Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 06 مايو 2025 9:25 صباحًا - بتوقيت القدس

اقتصاد مقاوم.. على ضوء شمعة

لعقود ثلاثة، قدمت السلطة الفلسطينية رؤيتها حول مفهوم "الاقتصاد المقاوم" بوصفه استراتيجية مركزية في مواجهة الاحتلال وتداعياته، لكنه كان مخيباً للآمال، واليوم ومع اشتداد الأزمات الإنسانية والاقتصادية في غزة والضفة الغربية، تتجدد الأسئلة حول قصور السياسات الاقتصادية في الضفة الغربية - إذا ما سلمنا جدلاً بأن غزة كانت خارج السيطرة لسنوات خلت - ولقد فقدت السلطة الفلسطينية استراتيجيتها الواضحة؛ فلا هي سلطة تحررية مقاومة، ولا هي سلطة قادرة على تفعيل الوسائل السلمية والدبلوماسية لتحقيق أهدافها الوطنية، وهو ما جعلها تتخبط في سياساتها دون أن تحدث اختراقاً حقيقياً، فما تحقق كان إما بجهود متواضعة أو ربما فردية، أو ثمرة تضحيات ودماء، فرضت نفسها على عالم السياسة، ومع ذلك لم تسعفها هذه الإنجازات في لحظات الأزمات الكبرى، كما نعيشها اليوم، فكل هذا الاعتراف الدولي، والتعاون الإقليمي، والدبلوماسية، ورئاستها أو عضويتها للمنتديات والمنظمات الدولية، أحدث ضجيجاً إعلامياً، لكن لم نر منه طحيناً يوم كانت غزة والضفة تطحنان بآلة البطش المدعومة من ذات المنظومة الدولية، والتي سبق أن اخترقنا حصونها، تموضعنا خلف أسوارها.


 لأشهر، بل لسنوات طويلة، بقينا نسمع ذات الشعارات والمسكنات من قبيل "ربع الساعة الأخيرة"، و"نهاية النفق"، و"أكثر اللحظات حلكة ما قبل الفجر"، وكان المواطن الفلسطيني يبني أملاً فوق آخر، ظاناً أن تلك الوعود تطلق عن دراية ومعرفة، لكنها بقيت مجرد كلام للاستهلاك المحلي، ومحاولة من مطلقيها لإطالة أمد بقائهم وتوسيع مصالحهم، فيما كان الهم الوطني سلعة، تدار بمنطق السوق والمصالح الخاصة.


 شهدنا عشرات الاحتفالات بأحجار الأساس لمشاريع عملاقة، جندت لأجلها الموارد والطاقات، دون أن يتحقق شيء ملموس على الأرض، وللحق، فإن ما تم إنجازه كان جزء كبير منه إما استثمارات خاصة، أو بتمويل خارجي موجه، لا يسعى لتحقيق الاكتفاء أو الاستدامة، ولم يكن قائماً على موارد وطنية أو في إطار خطط اقتصادية واضحة. 


 فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات الأكثر تحفظاً إلى أن ما تم إنفاقه على التحويلات الطبية فقط يفوق عشرة مليارات شيكل، أي نحو ثلاثة مليارات دولار، وهذا المبلغ وحده كان كافياً لوضع فلسطين على خارطة التطور الطبي، وإنشاء عشرات المستشفيات المتطورة، وتحديث البنية التحتية الصحية، وتدريب آلاف الكوادر، وتوطين خدمات طبية متقدمة، بل، وكفيلا بتأسيس اقتصاد صحي مقاوم، يعزز الاكتفاء الذاتي ويصون كرامة الفلسطيني، وفرص الاستثمار هذه لم تكن محصورة بالقطاع الصحي؛ بل أيضاً التكنولوجيا والصناعات الخفيفة، فلدينا من العقول والخبرات ما يكفي لهذه المجالات ويفيض عنها من أطباء ومهندسين، ومحترفين ومهرة.


إن أي حديث عن اقتصاد مقاوم لا بد أن يبدأ من تساؤل بسيط، كيف يمكن مقاومة الاحتلال اقتصادياً بينما نستمر في شراء الماء والكهرباء منه، وهي مواردنا؟ فأي مقاومة اقتصادية تبنى على التبعية في أبسط مقومات الحياة اليومية؟


 نعم، غزة مدمرة اليوم وتعاني أزمة غير مسبوقة، لكن من الواضح أن الضفة الغربية، رغم الاستقرار النسبي فيها سابقاً، لا تحتمل عشر معشار ما واجهته غزة لو وضعت في نفس الظروف، هذا الواقع يميط اللثام عن واقع الضفة التي ظلت تعتمد على الدعم الخارجي دون استراتيجية اقتصادية متكاملة، فخلال سنوات الحصار والحروب، قدمت غزة نموذجاً مهماً في التكيف مع الظروف، من خلال الابتكار واستخدام الموارد المحلية المتاحة، هذه المبادرات، وإن كانت متواضعة، أظهرت إمكانية حقيقية لبناء اقتصاد مقاوم، في المقابل، فشلت الضفة الغربية، تحت إدارة الحكومات المتعاقبة، في استثمار مواردها واستقرارها لبناء نموذج اقتصادي قادر على مواجهة التحديات، فبالرغم من توفر الإمكانيات والفرص، ظلت السياسات الاقتصادية تقليدية عمياء، قائمة على المساعدات الخارجية والتجارة الاستهلاكية، دون استراتيجية واضحة لاستغلال الموارد المحلية أو تعزيز الابتكار والاقتصاد الإنتاجي.


 ولو نظرنا إلى تجارب عالمية مماثلة، مثل فيتنام التي خرجت من حرب طاحنة استمرت عقدين، أو كوريا الجنوبية بعد تحررها من الاستعمار الياباني، لوجدنا أن هذه الدول حولت المعاناة والأزمات إلى فرص للنهوض الاقتصادي، وذلك بفضل سياسات وطنية قوية، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار في الموارد المحلية، والابتكار الصناعي والزراعي، فنجت فيتنام من الأزمة المالية الآسيوية وجائحة كورونا، وتباطؤ الاقتصاد العالمي بفضل سياسة "دوي موي"، أي التجديد والابتكار، والتي اطلقتها بعد الحرب، وفتحت الطريق أمام تنامي الطبقة الوسطى، وجعلت اقتصاداتها من أسرع الاقتصادات نمواً، مستفيدة من أسواق التصنيع والتصدير والقوى العاملة الشابة التي ترحب بالتغييرات المبتكرة والتحول الرقمي من خلال سياسات واضحة ورؤى استراتيجية متكاملة، وهو ما تفتقر إليه السلطة الفلسطينية اليوم بشكل واضح.


 فالسلطة الفلسطينية، لو أرادت، كان بإمكانها الاستفادة من هذه النماذج الصديقة، وصياغتها كخطة وطنية لبناء اقتصاد حقيقي، لكن ما رأيناه لم يتجاوز الشعارات والمؤتمرات،  فالخطاب حول "الاقتصاد المقاوم" لم يترجم الى سياسات فعلية أو برامج قابلة للتنفيذ.

دلالات

شارك برأيك

اقتصاد مقاوم.. على ضوء شمعة

المزيد في أقلام وأراء

في غزة الناس ينتظرون مصيرهم

مصطفى إبراهيم

هل ساميتهم خير من ساميتنا ؟

أمين الحاج

غزة والإبادة جوعاً

د. جبريل العبيدي

سِــفر الآلام

نبهان خريشة

القدس تحت المجهر.. معركة وعي بلا مرجعية "بين أوسلو وعدوان أكتوبر 2023".. السياسات تصوغ مواجهة...

مالك زبلح

هذا هو الفرق بيننا وبينهم

من الدولة المدللة.. إلى المنبوذة

سلاح التظاهرات دعماً لفلسطين

مواقف دولية وتصريحات واعدة

قطع الرواتب.. دعوة لإعادة النظر !

الفرصة الأوروبية.. كيف نبني على التحولات الشعبية والسياسية في الغرب؟

الرأي القانوني في قرار الكابينيت الأخير منع عملية تسوية الأراضي في مناطق C وإلغاء إجراءات...

على هذه الأرض ما يستحق البقاء

مصطفى إبراهيم

المساعدات والمفاوضات والتهديدات

بهاء رحال

صحوةٌ بعد طول غفوة !

إبراهيم ملحم

فلسطين فرصة اقتصادية تنتظر التفعيل العربي

إن لم تكن شريكاً في الطبخة فأنت الوجبة!

إبراهيم ملحم

تطورات سياسية غير مسبوقة

حمادة فراعنة

‏ حين تتحول الساحات إلى منصات للنضال الثقافي// من أوسلو إلى "فدائي" النشيد الوطني الفلسطيني...

توفيق العيسى

زيارة ترامب ومستقبل القضية الفلسطينية

جمال زقوت

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1261)