بقلم:داوُد كُتّاب
لعدة عقود تمركز حل صراع الشرق الاوسط حول جملة دبلوماسية واحدة وهي "حل الدولتين." في الاصل كان واضحاً ان الشعار يرمز الى فكرة ملموسة- اقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب اسرائيل. ولكن بالنسبة لمعظم الساسة أصبح شعارا فارغاً يتم تكراره بصورة غير مقنعة وبدون أي رغبة حقيقية في رؤية تنفيذه.
راقب على سبيل المثال ما أعلن من مكالمة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وحسب بيان الخارجية الأمريكي "ركز بلينكن على ان الولايات المتحدة ملتزمة لتحسين نوعية الحياة للشعب الفلسطيني بطرق ملموسة وأن إدارة (بايدين) تدعم حل الدولتين من خلال التفاوض.
لا جديد في هذا الكلام. فرغم أن الولايات المتحدة اعترفت رسميا في اسرائيل بقبولها قرار التقسيم لعام 1947 لا زالت غير معترفة بالدولة الفلسطينية الواردة في نفس قرار التقسيم. ومنذ ذلك الوقت فقد احتلت اسرائيل باقي المناطق المخصصة للدولة الفلسطينية, ورغم أن الولايات المتحدة ومعظم باقي دول العالم قد طالبت اسرائيل بانهاء احتلالها على ملايين الفلسطينيين ولكنها لم تعمل أي شيء لتغيير الأمر الواقع. وذلك رغم أن الأمم المتحدة قد اعترفت بفلسطين كدولة غير عضو وقد اعترفت رسميا 139 دولة في الأمم المتحدة بدولة فلسطين إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان واستراليا لم يتخذوا نفس القرار الهام.
رغم ذلك يستمر المسؤولون الامريكان تكرار بصورة روتينية جملة "حل الدولتين" والتي اصبحت عبارة لا معنى لها. وحيث ان قليلين يتوقعون ان تقوم الولايات المتحدة بمقاطعة اسرائيل او تسليح الفلسطينيين (كما تعمل مع الأوكرانيين) إلا أن هناك خطوات عملية يمكن للولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن يقوم بها كي يتم ترجمة عبارة حل الدولتين وكي لا يكون عبارة عن شعار فارغ من المعنى.
فعلى سبيل المثال يمكن للولايات المتحدة أن تسحب اسم منظمة التحرير الفلسطينية -والتي وقعت اتفاق أوسلو مع إسرائيل- من قائمة المنظمات الارهابية. كما يمكن للولايات المتحدة أن تمنع استيراد أي مواد مصنعة في المستوطنات اليهودية غير القانونية والتي تحمل شعار "صنع في اسرائيل" وهو بيان مصدر غير صحيح. كما ويمكن أن تطالب إسرائيل بوقف استخدام العنف يوميا ضد الفلسطينيين وأن تعمل على إحقاق العدالة لشيرين ابو عاقلة الصحفية الامريكية الفلسطينية والتي اعترف مسؤولون امريكان انه من المرجح قُتلت برصاصة اسرائيلية.
امريكا يمكن ان تعمل اكثر لمساعدة الشعب الفلسطيني، بناء مؤسسات الدولة وهي أمر ضروري لإنهاء سيطرة إسرائيل على الأرض والمياه والهواء في فلسطين. إسرائيل تحدد استخدام المياه للفلسطينيين وتضع إجراءات لمنع البناء الفلسطيني في الأراضي المحتلة وتقوم بشكل دائم بهدم البيوت وترفض حتى تحديث اجهزة البث للخلويات الفلسطينية في حين يتم السماح لإقامة أبراج غير قانونية إسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة.
وتحت هذه الظروف من المستحيل ان يتم اقامة اقتصاد فلسطيني مستقل ولكن دعم تحسين وتفاعل اقتصادي أفضل مع الدول العربية المجاورة وخاصة الأردن ومصر سيكون له الدور الهام في إنهاء الاعتماد الإجباري على اسرائيل.
يجب أن يكون هناك شرطة فلسطينية على معبر الكرامة المعبر الوحيد بين الضفة والأردن ويجب أن يتم السماح للفلسطينيين التنقل الحر بين الضفة وقطاع غزة. اسرائيل نفسها التزمت بهذين المطلبين عندما وقعت اتفاقيات أوسلو.
التطورات السياسية تشير ان كل هذا ممكن. عندما زار الرئيس الامريكي بايدن المنطقة كان الرئيس الوسطي الاسرائيلي يائير لابيد رئيسا للوزراء في حكومة تسيير الامور. وعكس رئيس الوزراء اليميني السابق نفتالي بنيت فان لابيد يؤيد حل الدولتين وهو من مناصري التفاوض مع القيادة الفلسطينية.
قد تكون فترة حكم لابيد قصيرة خاصة وأن الإسرائيليين يتوجهون لانتخابات عامة لاختيار حكومة في شهر تشرين الثاني القادم. مرة أخرى على الفلسطينيين انتظار نتائج انتخابات اسرائيل وهو امر اصبح مضيعة للوقت.
أن الأرض بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الاردن يجب ان تقسم الى دولتين مستقلتين أو أن يتم مشاركة الشعبين في دولة يحق لكافة المواطنين فيها المساواة في الحقوق.
القادة الاسرائيليون والامريكان الذين يؤمنون بحل الدولتين عليهم إثبات أنهم يعنون ما يقولون. على أقل تقدير يجب أن تطالب أمريكا – وتحت تهديد العقوبات- من إسرائيل أن تتوقف عن أي أعمال قد تؤثر على قيام دولة فلسطينية مترابطة.
عندما كان بايدن نائب الرئيس سمحت إدارة أوباما بقرار مجلس الأمن 2334 والذي اعتبر المستوطنات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 غير قانونية وطالب اسرائيل بمنع أي بناء اضافي للمستوطنات في الأراضي المحتلة. ولكن بعد مغادرة بايدن من المقرر أن تعلن اسرائيل الموافقة على خطة استيطانية والتي ستمنع من الترابط بين شمال وجنوب الضفة الغربية.
ان استمرار الاستيطان الاسرائيلي يحول فكرة الدولتين والقادة الذين يؤيدونها الى اضحوكة. يبقى السؤال هل بايدن جاد عندما يتحدث عن دولة فلسطينية ديمقراطية بجانب دولة إسرائيل؟ ففي غياب تغيير حقيقي في السياسة سيكون شعار "حل الدولتين"عبارة عن شعار فارغ لا معنى له.
شارك برأيك
تكرار عبارة حل الدولتين اصبح شعارا فارغاً