لم يعايش جيل الشباب الفلسطيني والعربي الحالي ما عايشه جيلنا من متابعة للنضال البطولي الذي خاضه شعب فيتنام من أجل حريته واستقلاله... أذكر تماماً ذلك اليوم، الأول من مايو/ أيار، قبل 50 عاماً، عندما شاهدنا هروب القوات الأميركية المعتدية، ومن معها من حلفائها، من مدينة سايغون، التي أصبح اسمها اليوم هوشي منه، على اسم مؤسّس نضال فيتنام وقائده ورئيس دولتها، وتركت خلفها، وهي تجرّ أذيال الخيبة، عملاءها وأعوانها غارقين في وحل عمالتهم وذلّهم بعد أن تخلت عنهم. وأمّا نحن الطلاب الفلسطينيين، فكان ذلك اليوم يوم انتصار لنا أيضاً، كما كان يوم انتصار لإرادة كل الشعوب المناضلة ولحركات التضامن العالمية، بما فيها حركات أميركية مناهضة للعدوان على فيتنام في الولايات المتحدة نفسها، والتي شارك فيها قادة عظام، مثل مارتن لوثر كينغ الذي دفع حياته ثمناً لنضاله ووقوفه إلى جانب المظلومين.
لم تخُض فيتنام حرباً واحدة ضد الاستعمار في العصر الحديث، بل خاضت حربين ضد استعمارين، الاستعمار الفرنسي الذي كنسته من أرضها بعد معركة ديان بيان فو، عام 1954، ثم ضد الإمبريالية الأميركية بكل جبروتها العسكري لتحرّر جنوب فيتنام في الستينيات والسبعينيات.
صحيحٌ أن فيتنام استندت إلى دعم حليفيها، الصين والاتحاد السوفييتي، ولكن العامل الحاسم كان صمود الشعب الفيتنامي وبطولته، فقد قاتل وحده دفاعاً عن وطنه وعن حرّيته بالاستناد إلى دعم أحرار العالم. ولم تكن رحلة فيتنام من أجل الحرية طريقاً سهلاً، بل مليئة بالتضحيات والآلام. ولعلي أذكر هنا أرقاماً مذهلة لما تعرّض له ذلك الشعب الباسل.
ألقى الأميركيون 14 مليون طن من المتفجرات على فيتنام، تركت 43 مليون حفرة في أرضها، بما في ذلك قنابل النابالم والمواد السامة، مثل مادة الأورانج، التي قضت على الزراعة وسبّبت أمراضاً خطيرة، منها السرطان وتشويه الأطفال للآلاف. كما ألقوا على فيتنام القنابل الزلزالية التي كانت تدمر كل ما هو حي في دائرة قطرها ثلاثة كيلومترات، وخرّبوا 43% من الأراضي الزراعية، وقصفوا 75% من القرى، بما في ذلك ثلاثة ملايين منزل وخمسمئة مستشفى وعيادة ومعابد وكنائس ومجمل البنية التحتية بما في ذلك الطرق والجسور والسكك الحديد.
وحاول المعتدون إحداث التخريب والتشويه الثقافي والمعنوي والاجتماعي، فنشروا نصف مليون جندي أميركي ومليوناً آخر من جنود دول حليفة أخرى، وعاثوا فساداً في المجتمع في جنوب فيتنام عشر سنوات، وفرضوا أسواق بغاء، ونشروا المخدّرات، وخلفوا، عند رحيلهم بعد هزيمتهم، نصف مليون امرأة ضحايا للابتزاز والاستعباد الجنسي، ونصف مليون طفل يتيم، ونصف مليون مدمن للمخدرات.
شارك برأيك
فيتنام وفلسطين... خمسون عاماً على انتصار تحقق وآخر سيتحقق