Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الإثنين 05 مايو 2025 10:20 صباحًا - بتوقيت القدس

إصلاح حال بال الأطفال (2)

مع التفشي السريع والواسع لحالات الجشع والحروب والإرهاب العالمي والمحلي، وتعدد وتوالي الكوارث الطبيعية والأمراض المزمنة الفتاكة، مثل جائحة كورونا، وما تتركه هذه جميعها من انعكاسات سلبية من شأنها زيادة  مصادر اضطرابات سيكولوجية على الإنسان،  فتنعكس على سلوك جميع فئات المجتمعات البشرية، بغض النظر عن الجنس، العمر، الخلفية الثقافية- التعليمية، الاقتصادية والدينية. يؤثر مكان السكن على  منسوب هذه الانعكاسات، فمثلا سكان المناطق المهمشة والتي تفتقر الى الخدمات الصحية والاجتماعية، يكون المنسوب أعلى مما هو على سكان المناطق التي تحظى بالخدمات اللازمة. لنا أن نقارن هنا حالة سكان المحافظات الجنوبية مع وضع حالة سكان المحافظات الشمالية، أو سكان مخيمي طولكرم ومخيم جنين، نجد فارقاً كبيراً من حيث منسوب التأثير والسرعة في الاستجابة لخدمات العناية المتوفرة وإن تشابهت في الأعراض ومصدر هذه الاضطرابات والتي منها ما هو قابل  للتحول إلى اضطراب ما بعد الصدمة/ات  PTSD.

 أكثر شريحة تتأثر بهذه الاضطرابات هم الأطفال، كونها شريحة مجتمعية هشة، ومما يزيد الطين بلّة، عدم وجود الوعي المجتمعي الكافي حول آلية التعامل مع الأطفال في مثل هذه الحالات، كما سبق وشخصنا في مقالات سابقة تم نشرها.

ما سيتم التركيز عليه هنا، هو كيفية مساعدة الطفل للتخفيف من اُثار هذه الصدمة/ الصدمات، عليه وذلك من خلال توظيف رؤى مهنية تستخدم عالمياً، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار اختلافات الخلفيات الثقافية.

 تستند هذه الرؤى المقترحة (هنا سيتم عرض رؤية واحدة كي يتم شرحها بالتفصيل بهدف تسهيل التطبيق)، على أسس سيكولوجية علمية، والتي منها ما يعرف بنهج التماهي/ التقمص Empathy  . 

يقصد بالتماهي/ التقمص، المحاكاة/ التبني الذاتي (الدمج الداخلي) لدوافع وسمات الآخر وتذويتها داخلياً، بطريقة سيكولوجية، تتخذ بدايتها حالة اللاوعي والاحتذاء بسلوك الآخر عبر التقليد وهنا تبدأ بلورة نمط القيم والثقافة المنشودة من قبل هذا الطفل وفق عمره وجنسه.

لضمان تأثير مستدام، نقترح  تشكيل مجموعات من اليافعين المهتمين والتي قد نلحظ فيها نوعاً من التفاوت في التذويت خاصة بين الذكور، والعمل معهم وتدريبهم في مجموعات، بهدف إيجاد أكبر قسط من الفضول لمعرفة المزيد عن الآخر، واستمطار الأفكار ( العصف الذهني brain storming)) والمقترحات والرؤى .

يجني الطفل هنا الطلاقة اللفظية وتزداد ثروته اللغوية، ناهيك عن ممارسة مهارة الإصغاء النشط، الأمر الذي يستدرج قيم حريتي التفكيرfreedom of thought))  والتعبيرfreedom of expression  وتذويت قيم الاختلاف والتعددية( diversity ) كنهج حياة، مما يعزّز نهج الحوار كأسلوب لحل الخلافات بدلا من اللجوء الى العنف أو الجدل العقيم، وهنا نحصل على الدرّة المفقودة لدى الكثير من الأطفال واليافعين وحتى الكبار من الجنسين: ألا وهي رفع منسوب تقدير الذات Self-esteem  البلدوزر الذي يمكنك من إزاحة جميع العقبات التي تواجهها في مسيرتك. 

هنا تتأتى فرص للتدخل المباشر من قبل المرشد/ة، ومقدم/ة الخدمة ولا مانع من إشراك الوالدين أو أحدهما على الأقل، من أجل تخفيف حدة القلق لانعكاسات الصدمات هذه، حيث يتوفر مصدر أمان (وجود الأب – الأم)، إن لم يكن القضاء عليها، من خلال بدء مشاهدة تدني / تلاشي حالات الميل إلى العنف والعدوانية بين أفراد المجموعة/ المجموعات المنخرطة في التدريب .

كما قد نشهد بدء نمو قدرات اليافعين المنخرطين في المجموعات، على التخيل والإدراك العاطفي والاجتماعي، لما يجري من حوله/ا ، وهذا هو أحد متطلبات تنمية قدرات الطفل، ليس فقط الحس- حركية، بل وأيضا الاجتماعية والعاطفية من خلال توظيف الميل الى الاستكشاف والإبداع، ولنا أن ندعم قولنا هذا بما قاله أينشتاين" المعرفة ليست مؤشر ذكاء، ، بل  يكمن مصدر الذكاء في القدرة على تطوير مهارة الخيال / التخيل والتي يقصد بها استطاعة الطفل بلورة صور ذهنية غير موجودة في الواقع الذي يعيشه- تعيشه، وما يواكبها من انفعالات وردات فعل متتالية  ذات تأثير آني/مستقبلي على سلوكه عبر مراحل نموه تطوره على  كافة الأصعدة والمجالات: العاطفية، العقلية، الحس حركية والجسمانية،( نمو وجداني وجسماني)، قد يلحظها تدريجياً الوالدان، المرشد – مقدم الخدمة.

وعليه، فالخيال  يساعد على النمو المعرفي والعاطفي والاجتماعي عبر بلورة أفكار وحلول للتحديات التي تجابهه/ا، وقد يميل/ تميل إلى أسلوب التقليد في تطوير بعض المهارات الحياتية المطلوبة كلغة الحوار مع الآخر من خلال استعمال لعبة جهاز التلفون الثابت/ النقّال – اللعبة-،  ليظهر وكأنه يتحدث مع شخص آخر في صلب الموضوع ومحاولة استنباط مقترحات منه/ منها حيال هذا التحدي أو ذاك، وقد يروي حلماً أو قصة مصطنعة يظهر قرينه فيها يواجه أزمة وبالتالي هو يبحث عن مخرج- مخارج عن تحد/  تحديات مصطنعة لشد انتباه الوالدين، المرشد – مقدم الخدمة (حدث مثل هذا في إحدى الجلسات مع يافع، حين ركّز على الطفل الأسير أحمد مناصرة ودوام تكرار لفظ "بهمش ومش متذكر".

قد يميل الطفل/ الأطفال  إلى التمثيل في  اللعب مع حيوان أليف "كما يفعل  حفيدي باسل عند تخيله القطة السوداء) أو تغيير وضعية الكرسي– السيارة، اللعبة، للاكتشاف أو تأكيد معرفة، أو تثبيت مهارة اكتسبها.

هنا من المتوقع أن يعود الطفل، لإظهار الميل إلى التمرد والعنف والعدوانية إن لم يحقق مبتغاه، في مثل هذه الحالة، علينا ضبط أعصابنا وتكثيف جهودنا دون اللجوء إلى  العنف ( بكل أنماطه)، مع ضرورة دوام التذكر بأننا لا نسعى إلى عالم مثالي أفلاطوني، مدركين دوماً أن دوام القلق والتوتر، يلازمهما أحياناً بعض الألم، جرّاء عدم التيقن من مستقبل آمن ومستقر، مثل هذه الوضع يؤدي إلى الميل نحو التمرد والعدوانية هذه.

مما لا شك فيه، أن هناك تحديات كثيرة عند تطبيق هذه الرؤية المقترحة، غالبيتها حصيلة:-

• شح الوعي وثقافة الصحة النفسية، لدرجة أن البعض يعتبر السلوكيات الناجمة عن اضطراب ما بعد الصدمة، بمثابة مس شيطاني قد يمكن إزالته والتخلص منه من خلال عمل تعويذة يستخدمها الشخص الذي يعاني من الاضطراب السلوكي الناجم عن الصدمة/ الصدمات المتتالية. 

• ثمة تحد آخر يكمن في  وجود بيئة تسمح بتنامي التفكير التشعبي، وبالتالي يجد كل من الشخص الذي يعاني من الاضطراب / الاضطرابات السلوكية وأيضاً المعالج الحاجة الفورية إلى بذل المزيد من الجهود وطاقة زائدة مما يؤدي إلى الشعور بالأرق والإرهاق لدى مقدم الخدمة والشخص الذي يعاني من هذه الاضطرابات، الأمر الذي سيزيد من حالات التوتر والقلق في بيئة قطبي العمل، رغم كل المحاولات والجهود القصوى التي يبذلها المعالج/ة .

• مع ذلك، علينا التسليم بأن ( لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم)، فهو شكل من أشكال الابتلاء للإنسان المؤمن.    

ولنا لقاء قادم في طرح رؤية ثانية.

دلالات

شارك برأيك

إصلاح حال بال الأطفال (2)

المزيد في أقلام وأراء

بعد حرب الإبادة في غزة: فتح وحماس ودحلان ومأزق المشروع الوطني الفلسطيني!!

تحولات لصالح فلسطين

نريد مواقف دولية تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار

أورشليم يا أورشليم.. ولا يتركون فيك حجراً على حجر

حين تختفي غزة من العناوين.. قراءة في أجندة الإعلام العالمي

ترمب ونتنياهو خلاف حقيقي أم سحابة صيف عابرة؟

تصدّعات داخلية في جدران الغيتو الإسرائيلي، ما الدلالات!

في غزة الناس ينتظرون مصيرهم

مصطفى إبراهيم

هل ساميتهم خير من ساميتنا ؟

أمين الحاج

غزة والإبادة جوعاً

د. جبريل العبيدي

سِــفر الآلام

نبهان خريشة

القدس تحت المجهر.. معركة وعي بلا مرجعية "بين أوسلو وعدوان أكتوبر 2023".. السياسات تصوغ مواجهة...

مالك زبلح

هذا هو الفرق بيننا وبينهم

من الدولة المدللة.. إلى المنبوذة

سلاح التظاهرات دعماً لفلسطين

مواقف دولية وتصريحات واعدة

قطع الرواتب.. دعوة لإعادة النظر !

الفرصة الأوروبية.. كيف نبني على التحولات الشعبية والسياسية في الغرب؟

الرأي القانوني في قرار الكابينيت الأخير منع عملية تسوية الأراضي في مناطق C وإلغاء إجراءات...

على هذه الأرض ما يستحق البقاء

مصطفى إبراهيم

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1264)