أقلام وأراء

الخميس 19 أكتوبر 2023 2:19 مساءً - بتوقيت القدس

حينما يتحدث المدفع يجب أن لا يصمت القانون

طيلة أحد عشر يوما داميا، شنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات كثيفة على إقليم محتل من الأرض ، قيد المحتل له أن يكون سجنا كبيرا، إقليم لا تتجاوز مساحته 365 كيلومترا مربعا، إقليم يحتوي النسبة الأعلى للكثافة السكانية في العالم، حيث دمرت البشر والشجر والحجر، بحجة الإنتقام من حركة حماس لهجومها على القوات الإسرائيلية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ومقتل المئات من الإسرائيليين ومستوطني غلاف غزة.
رغم مرور أحد عشر يوما على بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، ورغم استشهاد آلاف المواطنين الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا ومرضى وغاسلي كلى وممرضين وممرضات ورجال إسعاف وأطباء وأناس أبرياء، لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار لوقف الأعمال العدائية الإسرائيلية تجاه المجتمع الغزاوي الفلسطيني البريء. ولم يصدر قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، لهذه اللحظة للقيام بمهمته الأولى لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وتخلت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن القيام بدورها في هذا الوقت الدقيق عدا فشل مجلس الأمن . وفشل الأمين العام للأمم المتحدة بأداء دوره على الوجه المطلوب.
تصدرت المشهد دولة العدوان الرئيسة في العالم، وكأن عدوانها على فيتنام وأفغانستان وتشيلي والعراق وسوريا لم يشبع نهمها للدم المسفوح، حيث قام وزير خارجيتها اليهودي ووزير دفاعها والآن رئيسها العجوز المأفون بزيارة ربيبتهم وقدموا دعمهم لها ، وأثبتوا ذلك عمليا بإرسال حاملتي طائرتين لشرق لبحر الأبيض المتوسط، وكأن حركة حماس وفلسطينيي غزة دولة عظمى، أو أن البحر الأبيض المتوسط ،هو محيط ويحتاج كل هذه القوة الضاربة. وللأسف انساقت معظم الدول الأوروبية وراء اللغط الأمريكي والزيارات الوقحة وغريزة الإنتقام الدموي من كل ما هو فلسطيني، فحجوا للكيان ورددوا هرائهم المعهود وثرثراتهم المغلوطة واتهاماتهم المتجنية، وأبرزها أن لإسرائيل حق في الدفاع عن نفسها في تبريرهم لأعمال القصف الجوي الإسرائيلي للمدنيين الأبرياء المسالمين الساكنين، في قطاع غزة، الذي بلغ ضحاياه ما يقارب ثلاثة آلاف ضحية.
يبدو أن الأوروبيين والأمريكيين قبلهم لديهم قواعد قانونية خاصة بهم ولأهل الشمال ومن بشرتهم بيضاء، وقواعد قانونية خاصة بشعوب الجنوب ومن بشرتهم سوداء، ومنهم الشعب الفلسطيني. نسي كل هؤلاء على ماذا وقعوا، وعلى ماذا صادقوا، وعلى ماذا انضموا من معاهدات ومواثيق، بل قذفوا بها في حاويات القمامة متى تعرض الإسرائيليون لأي هجوم وزعموا حق الدفاع الشرعي عن النفس لإسرائيل، بكلام غائم عائم ودونما سند علمي، أم أن كل هذه المواثيق والمعاهدات الدولية غدت حبرا على ورق، واستبدلت بقواعد الثأر والتدمير للشعب الفلسطيني.
خذوا مثلا موضوع الدفاع الشرعي للدولة التي تتعرض لعدوان دولة أخرى الذي قرقعوا مخنا فيه وأسمعونا إياه صباح مساء، وأن إسرائيل تتصرف وفق القانون الدولي، وقواعد الحماية للمدني غير العسكري وفق القانون الدولي الإنساني
تعالوا نبدأ بما قرره ميثاق الأمم المتحدة الذي صادقت وانضمت إليه 193 دولة حول الدفاع الشرعي وهي المادة 51 . لقد نصت المادة 51 على ما يلي " ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير لحفظ والسلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس بمقتضى سلطته ومسؤوليته المستمدة من أحكام هذا الميثاق، من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ الأمن والسلم الدوليين أو إعادته إلى نصابه ".
هذه المادة عبر تطبيق وتفسيرموضوعي محايد نزيه تهدم كل المقولة الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية. فهل حق الدفاع عن النفس حق مطلق وبدون حدود وانتقام وسفك دماء أبرياء، وهل هناك تناسب بين الإعتداء الإسرائيلي وبين الدفاع الشرعي الفلسطيني مما يقتضي تدمير مئات العمائر والمنازل والبنى التحتية، يقتضي منع الماء والغذاء والدواء والكهرباء عن المدني الفلسطيني. وهل هناك تقارب بين تعريف المنظمة الدولية للعدوان وبين ما حصل في قطاع غزة. بل إن الدول دائمة العضوية مثل بريطاني وأمريكا وفرنسا انحازت للعدوان وانساقت وراء ترك المدنيين الفلسطينيين يعانون من ويلات القصف.
غير مفهوم لماذا استغرقت دول العالم آلاف الجلسات في مناقشات وإعداد وكتابة مشروعات المعاهدات والمواثيق لقانون الحرب أو ما يسمى قانون النزاعات المسلحة وتغير إلى القانون الدولي الإنساني تجنبا لاستعمال كلمة الحرب القميئة. لماذا لا تطبق هذه المواثيق مع أنها وضعت خصيصا لهذه الأوضاع الدقيقة، وبخاصة حينما يطال المدني الذي لا يجيد ولا يعرف كيف يتجنب الحرب وويلاتها. لماذا لا تطبق اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ، وهي التي صيغت إثر ممارسات الإحتلال النازي تجنبا لمثل هذه الممارسات. لماذا لا تطبق اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 الخاصة بالحرب البرية التي غدت جزءا من القانون الدولي العرفي الذي ينطبق على جميع الدول كافة.
فلسفة القانون الدولي الإنساني الذي وقع الكيان على مواثيقه وصادق عليه تقوم على فكرة بسيطة إنسانية هامة، وهي التفريق بين العسكري والمدني. فالأخير يجب أن تقدم له كل وسائل الحماية وأن لا يمس وأن لايضار وقطعا لا يقصف. وإمعانا في تحقيق هذا الغرض رفضت الدول المتفاوضة، أن تناقش موضوع السيادة الشائك حتى يتم توجيه جل الإهتمام نحو الموضوع الإنساني للمدنيين. وعلى العكس من ذلك، فبدل حمايتهم سارعت وعاضدت وضغطت الولايات المتحدة لتهجير المدنيين الفلسطينيين، وإخراجهم من القطاع ، والضغط على مصر عبر القصف الإسرائيلي المتواصل والخسائر البشرية لفتح معبر رفح لتهجير الفلسطينيين الخائفين من القصف الإسرائيلي ، من أجل تحقيق المصلحة الإسرائيلية في إطار نكبة فلسطينية جديدة ، كم هم أشرار!
لذا حشدت النصوص في مواثيق القانون الدولي الإنساني لكفالة حقوق المدنيين وشؤونهم الإنسانية منذ أن يبدأ أي نزاع أو أي احتلال دونما أي تمييز،مثل حماية للحق في الحياة وسلامة الجسد، وحظر للتعذيب، وقصف البيوت وبيوت العبادة والجسور والمستشفيات، وحظر العقوبات الجماعية، وحظر التعرض لناقلي الجرحى وسياراتهم وسيارات الإسعاف والموظفين الطبيين على اختلاف تسمياتهم، وكفالة حرية مرور الأغذية الضرورية والملابس، ومنع التعرض للمدنيين، وحمايتهم ضد أعمال العنف والتهديد والنساء والأطفال والشيوخ بشكل خاص، وحظر اللإقتصاص من الممتلكات ولا تدابير الإرهاب وحظر النقل الجبري الفردي أو الجماعي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة – وهنا هم الفلسطينيون الغزاويون المدنيون- أيا كانت أسبابه ودواعيه . ومن أجل هذا خلقوا دور الدولة الحامية الذي لم ير النور في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
لو تم فحص السلوك الإسرائيلي الحالي في قطاع غزة، حالة حالة، في جميع ما ورد آنفا، وبكل موضوعية وتجرد وحيادية، لوجد أن جميع هذه الحقوق التي كفل حمايتها القانون الدولي الإنساني قد خرقت وهي تشكل جريمة حرب وخرقا جسيما له. ونتساءل أين جميع الدول المنضمة لهذه المواثيق وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، الذي أو جبت المادة الأولى منها كناية عن أهميتها المطلقة، على " تعهدها بأن تحترم تطبيق هذه الإتفاقية وتضمن احترامها في جميع الأحوال ". وفي ضوء عدم تحرك أية دولة لتطبيق إتفاقية جنيف الرابعة ولا سويسرا، يبدو لي أن نصوصها وقواعدها تحتاج لتفعيل من الأعضاء الآخرين وعقد مؤتمر دولي يكفل تنفيذها، أويجب أن لا يتم الرجوع إليها كمرجع موثوق، أو خلق جسم تكفل الدول الموقعة والمنضمة والمصادقة على هذه المواثق تنفيذ نصوصه بمهنية ودونما نوازع سياسية وبدون تمييز، فالقانون الدولي الإنساني يجب أن لا يصمت ولو كان هدير المدافع يملأ الكون باسره.
حق الحياة وسلامة الجسد والمال، لكل الشعب الفلسطيني أطفالا ونساء وشيوخا يكفله القانون والدين والأخلاق والإنسانية، في كل أماكن تواجده وبخاصة في قطاع غزة يجب أن يؤمن ويكفل.ومادامت الدول قد فشلت فالعبء ملقى على طلاب الحرية والكرامة والمنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر وصمود الشعب الفلسطيني ووحدته وموهبة التحدي لديه وعدم فقدان الأمل ، فالحياة تضحية فقدمها ما استطعت سبيلا.

دلالات

شارك برأيك

حينما يتحدث المدفع يجب أن لا يصمت القانون

المزيد في أقلام وأراء

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

في ذكرى النكبة 76.. غزة تعيد الصراع للمربع الأول

وسام رفيدي

حِراك طلبة الجامعات.. وشبابنا العاطل!

المتوكل طه

أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت

غسان عبد الله

النكبة الفلسطينية نزيف مستمر وشاهد على عجز الأمم المتحدة

عبد الله توفيق كنعان

ماذا يحدث في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي الجبهة الشمالية؟

أنطوان شلحت

لماذا تستميت أميركا لتطبيع سعودي مع إسرائيل؟

لميس أندوني

الكتابة بين الجثث.. قُبلة على جبين غزة في الذكرى الـ 76 للنكبة

عيسى قراقـع

مقارنة بين نكبتين.. من الطنطورة إلى الشابورة

إبراهيم ملحم

لاجئ وحتما عائد

حديث القدس

ذكرى النكبة محطة العودة

حمادة فراعنة

حق العودة بعد السابع من أكتوبر

عصري فياض

في يوم أوروبا.. بين مواقفها والوقائع بعد ٧٦ عاماً من جريمة النكبة

مروان إميل طوباسي

استقلالهم ونكبتنا

بهاء رحال

فلسطين و "إسرائيل".. من الهولوكوست اليهودي إلى الهولوكوست الفلسطيني

إبراهيم أبراش

عن القدس في ظل حرب الإبادة

يونس العموري

جبل غزة الذي لا ينحني….

محمد دراغمة

أقل الكلام

إبراهيم ملحم

أسعار العملات

الأربعاء 15 مايو 2024 9:44 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.67

شراء 3.65

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.97

يورو / شيكل

بيع 5.18

شراء 5.15

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%2

%98

(مجموع المصوتين 58)

القدس حالة الطقس