ليس من السهولة بمكان أن تجد ذاتك في خضم رحى التعامل مع مراهق/ مراهقة، لا سيما في ظل ظروف يعمّ فيها اللااستقرار، وتتعدد فيها مصادر وأنماط الاضطرابات السلوكية، التي باتت غالبية الفئات المجتمعية ( بغض النظر عن الجنس والعمر والخلفية الاجتماعية والثقفاية والتعليمية) تتعرض لها، تاركة انعكاساتها السلبية التي قد تكون دفينة سرعان ما تظهر مع الزمن، أو تتجلى فوراً في السلوكيات.
في هذه العجّالة، نحن بصدد محاولة اقتراح خطوات عملية من شأنها المساهمة في إصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات، استكمالاً للحلقتين السابقتين واللتين تم نشرهما هنا.
لعلّ من أبرز أسباب صعوبات التعامل مع المراهقين/ المراهقات هو غياب/شح التربية الجنسية، الرسمية منها وغير الرسمية. هنا لا أدعو الى الإفراط/ الإغراق في ذلك، ليس فقط كون الإدراك الكامل قد يتحول الى معضلة ومرض، وبالتالي تتفاقم الاضطرابات في سن المراهقة، بل وأيضاً حتى لا تتحول النعمة الى نقمة تتجلى في السلوكيات غير السويّة لاحقاً .
تعتبر المراهقة جزءاً من عملية التنمية البشرية، تبدأ عند ظهور تغيرات فسيولوجية، سيكولوجية وسلوكية كما سنفصّل أدناه.
من التغيرات االسلوكية عند المراهق: المزاجيّة في التعامل، الجنوح نحو العدوانية مع الذات أو الآخرين والتمرد من أجل إثبات استقلالية الشخصيّة، وسلوك التنمر بكل أنماطه، أيضاً من هذه التغيرات، إعطاء العلاقات العاطفية ومع الأصدقاء قسطاً كبيراً من الأهمية والمتابعة.
من التغيرات الفسيولوجية: البدانة، بدء نمو الذقن والشعر في أماكن حساسة من الجسم، تغيير في الصوت....إلخ
ينجم عن تلك المتغيرات، أو البعض منها حالات قلق وتوتر والحرج أمام الأهل وآخرين. مما يجعل من التعامل معهم عملية ليست بالبسيطة، تتطلب مهارات دقيقة، أولها مهارة تعزيز الثقة بين الطرفين من خلال نهج الحوار ودوام الإصغاء، عبر ديمومة التواصل مع الوالدين والآخرين، وتكثيف الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والرياضية (الروحية منها والبدنية)، لما لذلك من دور فاعل في تعزيز نمو المهارات الحس- حركية والمناعة النفسية (Psycho immunity ) والاعتماد على الذات( self- reliability ) وارتفاع منسوب تقدير الذات(self- esteem)، جميعها تقود الى حالات الاستقرار والتوازن النفسي، واتساع رقعة التفاعل الاجتماعي، حيث يشعر المراهق بالطمأنية والثقة بالذات.
يمكن توزيع شخصيات المراهقين/ المراهقات الى الأنماط التالية:
* المراهق الكتوم، وهو أخطر الأنماط، كونه لا يعبّر عما يجول في باله وداخله من مشاعر دفينة والتي قد تكون جراء مشكلة/ صدمة نفسية سابقة، لم يتم علاجها والتعامل معها في حينها، وغير ذلك من مولدات هذا النمط. يمكن التخفيف من حدة الكتمان هذا عن طريق مد جسور الحوار المتواصل وتوطيد ودوام تبيان عرى المودة والمحبة، إضافة الى قيام الوالدين بتوفير مصادر دعم عاطفي ونفسي، لديها الوعي الكافي، وموثوقة لدى المراهق/ المراهقة. أيضاً القيام بمزيد من الأنشطة الاجتماعية والترفيهية وإشراك المراهق بها وبشكل رئيس وفاعل .
* المراهق ذو الإفراط بالحركة:(hyper active ) في مثل هذه الحالة، يتوجب الاعتناء بنوعية وكمية الغذاء والطعام المقدّم للمراهق/ المراهقة، ودوام العمل على الزج به/ بها في نشاطات رياضية حتى يتم حرق السعرات الحرارية الزائدة في الجسم.
* المراهق الذي يعاني من الإدمان: أذكر هنا قصة فني صيانة رواها لي، أثناء عمله في بيتي، ( بعد أن عرف طبيعة رسالتي في الحياة )، شاكياً من صعوبة التعامل مع ابنه المراهق المدمن على المخدرات. بعد أن أصغيت إليه ملياً، أسديت له بما يلي: الابتعاد قطعياً عن كل أشكال العنف ( اللفظي، اليدوي، المعنوي) والتركيز على بنا أجواء وديّة مع ابنه، من خلال الطيب من القول مع تبيان محبته لابنه، مع ضرورة التوجه الى طبيب نفسي، إضافة إلى تعليمه الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، مع الحرص على تأديتها سوية، ومرافقته الى مجالس الهدي والإرشاد، كل هذا من أجل تعديل سلوكه والذي يبدأ بالإقلاع عن تناول المخدرات والمشروبات الكحولية. أيضاً، أسديت له بنصيحة توجيه ابنه الى التعليم المهني كجواز سفر نحو تحقيق الذات والشعور بالإنجاز في مرحلة المراهقة من خلال بدء انتاج أعمال ملموسة يمكنه التباهي بها بين الأصدقاء والزملاء، هدياً بالقول إن أفضل الكلام هو الكلام المبهج وأفضل الأعمال هو العمل المنتج.
* المراهق المتمرد: بحثاً عن السبيل في حياته، قد يجنح المراهق/ المراهقة الى التمرد كوسيلة للتعبير عن إثبات الذات، حتى وإن أدّى ذلك الى التمرد على جميع الأعراف والتقاليد المألوفة في مجتمعه، من خلال سلوكيات مرفوضة دينياً واجتماعياً، لعل أبرزها في وقتنا الحاضر اللباس الفاضح ومنه لباس الجينز المّمزق كمثال وليس الحصر. السمة الغالبة على هذا النمط من المراهقين هي المزاجية الزائدة عن حدّها في التعامل مع ذاته ومع الآخرين، لدرجة يشعر أولياء أمره بأنهم فقدوا السلطة على هذا المراهق/ المراهقة. هنا لا مناص أمام ولي الأمر، سوى ضبط الأعصاب والبقاء في أكبر قسط من حالة الهدوء والابتعاد عن ردّات الفعل العصبية التي من شأنها أن تؤدي الى تفاقم الوضع لدى طرفي المشكلة. يكمن البديل عن ذلك في دوام تبيان أن عدم رضاك عن هذا السلوك المتمرد، ناجم عن محبتك له/لها وكونك فخور به/بها مع سرد بعض إنجازاته/ها الإيجابية التي دعتك الى الشعور بهذا الفخر أو ذاك العمل الجميل الذي قام به. يمكنك أيضا اللجوء الى أسلوب التعاقد في التربية والتنشئة(contracting - approach )، حيث يتم وضع قائمة بالأفعال الحميدة يقابلها نوع المكافأة التي سيستحقها بعد التنفيذ. بعيدا عن إصدار الأوامر والتعليمات ( افعل كذا ولا تفعل كذا). تتطلب، مثل هذه عدم المبالغة في المكافأة مثلما يتطلب التدرج في ترتيب الأفعال والتزام كل طرف بالتنفيذ دون أي تأجيل أو مراوغة، مع دغدغة عواطفه/عواطفها عند إيفاء كل طرف بوعده/وعدها.
* المراهق الكاذب: بحكم تفوق الطاقة السلبية لدى الشخص، يميل أحياناً، الى تبني نهج الكذب في الحديث خشية الظهور بالفاشل على إنجاز المطلوب منه، وأحياناً تعبيراً عن الإفراط في الخيال والظهور كإنسان خارق القوى والقدرات، أو لنيل الشفقة وكسب المزيد من التعاطف كتكتيك لتغطية الحقيقة ( هذا ما تفعله في الغالب الحكومات والشعوب المتغطرسة).
للتعامل مع المراهق الكاذب، وبأقل حدة وخوف وخسارة، وتجنباً لاحتمالات المواجهة الحادة العنيفة، ولإعطاء فرصة لعدم ممارسة سلوك التنمر، نقترح هنا واجب التحلي بالصبر، البدء بحوار معه حول الموضوع الذي تشعر بأنه يكذب، مثل مصدر المعلومات والنتائج الوخيمة المتوقعة لسرد هذا الكذب، مع محاولة عرض البديل عن قول الكذب وبأسلوب ليّن، مظهراً أن عملك هذا هو من باب الدعم، مع ضرورة تفصيل ( breaking - down ) حيثيات الكذب، أما إن تمت المواجهة بالصراخ والعنف والاستفزاز وإجباره على ممارسة سلوك / عمل هو لا يريده أو غير مقتنع به بعد (كالزج به في مواقف اجتماعية لم يعتد عليها أو ليست لديه أدنى ثقافة ومهارات التعامل معها)، ستكون النتيجة الحتمية عند المراهق الكاذب، الميل الى الانطواء بسبب خوفه من التفاعل مع بيئته، كونه تولد لديه شعور بعدم ثقة المحيطين به. يمكنك اللجوء الى استرجاع السمات الإيجابية في بعض سلوكياته، مع تأمين علاقات اجتماعية صحيّة للمراهق/ المراهقة.
في الختام، لنا أن نحذّر من اتباع واللجوء الى أسلوب تجاهل واللامبالاة أو شخصنة الأمور المختلف عليها، في سلوكيات المراهق مهما صغرت ومهما صاحبها من عصبية مراهق/ المراهقة، ولنتذكر دوماً ان كلاكما له رأس يختلف عن رأس الآخر، فأنت لا تعمل من أجل فرض حل ما عليه (imposing a solution )، بل تحاولا التوصل معاً الى حل يرضي طرفي الخلاف، عملاً بالمبدأ: اذا كانت لديك تفاحة ولديّ تفاحة وتبادلنا التفاحتين، تكون النتيجة أن لكل منا تفاحة واحدة، أما اذا تبادلنا معا فكرتي وفكرتك، فتصبح لكل منا فكرتان.
شارك برأيك
اصلاح حال بال المراهقين/ المراهقات (3)