أقلام وأراء
السّبت 06 مايو 2023 10:33 صباحًا - بتوقيت القدس
بين المفارقات والمقاربات بعد ٧٨ عاماً من الانتصار على النازية
بعد أيام وتحديدا في التاسع من أيار، تحل علينا الذكرى ال ٧٨ للانتصار على النازية التي دفعت الشعوب الأوروبية وتحديدا منها شعوب الاتحاد السوفيتي السابق ثمنا باهظا من أرواح أبنائها ومقدراتها من أجل دفن هذا الوحش النازي الذي اطل برأسه قبل أكثر من تسعين عاما من الزمن لمعاداة الشعوب والعدالة وعجلة تطورها الطبيعي .
اليوم يتوجب ربط الكفاح ضد الاحتلال الاستعماري والصهيونية مع ذكرى الانتصار على النازية، والتحرك مع كل شعوب العالم وقواه الديمقراطية والتقدمية لمناهضة نهوض النازية الجديدة حول العالم ولحماية شعبنا الفلسطيني من مجريات استمرار جريمة الأستعمار ومن أجل دحر الاحتلال والفصل العنصري وتنامي العنصرية.
فمن الدروس المستفادة من هذا الانتصار على النازية إدراك حقيقة ، أن تحديد مصير العالم في المرحلة المعاصرة لتطور البشرية هي مسؤولية مشتركة ذات طابع عام لا يتجزأ . اليوم كل الشعوب تتحمل المسؤولية أمام جيل المستقبل من أجل الوصول الى نظام دولي متعدد الاقطاب ومتوازن يقوم على إنهاء هيمنة السياسية الأميركية وحلفائها، ويقوم على أساس المبادئ والقيم التي كرستها الشعوب المنتصرة ضد النازية والتي من أهمها قيم ومبادئ الحرية والديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار مسار تطورها المستقل، حيث من هنا تكمن مسؤولية شعوب العالم .
هنالك ضرورة اليوم لانهاء ظواهر الاستبداد والعنصرية بكافة اشكالها كما الحروب والحروب بالوكالة التي تقوم على حساب مصالح الشعوب، هنالك ضرورة لدحر نشوء ظواهر النازية الجديدة التي بدأت تطل برأسها من أجل حصار ومحاربة مَن انتصر بتضحياته فعلا على النازية سابقا أو الثأر منه .
وهنالك تكمن ايضا ضرورة العمل من أجل تعزيز الثقة المتبادلة بين الشعوب على قاعدة العدالة والمساواة والتضامن بينها والبحث المشترك للآفاق المستقبلية للبشرية جمعاء التي يجب أن تكون أفضل من أجل حماية مصالح الشعوب والسلم الدولي، وإنهاء استمرار دفع الشعوب ثمن المغامرات المتوحشة الأميركية حول العالم وهيمنتها على النظام الدولي ، كما وثمن هذا الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي البشع الذي لا يمكن أن يستمر للأبد خاصة مع بروز ظواهر الأزمات العميقة اليوم داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه والمتغيرات الدولية والاقليمية الجارية .
لقد ارتكبت الولايات المتحدة بعد مرحلة الانتصار على النازية الجرائم ضد شعوب كثيرة في مناطق مختلفة من العالم . وفي إطار نتائج الحرب العالمية الثانية والتي لم تتأثر بها بمقارنة مع ما حصل من دمار بالقارة الأوروبية، ساهمت مع قوى الاستعمار في بريطانيا وفرنسا في إثارة الحرب الباردة وخلق فزاعة العدو الشيوعي بحق من كان حليلفهم بالحرب ، كما وتقسيم المنطقة وتفكيكها وإعادة هندستها جغرافيا وديموغرافيا وسياسيا واقتصاديا ، ونجاحها في زرع الكيان الاستعماري الأستيطاني الصهيوني، وتمدده في كامل الوطن الفلسطيني لاحقا وحتى اليوم ، واستمرار حمايته وفق ما جاء بإعلان الكونغرس الأميركي وبيان رئيسة المفوضية الأوروبية في ذكرى ما يسمونه بيوم استقلالهم الذي يجسد نكبتنا .
وهي اليوم تدفع باعادة التوتر للعالم في حربها وتهديداتها ضد الصين وروسيا والشرق بشكل عام كما وضد شعوب اميركا اللاتينية وافريقيا، وتكيل القانون الدولي بمكايل مختلفة، وتساهم فعليا في استدامة الاحتلال الإسرائيلي.
إن ما تقوم به قوى اليمين والليبرالية المتوحشة بالولايات المتحدة ومؤسستها العميقة وبعض دول الغرب الاوروبية اليوم التي يتهددها عدم الاستقرار ، وحلفاؤها وفي مقدمتهم دولة الاحتلال الاسرائيلي يستند الى الارتداد عن روح ونتائج الانتصار قبل ٧٨ عاما والى مرتكزات فكرية تُعبر عن عودة روح نازية وفاشية جديدة تقوم على اسس التمييز العنصري والتطرف القومي الديني والفوقية العرقية او الدينية وفق مفاهيم مزعومة تساندها قوى صهيونية دولية ومسيحية قومية بالغرب تسعى لما حاولت أن تسعى له قبل ٧٨ عاما النازية الالمانية وحلفائها من فاشية موسيليني وفرانكو وغيرهما لاضطهاد الشعوب التي لا تَنبع من عرقهم أو من دينهم .
وفي عصرنا الحالي الذي يتسم ببعض مظاهر العنصرية غير المبررة في الولايات المتحدة التي بات صعود افكار نازية جديدة فيها وفي وبعض دول الغرب الاوروبي من اليمين المتطرف تجاه اللاجئين او الملونين وعودة عدد من مظاهر الاستبداد ، تُشكل آليات صعود هتلر انذاك للحكم مسألة ملهمة لهم بشكل خاص ، فلا يوجد نموذج أفضل بالنسبة إلى أولئك الذين يرغبون في استمرار الفكر الاستعماري وتفكيك الديمقراطية والعدالة على حساب صعود اليمين الفاشي القومي أو الديني.
حيث يشير عدد من حكام دولة الاحتلال الى ان تعاون الصهيونية الدينية مع الصهيونية العلمانية نجح في الاستمرار طالما تبنّت الصهيونية العلمانية بصورة واضحة فكرة الوطنية اليهودية، الأمر الذي برأيي ينقلها إلى مراحل الفاشية اليوم .
حيث تَستقي الحركة الصهيونية نقاءَها الدينيّ والسياسيّ المزعوم من خلال رؤيتها في محو شعبنا الفلسطيني ، وهي تستمد وَهم شرعيتها التاريخية من خلال خطابات نتنياهو وبن غفير وسموتريتش ومعلميهم الأوائل بالانتصار علينا نحن الفلسطينين وحسم الصراع المبكر معنا وكما يروج غلاتهم اليوم في برنامج حكومتهم ، تماما كما كانت خطابات غوبلز والنازيين وجابوتنسكي قبل ٧٨ عاما .
وبالمناسبة فقد استمد النازيون الإلهام من العنصرية الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. حيث يشيد هتلر في كتابه "كفاحي" بأميركا باعتبارها الدولة الوحيدة التي أحرزت تقدماً نحو مفهوم عنصري كأساس للمواطنة من خلال استبعاد أعراق معينة من التجنيس والمواطنة وممارسة الفوقية البيضاء، وهو الامر الذي يدعو له عدد من القادة السياسين اليوم بالولايات المتحدة وبشكل خاص من الحزب الجمهوري امثال حاكم فلوريدا روني دي سانتيس المرشح ليكون نائبا للرئيس في حال فوز ترامب .
وقد كان برنامج التعقيم القسري في كاليفورنيا سبباً مباشراً في استلهام قانون التعقيم النازي عام ١٩٣٤. وهناك أيضاً أوجه تشابه اجرامية بين تقنيات الموت الأميركية والألمانية، والتي كررها مجرمو الاحتلال ضد شعبنا في الزنازين والمعتقلات .
وقبل ثلاث سنوات ولمناسبة مرور ٧٥ عاما من الانتصار على النازية ، وبناءً على اقتراح من روسيا، تم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار ينص على “مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة والممارسات الأخرى التي تسهم في تسعير الأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بذلك من تعصّب”.
ولقد كان مفاجئا أن الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا وقلة معهم قد صوتوا ضد القرار ، بينما امتنعت أغلب الدول الاوروبية عن التصويت. الموقف كان غريبا حينذاك ، لكن ما يجري اليوم قد يسهم في تفسير ذلك ، وهو ما يشابه نجاحهم في إلغاء القرار الأممي بمساواة الصهيونية بالعنصرية عام ١٩٩١.
فما زالت محاولات اضطهاد الشعوب بافكار متجددة وجرائم التطهير العرقي واستمرار فرض نكبة مستمرة على شعبنا الفلسطيني التي تحلُ علينا ذكرى بداياتها كجريمة ضد الانسانية قبل ٧٥ عاما بعد أيام قليلة في ١٥ أيار والتي هدفت الى تنفيذ مشروع استعماري عنصري على أرض نحن الفلسطينين اصحابها، أرض ليست لهم ، لم يأت بها احد من هؤلاء المستوطنين من الدول التي تركوها في إطار مؤامرتهم مع النازية في حينه واستغلال اتباع الدين اليهودي وفقراء اليهود من أجل أهداف الحركة الصهيونية العالمية التي وصفها "لينين" قبل قرن من الزمن بالحركة العنصرية على حساب حل المسألة اليهودية في تلك المجتمعات . تلك الحركة التي ساندتها قوى الاستعمار الأميركي والبريطاني والتي ابتدعت فكرة الوطن القومي لليهود الذين لا ينطبق عليهم "مفهوم شعب" وفق كافة المعايير منذ وعد بلفور وما قبل .
واليوم وبعد ٧٨ عاما من الانتصار على النازية، تظهر قوى نازية جديدة تمارس سياسات إثارة بؤر النزاع في هذا العالم لمحاولات استمرار فرض وانقاذ هيمنة النظام الأحادي القطب المتهاوي الذي لا يخدم مبادئ السلم والأمن الدوليين ، وتساهم هذه القوى وبعض الدول الاخرى من خلال صمتها على جرائم الاحتلال بتشجيع استمرار ارتكابها وتعزيز مفهوم دولة الاحتلال الاستعماري كنظام فوق القانون الدولي وكنظام عنصري معاصر تحميه اساسا الولايات المتحدة بأشكال عسكرية وأمنية وسياسية وتمنع إدانة جرائمه في مجلس الأمن الدولي ، رغم ادعائها برعاية عملية السلام والتي لم تؤد الى نتائج حتى اللحظة سوى استدامة هذا الاحتلال بأشكاله المختلفة .
وتبقى المفارقة أن الأيديولوجيا النازية التي كانت عدوا للغرب في الحرب العالمية الثانية، هي اليوم من ينفذ أجندة الغرب في اوراسيا ، بل وفي بعض الدول الأوروبية التي تخرج عن الخط العام للعولمة الأميركية ، مما يوضح بجلاء أن الصراع بين ألمانيا النازية والغرب في الحرب العالمية لم يكن صراعا ايديولوجيا، بل صراع مصالح يخدم تفوق الولايات المتحدة على حساب تدمير اوروبا واستفادتها اقتصاديا وتوسعيا ، وهو ما يتضح بجلاء مع وجود العلاقات الحسنة بين النظام النازي الألماني من جهة وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية من جهة أخرى في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية ومن مساندة النازية انذاك للمخطط الصهيوني .
وهذا ما دفع وزير خارجية روسيا الذي ترأس بلاده مجلس الأمن هذه الأيام لفضح جوهر الاحتلال الإسرائيلي الأطول بالتاريخ بعد الحرب العالمية ومهاجمة السياسات الإسرائيلية وربطها بتاريخ النازية بعد افتتضاح امر تعاونها مع النازيين الجدد في أوكرانيا.
كما ان الدروس والعبر المستفادة من الانتصار على النازية ، تؤشر على ضرورة توقف هذه الحروب الصغيرة والكبيرة ضد شعوب الأرض ، وضرورة أن تتوقف حروب سلطة رأس المال السياسي بالغرب من خلال مجمعاتها العسكرية والمالية ، ومن محاولات الليبرالية الجديدة المتوحشة من تكرار التاريخ أينما كان ومن انتاج أسلحة الدمار الشامل وإثارة بؤر التوتر على حساب قضايا الشعوب المقهورة والسلام والاستقرار وجر العالم إلى حرب واسعة جديدة.
إن غدا لن يكون كما قبله في ظل بدايات انهيار احادية القطب كنظام عالمي ، وعلى شعوب الأرض ان تكافح من أجل انتصار قضايا الإنسانية وقيمها في هذا الكون من اجل بناء عالم جديد يكون افضل مما كان او حتى مما هو عليه الآن ، ومن اجل دحر مُشعلي الحروب وأعداء الإنسانية، فمن دروس الانتصار على النازية بعد ٧٨ عاما ما يؤكد على عدم استطاعة اي قوة مهما بلغ جبروتها أن تقهر مصير َومصالح الشعوب وان الشعوب بما فيها شعبنا حتما لمنتصرة.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
الحوكمة الرقمية.. رافعة نحو التنمية المستدامة في التعليم العالي الفلسطيني
مسؤولية المرشد النفسي: بين أخلاقيات المهنة، وتحديات الفكر المشوّه
داليا الكردي
عِيل الصبر!
ابراهيم ملحم
الغزو البري ..ذاكرة لبنانية حافلة بالأوجاع ..
حديث القدس
اغتيال نصر الله نقطة فاصلة
هاني المصري
حرب الإبادة ومؤامرات التصفية الإسرائيلية
سري القدوة
قراءة أولية في خطاب نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة
غانية ملحيس
قد يتأخر النصر الذي وعدتنا به لكن "السلام" أصبح من المستحيلات
حمدي فراج
الشراكة الأميركية الإسرائيلية
حمادة فراعنة
احتمالات الحرب الإقليمية ومصير غزة
جمال زقوت
قطاع غزة.. الكارثة تتسع
بهاء رحال
٣٦٠ يوما على العدوان .. غزة تبقى حكاية الوجع الأكبر
حديث القدس
هل هزمتنا إسرائيل ؟!
أحمد رفيق عوض
رحيل حسن نصر الله
حمادة فراعنة
ثلاثة تهديدات ونصف
المتوكل طه
اضطراب القلق الوجودي الكارثي (ECA)
غسان عبد الله
اغتيال أمين عام حزب الله وحسابات الحرب الإسرائيلية
أسامة خليفة
السعودية والتحالف الدولي.. نموذج جديد للدبلوماسية المتعددة
دلال صائب عريقات
العدوان الاسرائيلي لا يقف عند حدود
حديث القدس
وحدة الساحات: السلاح الذي لا تراه إسرائيل في معركة وجودية
ياسر مناع
الأكثر تعليقاً
نتنياهو: كما هو مكتوب في التوراة سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم
مصر تخسر 6 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس جراء تداعيات حرب غزة
بايدن يأمر الجيش الأميركي بمساعدة إسرائيل في إسقاط صواريخ إيران
خيارات إسرائيل.. الرد واستجلاب رد أكبر أم ابتلاع الضربة وفقدان الهيبة؟
إسرائيل تعترف بتضرر قواعدها الجوية جراء الضربة الإيرانية
بلينكن: واشنطن ستواصل العمل على نحو عاجل لوقف إطلاق النار في غزة
مقتل جنديين إسرائيليين وجرح 18 في اشتباكات مع مقاتلي حزب الله
الأكثر قراءة
تعليق الدوام الوجاهي في كافة المؤسسات التعليمية بمحافظة القدس
المستشفى الأردني الميداني للتوليد .. الأول من نوعه في العالم
مَن يملأ الفراغ القيادي؟ هل يُعيد حزب الله ترتيب أوراقه وترميم هيبته؟
"المعابر والحدود": تعديل ساعات عمل معبر الكرامة خلال الشهر المقبل
نتنياهو: كما هو مكتوب في التوراة سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم
تفاصيل مكالمة سرية بين غازي حمد والناشط الإسرائيلي غيرشون باسكن
محدث: 7 قتلى إسرائيليين في عملية مزدوجة في تل أبيب
أسعار العملات
الأربعاء 02 أكتوبر 2024 9:03 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.76
شراء 3.75
دينار / شيكل
بيع 5.31
شراء 5.29
يورو / شيكل
بيع 4.16
شراء 4.15
هل تستطيع إدارة بايدن الضغط على نتنياهو لوقف حرب غزة؟
%19
%81
(مجموع المصوتين 291)
شارك برأيك
بين المفارقات والمقاربات بعد ٧٨ عاماً من الانتصار على النازية