الكفاحي الثائر، إذ بدونها أي الجماهير لا أمل للتواصل ولا مقدرة على تحقيق النصر.
ودعوني أقول في الختام، إن فقدان الأمل بالهدف السياسي بالحل من جهة نظرًا لسياسة القتل فمزيد من القتل الإسرائيلي الحالي، وفقدان الأمل بالمكون القيادي الفلسطيني العتيق غير القادر على تغيير الواقع القائم، واقع الاحتلال، والفُرقة، يمثل شاحنًا عظيمًا لجذوة الثورة الجديدة التي قد تطيح بالمستقر وتنشيء أو تُنضج جيلًا حارقًا يعي أن دوره لم يبدأ بعد، بل هو على عتبة البداية الجديدة.

دلالات

شارك برأيك

ثورة جديدة: نتنياهو لا يحارب الأشباح

المزيد في أقلام وأراء

في انتظار الموت المؤجل ...

يونس العموري

القرار في غزة والجواب في القاهرة

حديث القدس

قمع حراك الجامعات الأمريكية.. أهداف ومعان

فوزي علي السمهوري

تناقض أم تكامل الخطابين: العسكري والسياسي

سماح خليفة

الحكومة, الانتخابات والوحدة: ما هي استراتيجية الخروج؟

د. دلال صائب عريقات

تحديات أمام الأحزاب

حمادة فراعنة

الشارع الإسرائيلي يطالب بوقف الحرب ودفع الثمن

حديث القدس

الحجر بكى من وجع غزة

ريما محمد زنادة

الحرب على " ظهور الماعز"

عطية الجبارين

حصار إسرائيل وأميركا في الأمم المتّحدة

عائشة البصري

الهدنة وقرار اجتياح رفح

بهاء رحال

الاستحقاق الانتخابي في موعده

حمادة فراعنة

غزة ... والحرب العالمية الثالثة ... والعرب يتفرجون !!!

ابراهيم دعيبس

الهجوم الإسرائيلي على رفح محكومٌ بالفشل

محسن محمد صالح

نتانياهو وفيتو صفقة التبادل

حديث القدس

هل ما زالت ألمانيا تكره الحروب؟

وليد نصار

مكاسب استراتيجية للفلسطينيين

حمادة فراعنة

دورنا في مواجهة المعادلات الجديدة في ظل عجز أمريكا وأزمة إسرائيل

مروان أميل طوباسي

حماس وطوفان الأقصى.. والإكراهات الجيوسياسية

ماجد إبراهيم

رفح ثغر الشعب و حبل الصرة مع الأمة

حمدي فراج

أسعار العملات

الإثنين 29 أبريل 2024 9:46 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.8

شراء 3.79

دينار / شيكل

بيع 5.37

شراء 5.35

يورو / شيكل

بيع 4.1

شراء 4.04

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%73

%22

%4

(مجموع المصوتين 178)

القدس حالة الطقس