أقلام وأراء

الجمعة 18 أغسطس 2023 10:12 صباحًا - بتوقيت القدس

سياسة تهويد الجليل ولجان القبول

تحتفل إسرائيل هذه الايام بمناسبة مضي " ٧٥" عامًا على إقامتها، وقد احتفل كافة السياسيين الإسرائيليين والمؤسسات المجتمعية بهذه المناسبة، وكان أهمها عندما دُعي الرئيس هرتسوغ للاحتفال في خطاب امام أعضاء الكونغرس الأميركي، حيث ذكر أن إسرائيل هي ظاهرة فريدة من نوعها وهي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط ولا تتكرر في التاريخ الحديث.


أما على أرض الواقع فإن هذه الحكومة تشنّ سياسات عنصرية وخاصة على صعيد الابارتهايد ضد المواطنين العرب في إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.


فمباشرة بعد انتخاب الحكومة اليمينية المتطرّفة الحالية بقيادة نتنياهو وبدعم من أحزاب اليمين المتطرف، أعلنت أحزاب هذا الائتلاف أنها تريد وضع اجندة جديدة بكلّ ما يتعلّق بالمواطنين العرب في البلاد، حيث ادعوا في البداية أن الحوكمة لا تسري في مناطق الجليل والمثلث والنقب، وسرعان ما تكشّفت سياستهم في هذا الاطار، فخلال مدّة قصيرة منذ بداية هذه الحكومة، تهاونت الحكومة والشرطة الإسرائيلية وكافة أذرع الامن مع عمليات القتل التي وصلت إلى "١٤٠" ضحية في الوسط العربي وخلال اقل من سبعة اشهر من تشكيل الحكومة الجديدة، بحيث أن المفتش العامّ ووزير الامن القومي وقيادة الشرطة في الشمال والجنوب والمركز، غير آبهين لما يحدث وكأن القتل في المجتمع العربي يحدث في عالم آخر.


وكما قالها أحد الصحفيين الإسرائيليين إن الشرطة الإسرائيلية لا دخل لها في عمليات الانتقام بين العائلات العربية المختلفة وعصابات الاجرام عند العرب في هذه البلاد، أي أن مقولة المفتش العام كوبي شبتاي بدت ولأول مرة حقيقية بتفكيره، وهي أن القتل هو بطبيعة المجتمع العربي ولا دخل لنا في ذلك.


ويعتبر هذا من أهمّ إنجازات الحكومة الجديدة لنتنياهو سموترتش وبن غفير ولكنّهم فوجئوا في نفس الوقت بالاحتجاجات الضخمة التي سادت المجتمع اليهودي وأدّت بشكل واسع النطاق إلى انقسام وتوتّر قوي في هذا المجتمع من الصعب التكهّن ما سيحدث له في نهاية الامر.


حيث أن هذه الحكومة خطّطت في بادئ الامر أن تضع خطّة عدائية كاملة ضد المجتمع العربي، وأهمها الحوكمة والسيطرة المطلقة على المجتمع العربي، نشر الفوضى وعدم الاستقرار في هذا المجتمع، تهويد الجليل والنقب والمثلث، وهذا ما سأركز عليه في هذا المقال.


فمنذ عام 1976 ما زالت إسرائيل تنهج نفس النهج الذي أقره يسرائيل كينيغ الموظّف الكبير في وزارة الداخلية، الذي سرّب مذكّرة تهدف بالأساس إلى تهويد الجليل وحسب ما ذكر آنذاك فإن بنودها كانت كالتالي:


- تحديد نسبة العمّال العرب الذين يعملون في مصانع تحظى بدعم حكومي لنسبة لا تتعدى 20%.
- تسهيل هجرة الشباب والطلّاب العرب للعمل والتعلم في الخارج من أجل تشجيع هجرتهم.


- من وجهة نظرة الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية تفسح المجال للتفكير "بأفكار اجتماعية قومية"، لذلك يجب منعها حيث لم يسمح كينيج لإحصائيات الفروقات بمستوى المعيشة والدخل القومي بين العرب واليهود ببلّبلته: ففي مذكّرته يصف بإسهاب ثراء العرب السري ويقترح عمليات جباية ضرائب توجه بشكل مؤسّس ضد العرب.


- يبحث كينيج في مذكّرته هذه عن طريقة يمنع فيها حصول العائلات كثيرة الأولاد على استحقاق الدعم الاقتصادي، وذلك عبر نقل صلاحيات الدعم إلى مؤسسات صهيونية كالهستدروت أو الوكالة اليهودية، وذلك من أجل تقليص الدعم لليهود فقط وهذا ما حدث لاحقًا.


كما يدعو كينيج إلى تأسيس أحزاب وهميه تعمل تحت رعاية وعين السلطات الحكومية، وذلك من أجل ملاحقة القادة الحقيقيين للعرب في البلاد وحتى منعهم من المشاركة في انتخابات الكنيست والتقليل من قوتهم ونفوذهم.


تتعرّض الوثيقة أيضًا لبنود مفصّلة لكيفية التعامل مع العرب مواطني الدولة، وهي تضمّ حثّ وتوجيه الطلاب العرب على تعلّم حرف مهنية أو علوم طبيعية لسببين رئيسيين الاول: أنها لا تترك متّسعًا كافيًا من الوقت للتفكير بالهوية القومية، ثانيًا: لأن نسبة التسرّب فيها عالية عقب صعوبات أكاديمية.


ونشبت بعد ذلك نضالات يوم الأرض التي وضعت حكومة إسرائيل أمام واقع ديموغرافي جديد، حيث ازداد السكان العرب عددًا ولن يستطيعوا تمرير سياستهم في البدء.


أما وثيقة كينيغ التي وضعت أسسًا عينية لمقاومة الوجود العربي في البلاد فلم تنجح آنذاك، لكن بنود خطته بقيت ماثلة أمام السياسيين ومخطّطي الحكم في إسرائيل، حيث أن العرب كانوا آنذاك أقل من مليون شخص لكنهم أصبحوا اليوم أكثر من مليونيين ومئتي ألف، لكن إسرائيل ازداد عدد سكانها ليصبح 6.5 مليون بعد أن كان 3.5 مليون.


أما الصراع الديموغرافي فبقي مستمرًا وواضحًا للعيان حيث أن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، خاصة من روسيا بعد عام 1990 هي التي جلبت اليها أكثر من مليوني شخص يهودي، الامر الذي زاد في عدد سكانها مقابل عدد السكان العرب وأنقذ وجودها.


وإذا اخذنا بالحسبان أن البنود التي وضعها كينيغ كانت تهدف إلى وضع خطة لتقليص السيطرة العربية على أرض الجليل، فإنهم في نهاية الامر لم يستطيعوا تنفيذ ذلك، على الرغم من أن خطة كينيغ الاصلية كانت إحكام السيطرة على أراضي الجليل، وإبقاء السكان العرب الأصليين في غيتوهات مع إعادة توطين اليهود في كافة أنحاء الجليل والنقب والمثلث.


أما الحكومة الجديدة بقيادة وزراء من حزب بن غفير أمثال اوريت ستروك وزيرة تعزيز الاستيطان ويسرائيل فاسيرلاو وزير تهويد الجليل ونائب الوزير الموغ كوهين المسؤول عن الحوكمة في النقب، فانهم كلّهم متفقون في ظل هذه الحكومة التي تعلن جهارًا أنها معنيّة بالتهويد المطلق للجليل وحشر التواجد العربي في مناطق صغيرة وضيقة، وعادوا مرة ثانية وبدأوا يضعون خطة متكاملة تتمثّل بتحرير الأراضي التي تسيطر عليها الدولة، خاصة لمصلحة السكان اليهود، وهنالك خوف كبير لدى هذه الأجهزة الحكومية من تعاظم الوجود الديمغرافي العربي في هذه المناطق، إضافة إلى هجرة اليهود من مناطق الجليل والنقب إلى المركز، حيث أنهم يريدون وضع خطة جديدة تتمثّل بتحرير الأراضي المسيطر عليها من قبل الدولة لصالح اليهود فقط وليس للعرب، وهذا أمر عنصري من الدرجة الأولى ويرجعنا إلى سياسة الابارتهايد التي انتهجتها حكومة جنوب افريقيا من عام 1948 حتى عام 1985 ضد السكان السود هناك.


ويهدف مخطّط التهويد الحالي الذي تديره مؤسسات الحكومة بقيادة المتطرفين الجدد إلى تشجيع الهجرة اليهودية من مركز البلاد، إلى الشمال والجنوب، خاصة إلى المناطق القريبة جدًا من المناطق العربية، بحيث انها تحاول إعطاء الشبان والشابات اليهود الذين أنهوا خدمتهم الجيش


ما يساوي نصف دونم أو أكثر بدون أي مقابل بهدف قدومهم إلى مناطق سكانية ليس فقط ذات أغلبية يهودية ككرميئيل وصفد والناصرة العليا، بل تحاول نشر التواجد السكّاني اليهودي في جميع أنحاء شمال وجنوب البلاد، هذا ما يتعلّق بمناطق ذات أغلبيّة سكانية مدنسة يهودية، لكنهم يعملون أيضًا بشكل دستوري على تغيير سياسة لجان القبول، التي تزيد في عدد المجموعات السكانية، من "٤٠٠" عائلة إلى"١٠٠٠" عائلة يقرر أبناؤها، هم أنفسهم، زيادة وتقوية تجمعهم السكاني.


حيث يهدفون بهذا إلى تعديل مرسوم الجمعيات التعاونية من العام 2010، من أجل الالتفاف على قرار المحكمة العليا بمنع بلدات يهودية بتأجير أراض لليهود فقط. إلا أن "لجان القبول" هذه تبحث في أي طلب لنقل الحق بالسكن في البلدة، من أجل منع انتقال مواطنين عرب بالأساس للسكن فيها.


وإذا نجحت هذه الخطة الحكومية فإن حوالي أكثر من "٨٣٠" تجمعًا سكانيًا يهوديًا سوف يتضاعف ليصل إلى أكثر من مليون مستوطن يهودي بحيث يسيطرون ويهوّدون أكثر 83% من أراضي الجليل والنقب، الامر الذي يؤكّد سياسة الابارتهايد التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بحيث تضع العرب الذين تصل نسبتهم إلى أكثر من 22% في أقلّ من 2% من أراضي الدولة، بحيث يستطيعون جلب المزيد من اليهود إلى هذه المناطق للاستمرار في السيطرة الديموغرافية على السكان الأصلانيين.


ومن المهم أن يراقب المجتمع المدني العربي ومؤسسات الأبحاث ما يحدث ويطلع الداخل والعالم على ما يحدث في هذا الاطار الخطير.

دلالات

شارك برأيك

سياسة تهويد الجليل ولجان القبول

المزيد في أقلام وأراء

ألسنة اللهب ترتفع في الجنوب والشمال والدبلوماسية الدولية تكتفي بالأقوال ..!!

حديث القدس

احتجاجات الجامعات: تحولات كمية.. إلى نوعية

د. أسعد عبدالرحمن

بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

جواد العناني

النكبة وسرديّة المخيّم الكبرى

سمير الزبن

الجامعات والإعلام ودورهما في تعزيز"الانتماءِ للقضية الفلسطينية"

تهاني اللوزي

المقاومة ونتنياهو ولعبة الوقت

بهاء رحال

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

في ذكرى النكبة 76.. غزة تعيد الصراع للمربع الأول

وسام رفيدي

حِراك طلبة الجامعات.. وشبابنا العاطل!

المتوكل طه

أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت

غسان عبد الله

النكبة الفلسطينية نزيف مستمر وشاهد على عجز الأمم المتحدة

عبد الله توفيق كنعان

ماذا يحدث في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي الجبهة الشمالية؟

أنطوان شلحت

لماذا تستميت أميركا لتطبيع سعودي مع إسرائيل؟

لميس أندوني

الكتابة بين الجثث.. قُبلة على جبين غزة في الذكرى الـ 76 للنكبة

عيسى قراقـع

مقارنة بين نكبتين.. من الطنطورة إلى الشابورة

إبراهيم ملحم

لاجئ وحتما عائد

حديث القدس

ذكرى النكبة محطة العودة

حمادة فراعنة

حق العودة بعد السابع من أكتوبر

عصري فياض

أسعار العملات

الجمعة 17 مايو 2024 12:34 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.71

شراء 3.7

يورو / شيكل

بيع 4.02

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.2

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%4

%96

(مجموع المصوتين 67)

القدس حالة الطقس