أقلام وأراء

الإثنين 17 أبريل 2023 11:14 صباحًا - بتوقيت القدس

كرمةُ بسام

أكثر من 20 عاماً مرت، وما زالت الذكرى تعاند النسيان. عندما اجتاحت دبابات الاحتلال، وفرقه الخاصة شوارع رام الله، خلّفت الشهداء، والجرحى، والدمار في حواري المدينة. أزيز الرصاص، وطائرات الرصد، تلاحق أجساد من بقي من المقاتلين المدافعين عن المدينة، وبعد السيطرة الغادرة بحكم القوة الغاشمة، بحث بعض المقاتلين عن مأوى، ومكان آمن، فالعدو لم يبقِ مكاناً إلا زرع فيه القتل، والخراب.


مقاومان يحاولان التخفي من ملاحقة جنود هولاكو العصر الجديد "شارون". يرجفان من البرد، والتعب، والجوع، فمن الصباح حتى المساء وهم في وسط البلد يقاومان التوغّل المتوحش. لم يتبقَّ أحد في الشوارع بعد احتلال المدينة، ولا مفر سوى عين مصباح، وواديه الذي يفصله عن وسط البلد مئات الأمتار. من رام الله التحتا إلى المطل، نحو البيوت القديمة في عين مصباح، يصل المقاتلان تماماً مع إحكام جنود الاحتلال، وآلياته، الطوق على المكان. إطلاق رصاص، وانفجارات متلاحقة. آليات عسكرية تمر بجوارهما أينما توقفا. يعلو صراح الجنود حين اقتحام البيوت بحثاً عن مطلوبين. يتسمّر المقاتلان في زقاق، وبمحاذاتهما مئات الجنود المتأهبين لإطلاق النار على كل ما يتحرك. بشر. شجر. حيوانات.


تجلس كرمة في شرفتها تراقب بدهشة هذا المشهد. تعطي إشارة بيدها لأحد المقاتلين. لا تتحرك. الجنود تماماً فوق السور. تدمع عينا ذلك المقاتل تعباً. ماذا نفعل؟ قالت كرمة انتظرا قليلاً. سأدخلكم بيتي، وإن جاؤوا، فنحن جميعاً طلبة في بيرزيت. قال المقاتل لدينا سلاح، فردّت كرمة ادفنه تحت الشجرة. ساعات من القلق والضغط حتى قلّت كثافة جيش الاحتلال في المكان. تفحّصت كرمة طريقاً آمناً إلى المقاطعة، فنجحت في تأمين طريقهما حتى وصلوا، وعادت مبتسمة.


تسكن كرمة شقة صغيرة، تقع في طابق أرضي. أمامها حديقة أزهار، وأشجار، تميّزها دالية، وممر ضيق. قد تتساءل كرمة عن مصير من أنقذت بفعل شجاعتها الموروثة عن أبٍ ناضل في المنفى، وبعد العودة للوطن المحتل. موكد أنها لا تعلم أن أحد المقاتلين متزوج، ولديه طفلان، واعتقل قريباً من منزلها بعد شهور، وأمضى في الأسر قرابة عقدين، وخرج ليجد أطفاله في جامعة كرمة السابقة بيرزيت. مؤكد أن كرمة لا تعلم أيضاً أن المقاتل الثاني تزوّج وهو مطارد، وأنجب طفلين مثل رفيق دربه، ثم اعتقل هو الآخر، وما زال أسيراً منذ عقدين، وخلال فترة اعتقاله كبر أطفاله، فالابنة تدرس في كلية، والأصغر في الصف الثالث في مدرسة العهد، جاء إلى الحياة بنطفة مهربة، فأصبح سفيراً للحرية. سنوات معدودة، وسيفرج عنه، ويعود إلى الزوجة الصابرة، والأبناء.


ما أصعبها تلك السنوات. فيها ذكرى الموت، والألم، وفيها الأمل، وفيها الانتظار المقلق، والإصرار على العمل لأجل الغد. برغم الصعب، وظروف الاستثناء، يبقى الحب المنتصر الدائم على العقبات.


ما حلّ بكرمة الآن؟! هل تعلم أن شجاعة لحظة منحت حياة لعدة أفراد؟ في وطني ما بين الساعة والساعة تنقلب الأحوال.....

دلالات

شارك برأيك

كرمةُ بسام

المزيد في أقلام وأراء

نتانياهو اصطاد العصافير دون النزول عن الشجرة

حديث القدس

القبول الفلسطيني والرفض الإسرائيلي

حمادة فراعنة

إطار للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

جيمس زغبي

رفح آخر ورقة في يد نتنياهو

بهاء رحال

سامحني أبو كرمل.. أنا لم ولن انساك

خالد جميل مسمار

حرب ظالمة وخاسرة

سعيد زيداني

أن تصبح إسرائيل تاريخًا

فهمي هويدي

أمنوا بالنصر فحققوه ..

يونس العموري

التطبيع.. الدولة العربية، جدلية "المصلحة" والثقافة

إياد البرغوثي

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

أسعار العملات

الأربعاء 08 مايو 2024 10:24 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.7

شراء 3.68

دينار / شيكل

بيع 5.22

شراء 5.19

يورو / شيكل

بيع 3.97

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 232)

القدس حالة الطقس