مشاهدُ الأطفالِ وهم يموتون جوعًا لم تُستفزّ العالمَ الصامتَ، الواقفَ إلى جهةِ الحياد من دون حياء، الشاهدِ على أبشعِ إبادةٍ في العصرِ الحديث، عالمٌ مقززٌ وعديمُ الضمير، وكلُّ من يسكتُ على هذه الجرائمِ فإن عليه مراجعةَ إنسانيته، وعليه علاجُ نفسه من مرضِ التوحش، ووباءِ الكراهية والعنصرية.
يرتفعُ عددُ الأطفالِ الموتى جوعًا، في خيامٍ غيرِ صالحةٍ للحياةِ والعيش، وفي ظروفٍ فاقدةٍ لكلِّ شيء، وأمامَ عينِ العالمِ الذي يرى ويتابعُ ويعي حقيقةَ ما يحدث، فلا هيئاتٌ أمميةٌ تتدخل، ولا مؤسساتٌ دوليةٌ تكسرُ الحصارَ المفروض، الذي يحولُ دون دخولِ المساعداتِ من طعامٍ ودواء، وفي كلِّ ساعةٍ نفقدُ فيها طفلًا وطفلةً بسببِ سوءِ التغذيةِ والجوعِ وتفشّي الأمراض التي تنهش الأجساد، وتفتك بالكبير والصغير.
في سلسلةِ جرائمِ الإبادةِ الجماعيةِ، يصيرُ موتُ الأطفالِ ركنًا من أركانِ الحربِ المستعرة، ويدفنُ الضميرُ العالميُّ رأسَه بالصمت، في رمالِ العارِ التي ستُلاحقُهم لأجيالٍ قادمة، لأنهم صمتوا وخرسوا، بينما الحربُ في غزةَ تأكلُ الأخضرَ واليابس، ولا تستثني أحدًا، شيخًا وطفلًا ومرضعًة وثكلى.
مشاهد الأطفال الموتى جوعًا موجعة، تؤلم حد القهر، وهي لعنة ستطارد الإنسانية التي عجزت عن إنقاذها، وقد كان بالإمكان ولا يزال إنقاذ أرواح تنتظر لقمة عيش وشربة ماء، وأن يتداعى العالم لكسر الحصار الظالم، وإدخال قوافل المساعدات العاجلة وعلى وجه السرعة، بدلًا من وقوفه على الحياد، مختبئًا خلف تصريحات وبيانات عاجزة وغير قادرة على إنقاذ روح بريئة تموت جوعًا وعطشًا.
تجاوز صبر الناس في غزة كل الحدود، وتحوّل الصمود إلى قصة أسطورية لا يستطيع أحد إنكارها. صبروا برباطة جأش، وربطوا الأحزمة على البطون، ووصل الجوع إلى حدود الموت اليومي.
مشاهد الأطفال وهم يبحثون عن لقمة تسدّ رمقهم، وصمة عار على جبين الإنسانية، وصفعة على خد الحضارة والضمير.
الوضع الإنساني في غزة تجاوز مرحلة الكارثة، وأصبح خارج كل وصف؛ فهو فاقد لأهلية العيش، ومفتقر إلى كل مستلزمات الحياة ومتطلباتها. وهنا، فإن المطلوب ليس كلمات تعاطف، بل موقف دولي سريع وشجاع، قادر على كسر الحصار الظالم، وإدخال الطعام والدواء، وبعث الحياة من جديد إلى غزة المحاصَرة.
أما ما دون ذلك، فهو مجرد تدوير للمأساة، وتهرّب من المسؤولية الأخلاقية، واستمرار لحالة الحياد الجبان، التي ستحاسبكم عليها الأجيال القادمة، ولن ترحمكم، ولن تنسى مواقفكم المخزية. فالتاريخ لا ينسى، وأرواح الأطفال الذين ماتوا جوعًا بفعل الحرب والحصار والقتل المستمر، ستظل تلعن كل من وقف متفرجًا، وكل من كان قادرًا على الفعل ولم يفعل.
شارك برأيك
عالمٌ مُصابٌ بالخَرَس.. بالعمى.. باللاضمير