أقلام وأراء

الأربعاء 13 سبتمبر 2023 10:12 صباحًا - بتوقيت القدس

الطبيب الفلسطيني د. علاء اللقطة فنان كاريكاتير يقاوم الاحتلال بريشته

لا يمكن لمن يرصد رسومات الفنان د. علاء اللقطة الكاريكاتيرية إلا الإقرار بأنَّ صاحب هذه الريشة والخيال هو حقيقة طبيب ومفكر تتمدد آراؤه خلف خطوط القلم وألوانه على شكل لوحات فنية تُوثِّق لأحداثٍ ووقائع حاضرة وتاريخية في المشهد الفلسطيني السياسي والإنساني والنضالي تحت الاحتلال، ومثيل لها في الساحتين العربية والإسلامية.


إن د. علاء اللقطة هو إنسان متميز يفكر بريشته، ويقدِّم رأيه على شكل لوحة أو لوحات فنية تختصر كلَّ الشروحات والتأملات، لتبلغ عقل المشاهد كجرعة مُركزة من جرعات الوعي، التي لا يحتاج معها مطالع اللوحة إلى قراءة تحليلية عميقة قد تصيب أو تخطئ.


إنَّ لوحات الطبيب الفلسطيني د. علاء اللقطة الكاريكاتيرية في سياقاتها السياسية والإنسانية هي من فصيلة "السهل الممتنع"، حيث يشعر الشخص القارئ لها -بنظرة فاحصة- أنه أمام فيلسوف ومفكر عالمي ينثر أفكاره وينشرها عبر ريشته المقاومة للاحتلال، التي هي صدىً لوجدانه المثقل بالوجع والهّم الوطني ونزف الجرح الفلسطيني، بحيث تصل إلى كلِّ العقول، وتلمس شغاف قلوب البسطاء والمثقفين، ولا تختلف الرؤى حول المعاني والأبعاد المقصودة من ورائها.. فمرامي القصد الذي خطه د. علاء بيراعة، هو ما تشاهده على الورق، كما استبطنه الفنان صاحب الريشة والألوان، وليس هناك شيء آخر غير ما تلتقطه العين في قراءتها الأولى والسريعة من مشاعر وانفعالات.


لقد سمعت باسم د. علاء اللقطة منذ كان طالباً في رومانيا خلال فترة التسعينيات، حيث كان أحد اقربائي يدرس معه في كلية الطب هناك، ثم تابعت رسوماته في أكثر من مجلة وصحيفة هنا وهناك. ولعل الذي شدَّني إليه إبداعاته الفنية، وتعبيراته التي تفوقت على كلِّ ما كنت أكتبه من مقالات، فكنت أستجير بما فيها من روعة وفكر لتزيِّنَ صفحات الكتب التي كنت أنشرها، وخاصة سلسلة (الإنسان موقف)، وهي عبارة عن عشرة أجزاء، احتضنت بين دفتيها أوسع استضافة من تلك الرسومات، والتي وصلت لأكثر من 200 لوحة، تطابقت في معانيها وأفكارها مع مقاصد التحليلات السياسية المنشورة في تلك المقالات.


كان د. علاء دائماً كريماً وصاحب جود وعطاء، فلم يتقاضَ أجراً مني مقابل هذه اللوحات الفنية، واعتبر أنَّ كلَّ ذلك هو هدية منه للوطن، ويقدمه باعتباره "صدقة جارية"، وعملاً في ميزان حسناته.


عندما كنت أضع اللمسات الأخيرة لكتابي (نفنى ولا تهون.. القدس والأقصى في المشهد النضالي الفلسطيني: الأب منويل مسلَّم نموذجاً)، طلبت من د. علاء أن يرسم بريشته صورة للأب منويل تعبر عن هذا المعنى، وجاء الرد بلوحة رائعة للأب منويل في مشهد الفارس الذي يضع قلنسوة الحرب على رأسه استعداداً لمواجهة الأعداء، وكانت القلنسوة عبارة عن قبة الصخرة، وهو ما زاد الأب منويل فخراً بمواقفه المدافعة عن القدس والأقصى.


في عام 2009، التقيت د. علاء في القاهرة بأحد فنادق حي مصر الجديدة (رادسن بلو) خلال زيارة رسمية لي إلى هناك، بغرض مقابلة وفد أوروبي رفيع المستوى كان يهدف فتح حوار مع حركة حماس، واللقاء ببعض قادها السياسيين.
كان د. علاء -آنذاك- يقيم بمدينة نصر، فكانت فرصة لمعرفته أكثر، وتبادل الحديث معه في شؤون السياسة والأدب، وكيف جاء من عالم الطب والمحاليل ومشرط الجرَّاح إلى فضاء الإعلام وريشة الرسام.. كان لقاءً ممتعاً، فليس من شاهد الرجل وحاوره كمن سمع عنه، إذ وجدت فيه حقيقةً إنساناً يجمع بين الطِيبة والتواضع ونُبل السلوك، وله من سمتِ الأدب ما يسمح لنا بالقول: "وكان في أخلاقه آية".


كم هي المرات التي أكرمنا فيها برسومات طلبناها منه بشكل خاص، فكان في عطائه سخيَّاً كالريح المرسلة، حيث أعاننا بريشته التي باركت أكثر من عمل فكري لنا وواجهة كتاب.


إن د. علاء هو فنان فلسطيني أصيل، يقف اليوم بجدارة واستحقاق على سُلَّم الشهرة والعالمية، وقد أخذت الكثير من لوحاته التي تجاوزت عشرة ألاف لوحة طريقها للكثير من الصحف والمجلات في الساحتين العربية والغربية، واسمه في المخيال الفلسطيني إلى جانب الفنان المبدع ناجي العلي (رحمه الله)، وآخرين ممن سمو في عالم الفن، أمثال سمير منصور وعماد أبو إشتيوي ومحمد سبعانة وآخرون، وإن كانت ريشة كلّ واحد منهم قد سلكت في تعبيراتها عن الحالة الفلسطينية المناهضة للاحتلال نهجاً فنياً يختلف.


لقد أعطى د. علاء اللقطة للمظلومية الفلسطينية تحت الاحتلال مشهداً فضح فيه جرائم إسرائيل وانتهاكاتها العدوانية بحق الإنسانية، وأعطى للطفل الفلسطيني والأسير الفلسطيني والمرأة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية حقها في مشهدية البطولة وملاحم النضال، والتي استحوذت صورها على الذهنية العربية والإسلامية، وجسَّدت من خلال الكوفية والعقال والحجر والمقلاع تظهير المشهد النضالي الفلسطيني وحضوره الواسع في الساحات الإقليمية والعالمية، كمقاتلٍ من أجل الحرية وتقرير المصير.. فالحجر بيد أطفاله هو أحد أدوات نضاله في وجه المحتلين، وكذلك العلم الذي يرفعه شبابه عالياً هو أيضاً رسالة تحدٍّ لجيش المعتدين وبطاقة إشهارٍ لهويةِ بلاده فلسطين، والشيخ يضرب بمقلاعه والمقاوم برصاصه هو كذلك رسالة للعالمين: لا.. لن نستكين.


مع كلِّ حدث فلسطيني، كنا ننتظر رؤية لوحته الفنية بلهفة وشغف، متسائلين: تُرى ما الذي خطته ريشة علاء؟! وكم هي المرات التي غرَّدنا له إعجاباً قائلين: ما أروعك يا علاء، لقد أصبت كبدَ الحقيقة، وسبقتنا جميعاً في إيصالها للكبير والصغير، ولصاحب العقل السليم ولمن هو حتى بوعيه فقير.


حقيقةً، هناك في وطني الكثير ممن حفروا أسماءهم بتضحياتهم، وتركوا خلفهم بدمائهم أكثر من بصمةٍ وأثر، فيما أنت قد تركت بمداد قلمك وأصباغ مرسمك لوحات فنية تعيش معنا في وجداننا، وتُخلَّد على صفحات الكتب، وتزيِّن جدران المكاتب وفضاء المكتبات، فأنت لشعبك بعطائك أيقونةٌ ولقطةٌ في العلاء.


ونظراً لما تتمتع به لوحاته الكاريكاتيرية من استحسان وقبول واسع، فإنه يتم تداولها بكثرة من قبل رواد التواصل الاجتماعي، ولذا تمَّ تعرض حسابه على الفيسبوك للإغلاق أكثر من مرة، ولكنه نجح في إيجاد قنوات ومنافذ إعلامية أخرى، ليبقى تفاعله مع الجماهير الفلسطينية والعربية قائماً في نضاليته بلا انقطاع.


ألا لله درُّك يا علاء.. فكم حصدت من المديح مع الثناء، لروعة تلك التعابير الكاريكاتيرية، التي كانت دائماً (ع الوجع) شافية للغليل. يكفي المرء أن يرقب ردود فعل ناشطي شبكات التواصل الاجتماعي وتعليقاتهم الجميلة لتلك الرسوم المعبرة عن آهات الفلسطينيين وأوجاعهم، جرَّاء ظلم وخذلان من هم في جوارهم العربي أو من كانوا من المفترض أنهم يمثلون صوت الضمير الإنساني والعالم الحر.


اليوم، أيها اللاجئ الفلسطيني، يرتحل قلمك من بلد إلى آخر؛ من رومانيا إلى مصر إلى البحرين إلى الكويت إلى تركيا، وعلى كلِّ هذا التشريق والتغريب تظل إطلالة ريشتك هي الأروع والأعمق أثراً في نفوس متابعيك، فسهمك تصل رميته إلى حيث كان قصدك والهدف بهذه "الريشة المقاومة".


نعم؛ الرصاص المقاوم له حصته من الأجر واستحقاقاته من مشروع التحرير، ولكنَّ القوة الناعمة التي تمثلها ريشة الفنان لها هي الأخرى نصيبها من ذات الشوكة.


حقيقة وبدون مجاملات، إنَّ د. علاء اللقطة بريشته ولوحاته هو أشبه بالطائرات المسيِّرة التي تحلق بعيداً وتصيب الاحتلال بمقتلة، وقد أسهمت هذه الريشة المقاومة في نقل مظلوميتنا إلى العالمية، ولم تستطع إسرائيل تسويق اتهاماتها لقلمه بالتطرف والإرهاب.


وبعيداً عن ريشة الفنان، هناك علاء الإنسان صاحب الكلمة الطيبة والأخلاق العالية، ابن المخيم الذي يمتلأ رجولة وشهامة ويصدع بما يراه حقاً ولا يبخس الناس أشيائهم، وكم عهدناه وفيّاً لزملائه الفنانين في الذكر والثناء مقدراً جهودهم في سياق الوطنية الفلسطينية.

دلالات

شارك برأيك

الطبيب الفلسطيني د. علاء اللقطة فنان كاريكاتير يقاوم الاحتلال بريشته

المزيد في أقلام وأراء

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

في ذكرى النكبة 76.. غزة تعيد الصراع للمربع الأول

وسام رفيدي

حِراك طلبة الجامعات.. وشبابنا العاطل!

المتوكل طه

أصغيتُ، شاهدتُ، فتعلمت فأيقنت

غسان عبد الله

النكبة الفلسطينية نزيف مستمر وشاهد على عجز الأمم المتحدة

عبد الله توفيق كنعان

ماذا يحدث في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وفي الجبهة الشمالية؟

أنطوان شلحت

لماذا تستميت أميركا لتطبيع سعودي مع إسرائيل؟

لميس أندوني

الكتابة بين الجثث.. قُبلة على جبين غزة في الذكرى الـ 76 للنكبة

عيسى قراقـع

مقارنة بين نكبتين.. من الطنطورة إلى الشابورة

إبراهيم ملحم

لاجئ وحتما عائد

حديث القدس

ذكرى النكبة محطة العودة

حمادة فراعنة

حق العودة بعد السابع من أكتوبر

عصري فياض

في يوم أوروبا.. بين مواقفها والوقائع بعد ٧٦ عاماً من جريمة النكبة

مروان إميل طوباسي

استقلالهم ونكبتنا

بهاء رحال

فلسطين و "إسرائيل".. من الهولوكوست اليهودي إلى الهولوكوست الفلسطيني

إبراهيم أبراش

عن القدس في ظل حرب الإبادة

يونس العموري

جبل غزة الذي لا ينحني….

محمد دراغمة

أقل الكلام

إبراهيم ملحم

أسعار العملات

الأربعاء 15 مايو 2024 9:44 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.67

شراء 3.65

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.97

يورو / شيكل

بيع 5.18

شراء 5.15

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%2

%98

(مجموع المصوتين 57)

القدس حالة الطقس