أقلام وأراء

الأحد 17 سبتمبر 2023 9:14 صباحًا - بتوقيت القدس

المعلم الذي نريد في فلسطين ؟

يتخذ المعلم بشكل عام ، والمعلم الفلسطيني على وجه الخصوص في العملية التعليمية التعلمية مكاناً مهماً وأساسياً في تحقيق الأهداف التربوية العامة. وهي هذه الأهداف عربياً وفلسطينياً يفترض أنها قائمة على أساس بناء شخصية الطالب بمختلف أبعادها العقلية والعاطفية والنفس حركية، والعمل على تأهيله لمواجهة مصاعب الحياة کإنسان عربي (فلسطيني) لديه من الانتماء والولاء لوطنه ولشعبه ولعروبته، ولديه من المعرفة والإبداع ومواكبة التطور التكنولوجي ما يمكنه من الإسهام بشكل فاعل في مقاومة الظلم والاستعمار (والاحتلال) وتحقيق الحرية والنهضة لوطنه ولشعبه ولأمته.


وترفع أهمية المعلم الفلسطيني عن غيره من المعلمين في أي مکان آخر في هذا العالم بسبب الدور المهم المطلوب منه ولاسيما الدور الوطني التحرري الذي يضاعف من مسؤولياته إلى جانب تلك المسؤولية الملقاة على عالق باقي أطراف الجهات المسؤولة عن عملية التعلم والتعليم وجوده مخرجاتها وبالذات وزارة التربية والتعليم.


وتأتي الحرب التي تشنها اسرائيل كدولة احتلال غاشم هذه الأيام على المناهج الفلسطينية وعلى أشكال العلم والتعلم عموماً، وبشكل خاص في القدس لتزيد من المسؤوليات الوطنية على كل أركان العملية التربوية التعليمية وبالذات على المعلم الفلسطيني المقدسي أولاً وعلى المعلم الفلسطيني والعربي ثانياً.
لقد كانت نتائج الدراسة الميدانية البحثية التي أشرفنا عليها اعداداً وتحريراً وقد استطلعت آراء الأسرى الأكاديميين حملة الشهادات العليا في سجون الاحتلال عن مدى التزام المعلم الفلسطيني بأخلاقيات مهنة التعليم، صادمة، فقد عبر الأسرى عن نظرة سلبية جداً للمعلم، حيث درجة الالتزام جاءت بمستوى منخفض جداً، وفي جميع أبعاد أخلاقيات مهنة التعليم (البعد الوطني والبعد التربوي، والبعد التعليمي، والبعد الاجتماعي والبعد الفني الاداري ).


هذا الأمر أثار حفيظتنا، وجعل من سؤال المعلم الذي نريد في فلسطين؟ اكثر حضوراً وبالذات في هذه الفترة الصعبة والخطيرة على أمتنا وشعبنا وقدسنا الشريف.


إن ما يقوم به الاحتلال منذ سنين هو: إعادة هندسة التعليم في القدس أولاً وفي فلسطين ثانياً وفي الوطن العربي ثالثاً عبر بناء وتعظيم المثيرات التعليمية والمواقف التربوية من خلال محاولات إعادة صياغة المناهج الدراسية أو التدخل في تبديل بعض ما ورد فيها، تماماً كما جرى مع دول التطبيع العربي مع اسرائيل مؤخراً، فالمنهج هو الوسيلة الأساسية لترجمة الأهداف إلى خبرات سلوكية تتفاعل مع الطالب وتعده الإعداد المطلوب لمواجهة الحياة في اطار القواعد والمفاهيم والمبادئ التي تعلمها.


ولذلك فان إلغاء مفهوم أو كلمة احتلال فقط - وعلى سبيل المثال - من المناهج تجعل عدوان قوات هذا الاحتلال امراً طبيعياً لا يحتاج إلى مقاومة، لأن مفهوم المقاومة في هذه الحالة يصبح هو الأمر غير الطبيعي والمرفوض لا الاحتلال.


إن ما يحدث خطير وخطير جداً، وهو ما يعيدنا إلى النقطة التي بدأنا منها وهي المعلم والدور الاستثنائي الذي يجب أن يقوم به كقائد تربوي تعليمي يوجب عليه تقدم الصفوف ليكون محط أنظار من خلفه مثالاً وقدوة ونموذجاً وطنياً يحتذى به، فدور المعلم يمتد من إدارة الصف إلى قيادة وادارة معظم مدخلات العملية التعليمية، ووظيفة المعلم الفلسطيني ليس التعليم المتعلق بعلم من العلوم فقط وإنما هو الاستفادة من هذه العلوم لتغيير الواقع وسلوك الطالب، وبالتالي تتحول المعرفة إلى ديناميكا حيوية تنطلق بالحياة وتبث فيها الحيوية والنشاط والدفء.


إن من أهم أبعاد أخلاقيات مهنة التعليم هو البعد الوطني الذي يتطلب من المعلم الفلسطيني: الانتماء العالي للوطن وتعزيز هذا الانتماء لدى الطلبة، وغرس القيم الوطنية والعربية والإسلامية في وجدان الطلبة، والإسهام في الوحدة الوطنية وحماية الطلبة من التجاريات السياسية والفكرية، وتعميق الاعتزاز بالشهداء والأسرى، ونشر ثقافة مقاومة الاحتلال لدى الطلبة، والالمام بالقضية الفلسطينية وحيثياتها وتطوراتها وإطلاع الطلبة عليها دورياً وكل ذلك في اطار القيادة التربوية الصالحة نحو توسيع نطاق الثقافة وتنويع مصادرها بما يحقق رعاية النمو المتكامل للطلبة دينياً وعلمياً وخلقياً ونفسياً واجتماعياً و صحياً.


في هذا السياق فان المطلوب من وزارة التربية وبصفتها من يتحمل المسؤولية الأولى عن جودة التربية والتعليم: أولاً: انصاف المعلم الفلسطيني بالاتجاه الذي يحقق له الرفاه ويرفع من كفاياته ويعيد له الاعتبار، ويمكنه من القيام بكل ما يلزم لتطوير نفسه وطلبته وقيادة التغيير في الفكر والمنهج والممارسة القائمة على أهمية العمل المستمر والتطور لمقاومة الاحتلال وانهائه. وثانياً: إعادة صياغة الأهداف التربوية العامة التي تعمل على تنمية جوانب شخصية الطالب تنمية وطنية تجعله قادراً على إدراك دروسه وقضيته العادلة وتوظيف كل ذلك من أجل تحریر وطنه ونهضة مجتمعه. وثالثاً: إعادة صياغة المناهج الدراسية لجميع المستويات والأفرع بشكل يجعل من الخصوصية الوطنية الفلسطينية أساساً وتجعل من القضية الفلسطينية حاضرة في الوسائل والأنشطة التعليمية التربوية للإنتقال بالعملية التعليمية من المستوى النظري إلى المستوى العملي التطبيقي وبما يعزز ويعمق الانتماء الوطني. ورابعاً: لابد من توفير كل انواع الدورات التأهيلية التي تمكن المعلم من الادراك الشامل لمحاور القضية الفلسطينية ولكل نظريات التعلم والتعليم، ولطرائق التدريس الوطني، ومهارات التصميم واستخدام الوسائل والأنشطة والمنشطات العقلية، ولمفاهيم الادارة الناجحة وتوظيفها في الإدارة المدرسية والصفية ولمواكبة متطلبات العصر وتوظيف التكنولوجيا في التعليم.


أما المعلم وهو محور الاهتمام في مقالتنا فإن المطلوب منه اجراء مراجعة ذاتية شاملة وناقدة من أجل: أولاً: إعادة ترتيب انتماءاته المتعددة بحيث يتصدرها أولاً الانتماء للدين وتعاليمه وما يترتب عليه من التزام أخلاقي، وثانياً الانتماء للوطن وتحريره وما يترتب عليه من إنتماء وطني عالي، وبحيث لا يطغى أي انتماء آخر عليها. ثم ثانياً: على المعلم ان يعيد حساباته ويعمل على استجلاء وجهة نظر الاخرين في مدة التزامه بأخلاقيات مهنته وبشكل دوري من خلال استطلاع آراء الزملاء والمشرفين والطلبة، لتلاقي نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة.


أما على المستوى الأكاديمي فانه من المهم توسيع مثل هذه الدراسات وبالذات لاستطلاع أهم أسباب هذه النظرة السلبية للمعلم وللنظام التعليمي الفلسطيني ، وعقد ورشة (ورشات) عمل موسعة تمثل حضور الفصائل الفلسطينية الرئيسية فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجهة الشعبية مع القيادة التربوية من مسؤولين حكوميين ومشرفین و مدراء مدارس ومعلمين وخبراء تربويين للوقوف عند أهم ما يمكن عمله في الشأن التربوي التعليمي الوطني وتطويره وبالذات للمشاركة الفاعلة في عملية تحرير الوطن وصناعة الحياة الكريمية لشعبنا.


إن النهوض بالعملية التربوية ، يعني النهوض بالوطن، والنهوض بالوطن في فلسطين يعني النضال من أجل تحريره من الاحتلال الاستعماري الاستيطاني الإحتلالي الذي يسلب كل مقدراته، وهذا هو حقيقة دور الأجيال المتلاحقة.


والمعلم في هذا السياق هو مناضل من أجل الحرية قبل كل شيء ، و دوره لا يقتصر على إدارة صفه الدراسي، بل يتعدى ذلك إلى دور يحتم عليه أن يكون قائداً مسؤولاً عن إحداث التغيير و الانتقال مع طلبته من واقع الاحتلال الراهن إلى واقع الحرية الزاهر.


ولذلك فقد بات تكامل المسؤوليات الوطنية مع كل أطراف العملية التربوية والوطنية من مؤسسات ومنظمات وأفراد لازماً، وبات المعلم فيه الأساس لبناء جيل المستقبل الواعد .


إن التزام المعلم الفلسطيني بأخلاقيات مهنته ولاسيما البعد الوطني فيها أولاً، هو واجب وطني وأخلاقي، يفرض على المعلم وأياً كانت درجة الاهتمام به من المسؤولين في المؤسسات التربوية ودرجة رضاه عن واقعه المهني، أن يسعى لاستعادة ثقة الناس به ، وما نتائج الدراسة التي أشرنا لها والتي أظهرت نظرة سلبية جداً من الأسرى (وهم فئة مهمة تمثل هذه الناس) تجاه درجة التزام المعلم الفلسطيني بأخلاقيات مهنته - وإن كانت تعبر عن نظرة سخط على التظام التعليمي الفلسطيني ككل - الا الدليل على ذلك ، والحافز المهم ليستدرك المعلم أنه قد آن الأوان له ليسترد دوره المحوري في النضال الفلسطيني، عبر السعي لاستثمار وتوظيف كل ماهو جديد ومعاصر في التعليم والتعلم، ولاسيما التكنولوجيا لتطوير نفسه في مجالات اخلاق مهنته الوطنية التربوية التعليمية الاجتماعية والفنية الادارية، وبالتالي البناء المتكامل لشخصيات طلبته معرفياً ووجدانياً وأدائياً ، وبما يؤسس لجيل الثورة الجديد الذي يمتلك أعلى مستويات الإدراك لقضيته العادلة ووسائل حلها: معرفة وفهماً وتطبيقاً وتركيباً إبداعياً وتقويماً ، تمكنه من دحر الاحتلال وتحرير الوطن وصناعة الحياة الكريمة ، وهذا هو المعلم الذي نريد في فلسطين.

دلالات

شارك برأيك

المعلم الذي نريد في فلسطين ؟

المزيد في أقلام وأراء

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

في ذكرى النكبة 76.. غزة تعيد الصراع للمربع الأول

وسام رفيدي

حِراك طلبة الجامعات.. وشبابنا العاطل!

المتوكل طه

أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت

غسان عبد الله

النكبة الفلسطينية نزيف مستمر وشاهد على عجز الأمم المتحدة

عبد الله توفيق كنعان

ماذا يحدث في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي الجبهة الشمالية؟

أنطوان شلحت

لماذا تستميت أميركا لتطبيع سعودي مع إسرائيل؟

لميس أندوني

الكتابة بين الجثث.. قُبلة على جبين غزة في الذكرى الـ 76 للنكبة

عيسى قراقـع

مقارنة بين نكبتين.. من الطنطورة إلى الشابورة

إبراهيم ملحم

لاجئ وحتما عائد

حديث القدس

ذكرى النكبة محطة العودة

حمادة فراعنة

حق العودة بعد السابع من أكتوبر

عصري فياض

في يوم أوروبا.. بين مواقفها والوقائع بعد ٧٦ عاماً من جريمة النكبة

مروان إميل طوباسي

استقلالهم ونكبتنا

بهاء رحال

فلسطين و "إسرائيل".. من الهولوكوست اليهودي إلى الهولوكوست الفلسطيني

إبراهيم أبراش

عن القدس في ظل حرب الإبادة

يونس العموري

جبل غزة الذي لا ينحني….

محمد دراغمة

أقل الكلام

إبراهيم ملحم

أسعار العملات

الأربعاء 15 مايو 2024 9:44 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.67

شراء 3.65

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.97

يورو / شيكل

بيع 5.18

شراء 5.15

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%2

%98

(مجموع المصوتين 54)

القدس حالة الطقس