أقلام وأراء

الإثنين 24 يوليو 2023 10:08 صباحًا - بتوقيت القدس

صلاح "فتح" هو صلاح للكل الفلسطيني

لم يكن ما حدث في مخيم جنين مفاجئاً- بالنسبة لي على الأقل- عندما لم يلق نائب رئيس حركة فتح وعضو اللجنة المركزية المرافق له ذلك الترحيب المطلوب من أهالي المخيم الذين كانوا قد تعرضوا لعدوان وحشي من الاحتلال دمر بنية المخيم التحتية وخلَّفَ أوجاعاً وآلاماً وشهداء أبرار وأسرى بواسل وجرحى مناضلين.


وإن كان قد تم الإشارة في أسباب ما جرى إلى تحريض من الفصيل الخصم والمنافس " حماس" -وقد يكون صحيحاً- إلا أن ذلك كان يحتم على حركة فتح وقيادتها ألا تتعامل بردة فعل، وأن تسعى للامساك بزمام الأمور والمبادرة عبر دراسة المشكلة بشكل موضوعي ومن جميع جوانبها واتجاهاتها، وتذهب لصنع الحدث، لا أن تتعامل بردة فعل وكما هي العادة، لتخرج في كل مرة من دائرة الفعل والتأثير.


أحد جوانب هذه المشكلة الذي نرى أهمية كبرى في تسليط الضوء عليه هو مستوى الانتماء التنظيمي عند أعضاء حركة فتح؟


إن الانتماء للجماعة يعتبر أساسيا في استمرار الجماعة، وفي استمرار تحقيق الفرد لتطلعاته وحاجاته، وقد يفقد الفرد في مرحلة ما اهتماماته بإحدى الجماعات التي ينتمي إليها أو قد يفضل جماعة على أخرى، فيرتفع انتماؤه تارة وينخفض تارة أخرى، لذلك يحظى موضوع الانتماء باهتمام كبير، وبالذات في الأحزاب والتنظيمات السياسية والتي ينتمي لها الفرد طواعياً، مؤمناً بأهدافها وملتزماً بلوائحها، ومستعداً لبذل أقصى جهوده من أجلها.


في فلسطين التي تقع تحت الاحتلال، تكتسب الحركات السياسية المقاومة للاحتلال فيها مكانة خاصة، ويكاد كل فلسطيني منتمٍ ولو على شكل نصير لأحد هذه الحركات بحكم الواقع المعقد الذي يعيشه الفرد الفلسطيني في ظل الحاجة لمقاومة الاحتلال واجراءاته.


حركة فتح هي إحدى الحركات السياسية في فلسطين التي تحظى بتأييد الأغلبية وينتمي إليها عدد كبير من أفراد الشعب الفلسطيني كأعضاء وعاملين فيها ويعتبر الانتماء التنظيمي عند الأعضاء نحو الحركة ونحو برامجها وسياساتها ونحو قادتها ونحو أعضائها حجر الزاوية في استمراريتها وصيرورتها وترى فتح في الايمان المطلق بعدالة القضية الفلسطينية، والاستعادة الدائم للتضحية من أجلها سمتان رئيستان في العضو الملتزم وصاحب الانتماء العالي.


ولكن في ظل التحولات الكبيرة التي جرت على فتح، وتحولها من السرية إلى العلنية. وفقدان قادتها للرمزية وتدهور برامجها تنازلياً، بالإضافة إلى تذمر الكثير من الأعضاء وابدائهم مشاعر ومظاهر عدم الرضا، أصبح السؤال عن مستوى الانتماء عند الاعضاء في حركة فتح سؤالاً مشروعاً.


إن الانتماء التنظيمي هو الحالة التي يعبر فيها الفرد عن التزامه وإخلاصه لأهداف ومبادئ المنظمة (الجماعة) وعن انضباطه للوائحها، ويظهر منها إيمانه واستعداده الدائم للتضحية ويسعى دوماً ويسعى للارتباط بها والدفاع عنها ويبذل أقصى جهده للمحافظة عليها.


في الدراسة الميدانية التي أشرفنا على إعدادها قبل فترة من داخل الأسر واستخدمنا فيها المنهج الوصفي المسحي للبحث للإجابة عن سؤال: مستوى الانتماء التنظيمي عند أعضاء حركة فتح. وصممت لأجلها استبانة وزعت فقراتها على أربع مجالات للانتماء التنظيمي هي: الانتماء للحركة، والانتماء للأعضاء والانتماء لبرامج الحركة وسياساتها والانتماء للقادة. وجاء في أهم نتائجها اللافتة التالي:


1- ترتيب مجالات الانتماء التنظيمي عند أعضاء فتح جاء كالتالي: في المرتبة الأولى جاء الانتماء للأعضاء بمعدل 77%، ثم جاء ثانياً مجال الانتماء للحركة بمعدل 73% وثالثاً مجال الانتماء للقادة بمعدل 44%، ورباعاً الانتماء لبرامج الحركة وسياساتها بمعدل 35%.


2- الدرجة الكلية للانتماء التنظيمي عند أعضاء فتح بناءً على ما سبق جاء بمعدل 57.25% وهو مستوى انتماء متوسط.


3- كان تفسير الانتماء المنخفض عند أعضاء فتح تجاه برامج الحركة وسياساتها وكذلك تجاه قادة الحركة إلى عدم رضا الأعضاء عنها بدرجة كبيرة.


4- إحدى فقرات الاستبانة التي نصت على "أحزن لأني أشعر بأن فتح تراجعت عن أهدافها التي انطلقت لأجلها" كانت نتيجتها صادمة وقد أجاب 100% منهم بدرجة كبيرة جداً وبدرجة كبيرة. وهو تعبير واضح عن عدم رضاهم بل وحزنهم العميق لأنهم يشعرون أن فتح تراجعت عن أهدافها، ما يشير على مستوى انتماء منخفض جداً أكدته الدرجة الكلية للمجال الذي جاء بمستوى منخفض (35% فقط).


5- وفي إحدى فقرات الانتماء للقادة والتي تنص على "يهتز انتمائي عندما أرى استغلال قادة الحركة لمناصبهم لصالح مصالحهم الذاتية" أجاب 70% بدرجة كبيرة جداً وكبيرة، وهو ما عبر عن نظرة سلبية تجاه القادة إلى درجة اهتزاز الانتماء، وهو ما يشير إلى حالة عدم الرضا وتراجع الثقة بقادة الحركة، أكدتها الدرجة الكلية لهذا المجال التي كانت بمعدل 44% وهو مستوى انتماء منخفض.
كما تم إجمال استنتاجات الدراسة في التالي:


1- الرضا يحدد شكل الانتماء ودرجته، وهناك علاقة ايجابية بين الرضا والانتماء.


2- الانتماءات تتعدد والانتماء الواحد أيضاً تتعدد مجالاته وتفرعاته، والمجالات تتعدد فقراتها، والفقرات تتعدد درجات الاستجابة عليها ما بين مرتفع ومتوسط ومنخفض (وهو ما يعكس نسب الرضا) وكل هذه التعددات تؤدي إلى حصول اهتزازات وترددات في درجة ومستوى الانتماء الكلي عند الفرد صعوداً أو نزولاً.


3- الزمان والمكان والظروف المحيطة بالفرد واحتكاكه بيئته، ومراحل تطوره العمري والمعرفي والفكري، وتطلعاته وتقديراته وفهمه للتغيرات والتحولات التي تطرأ على منظمته كلها عوامل مؤثرة في شكل الانتماء ومستواه.


4- التعبئة الفكرية التنظيمية وتأثيرات العولمة والمعلوماتية الاتصالاتية الالكترونية قد تفرض نفسها على فهم الفرد لمفهوم الانتماء العالي الذي قد يصل إلى حد الطاعة المطلقة وتقديس الجماعة ورموزها وقادتها وكما في التنظيمات الإسلاموية.


5- الانتماء الكلي للفرد حتى لو كان منخفضاً هو بالضرورة نتاج عدم الرضا عن بعض الجوانب في الجماعة التي ينتمي لها، لكنه لا يعني بالضرورة أن يتخلى الفرد عن انتمائه لجماعته والسعي للمحافظة عليها.


6- يمكن اعتبار مستوى الانتماء المنخفض مدخلاً من المداخل المؤدية إلى انخفاض المستوى الكلي لاحقاً، وبالتالي تفكير الفرد في التخلي عن جماعته.


أما توصيات الدراسة والتي نؤكد على أهميتها وضرورة أن تعمل حركة فتح عليها فنلخصها بالتالي:
1- دعوة حركة فتح لإجراء مراجعة واعية لبرامجها وسياستها وفي إطار الكل الفتحاوي.


2- دعوة حركة فتح لإعادة الاعتبار لأدوات التقييم لديها عبر عقد ورشات العمل المتخصصة وجلسات النقد والنقد الذاتي، ونحو محاولة تصحيح أخطاء الماضي وعدم تكرارها.


3- دعوة قادة حركة فتح للنزول إلى الشارع الفتحاوي والاحتكاك المباشر بالأعضاء وبالكوادر وجمهور المناصرين وهمومهم، لتغيير الصورة السلبية تجاه القادة.


4- دعوة حركة فتح لإعادة النظر في النمط القيادي السائد في الحركة القائم على التغني بأمجاد الماضي عند التفكير بالحاضر والاستسلام للأمر الواقع عند التفكير بالمستقبل. وتغليب المصلحة الذاتية الآنية على المصلحة الحزبية الوطنية العامة.


5- دعوة حركة فتح إلى إعادة إحياء مبدأ أن المسؤولية هي تكليف وليس تشريف قولاً وفعلاً، وشعارا وممارسة.


6- دعوة فتح ومفوضيات لجنتها المركزية للاهتمام بآليات تطوير أعضاء الحركة وتنمية مهاراتهم ومعارفهم وقدراتهم وكفاءاتهم في إطار إعادة النظر في الثقافة الغربية السائدة.


7- دعوة فتح لإجراء مسح دوري لقياس مستوى الانتماء التنظيمي عند أعضاء الحركة وتشخيص مدى التطور الإيجابي للأعضاء والحركة والياتها.


8- الضغط باتجاه ادراج بند المراجعة الشاملة والناقدة الحقيقية للحركة ونظامها وأهدافها وأساليب عملها في المؤتمر العام القادم للخروج بخطة عمل شاملة تتضمن اليات تنفيذية ترفع من نسب الرضا لدى الأعضاء وتعزز انتمائهم.


9- دعوة الفئات الأكاديمية والمهتمين في حركة فتح لإثراء الدراسة وتغطية النقص فيها باستعمال أداة المقابلة لسؤال كادر فتح عن أهم المظاهر أو الظواهر السلبية في حركة فتح المؤثرة في انتماء الأعضاء واستقطاب الجماهير وكيفية الحد منها وتعزيز الانتماء التنظيمي والوطني.


إن صلاح فتح هو صلاح للكل الفلسطيني، وهو صلاح للقضية برمتها، وهو ما يؤكده غير الفتحاويين أكثر من الفتحاويين أنفسهم ولذا كان لا بد من الإشارة إلى أحد جوانب صلاحها الداخلي والمتعلق بقادة هذه الحركة على وجه الخصوص لما له من تأثير مهم على مستوى الانتماء التنظيمي أولا والوطني لاحقاً، ونحن شئنا أم أبينا أو شاء غيرنا أم أبى أو شاءوا هم أو أبوا فهم القادة يتحملون المسؤولية الأولى عما يحصل وعما سيحصل في مستقبل ومصير القضية والمشروع والشعب الفلسطيني.

دلالات

شارك برأيك

صلاح "فتح" هو صلاح للكل الفلسطيني

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

انتظروا بياناً هاماً ...!!

سمير عزت غيث

اليوم التالي ووهْم حلّ الدولتين

محمد الهندي

ألسنة اللهب ترتفع في الجنوب والشمال والدبلوماسية الدولية تكتفي بالأقوال ..!!

حديث القدس

احتجاجات الجامعات: تحولات كمية.. إلى نوعية

د. أسعد عبدالرحمن

بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

جواد العناني

النكبة وسرديّة المخيّم الكبرى

سمير الزبن

الجامعات والإعلام ودورهما في تعزيز"الانتماءِ للقضية الفلسطينية"

تهاني اللوزي

المقاومة ونتنياهو ولعبة الوقت

بهاء رحال

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

أسعار العملات

الجمعة 17 مايو 2024 12:34 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.71

شراء 3.7

يورو / شيكل

بيع 4.02

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.2

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%7

%93

(مجموع المصوتين 72)

القدس حالة الطقس