Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

منوعات

السّبت 03 مايو 2025 9:38 صباحًا - بتوقيت القدس

"ميتا" بوصفها تمثيلًا للسلطة السائلة: أبنية الرقابة والعقاب والتحكم بنفاذية الخطاب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي

كتبت نداء يونس



في عصر السياسات البيو-حيوية، وحيث تمارس السلطة هيمنتها على حياة الأفراد بشكل غير مرئي، لا تنفصل ممارسات "ميتا" كمنصات رقمية عن كونها أداة للهيمنة السائلة، تعمل على إيصال آثار السلطة إلى المستخدمين دون مواجهة مباشرة. 

فمن جانبها، لم تعد الرقابة محصورة في الطرق التقليدية العنيفة، بل أصبحت تُدار عبر آليات معقدة توظِّف الخوارزميات التي تراقب سلوك الأفراد وتحولهم إلى بيانات ثنائية، تُؤثر في تفكيرهم وقراراتهم، وبطريقة لا تظهر فيها حدود السلطة بشكل واضح. لا تقتصر هذه الرقابة على التحكم في الأفعال الظاهرة، بل تمتد لتشكيل السلوك الرقمي وهندسة الوعي والتمثيل.

يهدف هذا المقال الذي أقوم من خلاله بتلخيص وتطوير بحث محكم قدمته تحت "عنوان ولادة السجن الرقمي: تأثير حراسة البوابة الرقمية على نفاذية المؤثرين الفلسطينيين عبر فيسبوك" للمشاركة في الملتقى العلمي الدولي المعنون علوم الإعلام والاتصال زمن الذكاء الصناعي: الواقع والآفاق"، والذي نظمه معهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس يومي 28-29 إبريل 2023،  إلى تحليل بنى الهيمنة السائلة عبر دراسة سياسات المحتوى في ميتا، والتي تم بموجبها تصميم مواقع التواصل الاجتماعي على هيئة السجن التقليدي، في استعارة للبانوبتيكون بمفهوم فوكو- مع التركيز على آلياتها التأديبية، وتتبع كيفية تأثير ها على حركة الجسد الرقمي داخل فضاء مراقب.


ميتا بوصفها سلطة تأديبية: الطاعة السائلة وإعادة تشكيل الذوات


بينما تتداعى الحدود بين الواقعي والافتراضي، تتحول "ميتا" من خلال التحكم بإنتاج المواد الرقمية ضمن مقبولية أيديولوجية، إلى ما وصفه ميشيل فوكو بالشكل الحداثي للسلطة التأديبية، والذي لا يمارس السلطة عبر القمع المباشر أو المواجهة المعلنة، بل من خلال قوة ناعمة تراقب دون أن تُرى، توجه دون أن تأمر، وتصنع الانضباط الاجتماعي من خلال المحفزات والعقوبات.

وضمن هذا النسق التأديبي، وعبر تهجين ثقافي طويل الأمد، تُعيد ميتا تشكيل الهويات الرقمية من خلال عملية دقيقة من النمذجة المعيارية أو الاخضاع لسلطة المعيار التي تحددها، ويُصنَّف الأفراد بموجيها بناءً على سلوكهم الرقمي الفعلي والمفترض. وحتى تغطي كل المخالفات لشروط الاستخدام التي يُراد حصرها ومنعها، قامت "ميتا" بعمل تصنيف متواز للجرائم والعقوبات بحيث ترتبط الجريمة عادة بفكرة عقوبة محددة - تقترن بمزعِجاتٍ أو تنبيهاتٍ واضحة، إلى جانب فردنةٍ العقوبات لتتلاءم مع الطباع الفردية عند كل مستخدم، ولتتواءم مع تكرار المخالفة أو الجريمة. فهناك رابط مباشر بين الجريمة والعقوبة لا يمكن نقضه أو العودة عنه. يختلف الأمر بالنسبة للعقوبات على خلفية النية كما في هذا الاقتباس من سياسات المحتوى" أو تصريحات طموحة"، أو "إلا عندما يتم مشاركتها في سياق الخلاص أو الدفاع عن النفس أو عندما يرتكبها أفراد إنفاذ القانون أو الجيش أو أمن الدولة"، حيث يتم تحرير هذه المخالفات من خلال الافراج الشرطي كما في الجرائم العادية، ما يولد المزيد من الخوف والرقابة الذاتية.

 لا تقتصر هذه النمذجة على توصيف الأفراد فقط، بل تُحوّلهم إلى كائنات بياناتية تتم مراقبتها وتصنيفها بدقة متناهية، ما  يسمح بفرض عقوبات مصممة خصيصًا لكل فرد. ولهذه الغاية، يعتمد النظام على الخوارزميات والذكاء الصناعي لرسم خرائط معقدة للسلوكيات الجماعية، عبر رصد الأنماط وتحديد التوجهات وصياغة استراتيجيات ضبط استباقية. هنا لا تُمارَس الرقابة عبر حدود واضحة أو سلطات مرئية، بل تنتشر داخل فضاء شفاف، بحيث تغدو الأنماط السلوكية المرغوبة من قبل المنصات هي المعيار الذي سيعتمده المستخدمون لاتخاذ القرارات بالنشر والتفاعل. وبموجب ذلك، يتحول الأفراد إلى ذوات تمارس الضبط الذاتي استجابةً لتحفيزات مبرمجة مسبقًا، ليُعاد تشكيل خياراتها ورغباتها، ضمن منظومة تحفِّز الامتثال كحالة طبيعية، بل ومرغوبة، مقابل السماح بالتواجد على المنصات ونشر ما لا يخالف توجهات بعينها.

بهذا، ينشأ نمط جديد من الطاعة لا يقوم على الإكراه، بل على الانخراط الطوعي في قواعد اللعبة الرقمية التي تحددها المؤسسة المسيطرة، وعبر مساحات مدروسة من الاختيار الخاضع للضبط. يعطي هذا النوع من "الضبط المخصص" رقابة ميتا طابعًا شخصيًا أو إنسانيًا ظاهريًا، حيث يُقدّم للمستخدمين على أنه تعديل لتجاربهم وطريقة لمعاقبتهم بناءً على خصوصيتهم الفردية، بينما يشكل ذلك في الواقع وسيلة لتكريس السلطة وتحقيق الانضباط الاجتماعي، في هذه البيئة، يصبح ما يبدو وهمًا بالحرية - كونه محدد سلفًا، فضاءً لتعزيز الرقابة الذاتية والاستجابة الطوعية لآليات الضبط.


السجن الرقمي وعودة حارس البوابة


لا تقتصر هندسة الرقابة والضبط في "ميتا" على قائم واحد بالاتصال، بل تُبنى عبر شبكة معقدة متعددة الطبقات، تشمل: أولا: العنصر التقني، حيث تبدأ بالخوارزميات التي تتحكم في تدفق المعلومات وانتشارها بطريقة غير محسوسة، عبر تصنيف المحتوى وتصفية ما لا يتوافق مع المعايير المرسومة سلفًا، وبما يخلق واقعًا معلوماتيًا مصممًا وفق اعتبارات أيديولوجية. ثانيا: العنصر البشري، حيث يتم تدريب الفرق البشرية في فيسبوك على مراجعة المحتوى وإدارة التصنيفات الكلامية والبصرية – أي إعداد تصنيفات لغوية وسيميائية لما يمكن تفسيره ضمن ما تعتمده مينا كمخالفات، وتغذية الخوارزميات بها. يضفي هذا على الرقابة طابعًا بشريًا لكنه يخضع بدوره لقواعد أيديولوجية أكبر منه تحدد المسموح به والممنوع.  ثالثا: الرقابة الذاتية، حيث يُحفَّز المستخدمون على تقييد أنفسهم بأنفسهم عبر أنظمة المكافآت والتنبيهات والعقوبات الرمزية بالحذف والإلغاء وتقليل الوصولية والحجب، واستخدام الحظر الخفي (Shadow banning)، ما يعمق السلوك الضبطي أو ما نسميه خلق الأفراد المنضبطين. تكتمل منظومة الضبط بالجماعات المرجعية، التي تمارس دور الرقيب الشعبي عبر جهات أو أفراد "يتطوعون" لملاحقة "المخالفين" والتبليغ عن المحتوى "المخالف".


هندسة الرقابة متعددة الطبقات


لا تخلق هذه الطبقات المتداخلة نظام رقابة فقط، بل تتيح المجال لإيقاع العقوبات دون إمكانية الإفلات، حيث تعمل ميتا كأي مؤسسة انضباطية، فهي تُقارن، تُفاضل، تُراتِب، تُنسِّق، تَستبعد، وتُسِّوي باستخدام سلطة المعيار La norme. لم يكن هذا الأمر ممكنًا دون توظيف الخوارزميات - التي تصبح هذا الشكل مناظرة لسلطة القانون والموروث. تستخدم المعرفة الرقابية المنتَجة لبناء نظام رقابة وعقوبات - لا يصنف فقط كوسيلة رقابية وعقابية ضبطية، بل يعد وسيلة لتصنيف المستخدمين ما بين منضبط وممارس لسلوك جرمي. وبالتالي، يتم وضع الذات الفردية ضمن حقل وثائقي مؤرشف يتم التحكم به بشكل دقيق من خلال التطبيع والتعوُّد عبر الخضوع إلى المعيار والقواعد على اعتبار أنها تنتج الحقائق، بينما هي في حقيقة الأمر تَدخُّل يحدد علاقة الفرد بالسلطة، ويعيد تشكيل الذوات لتلائم شروطًا محددةً ورؤيةً أحاديةً للعالم.


احتكار المعرفة وجمع السلطات


تحتكر ميتا بالسلطات الثلاث: التشريعية من خلال وضع المعايير لما هو مقبول أو جرمي؛ والرقابية من خلال رصد سلوك الأفراد وتجميع البيانات ونمذجة الأفراد؛ والتأديبية العقابية من خلال ايقاع العقوبات على الأفراد. إضافة إلى ذلك، تعمل ميتا كسلطة معرفية epistemic authority، إذ تتمتع مثل جميع الأنظمة الأساسية بحق الوصول الكامل إلى التفاصيل المتعلقة بتصميمها ووظائفها بشكل حصري، بينما تشارك أقل القليل بما يتعلق بآليات عمل خوارزمياتها وممارساتها الرقابية، محتفظةً بموقع السلطة العليا. وبما أنها الجهة الوحيدة القادرة على تقييد وضبط وتحديد "الواقع الرقمي" الذي تتيحه، فإنها تصبح المرجعية الوحيدة لتفسير جميع النشاطات والتفاعلات التي تحدث ضمن منصاتها. يجعل هذا الاحتكار المعرفي من المستحيل مساءلة "ميتا" بشكل فعلي، كما يجعل من الصعب على أية جهة مستقلة رصد أو انتقاد آليات عملها بدقة.  بالمقابل، تتسع الفجوة بين المستخدمين ومراكز اتخاذ القرار داخل المنصة بشكل متزايد، ما يؤدي إلى تطبيع الهيمنة الرقمية والتعامل معها كأمر مسلم به. يعمق هذا من استبداد الفضاء الرقمي وتغول ممارسات الرقابة.


توظيف التلاعب العقلي (Gaslighting) لهندسة الوعي والسلوك


إضافة إلى اشتغالها كسلطة معرفية، تعمل ميتا على تغيير سلوك المستخدمين من خلال الربط بين العقوبات والتلاعب العقلي gaslighting الذي تمارسه بشكل متكرر عبر إنكار العقوبات، أو الادعاء بأنها جزء من سياسات تحسين المحتوى، أو “الأخطاء الفنية" ضمن ما يمكن أن نسميه توحش الخوارزميات - حين تضطر للاعتراف بها بسبب الاحراج الذي تسببه تقارير المؤسسات التي تقوم بالرصد. 

وفي ظل سياسات الانكار والتبرير، يتحول التأثير الرقابي إلى شيء غير مرئي، ولكنه محسوس بطريقة تجعل من الصعب على المستخدم اثبات وقوع العقوبات، كما أنه لا يستطيع تحديد ما إذا كانت هذه العقوبات نتيجة لسلوكه أم لقرارات غير صحيحة من المنصة. يُفضي هذا النوع من الرقابة إلى تشويش إدراك المستخدمين لواقع العقوبة. وبذلك، لا تمارس ميتا السلطة فقط على السلوك الظاهر، بل تتغلغل في عمق الوعي ذاته، حيث يعاد تشكيل معايير الفهم والإدراك لدى المستخدمين وتدجينهم تدريجيًا للقبول بقيود سيرونها مبررة، إن لم تكن ضرورية، لـ "سلامة" الفضاء الرقمي. 

لا يقتصر هذا النوع من التلاعب على ممارسة رقابة طبيعية، بل يتحول إلى جزء من البنية الأخلاقية التي يُطلب من الجميع الخضوع لها، ضمن نظام رقابي معقد، يخلط بين ما هو خاضع للرقابة وما هو حقيقي، مع صعوبة التفريق بينهما. تنتج هذه المنظومة التأديبية المتشابكة عالماً تتحول فيه الرقابة إلى بيئة معيشية، وتغدو الطاعة الذاتية استحقاقًا مبنيًا على تقويض قدرة المستخدم على رؤية نفسه كمرجعية مستقلة للتفكير والحكم والعمل أو ما يمكن أن نسميه "تحديد الأجندة"، وحيث لا تعود الحرية وعدًا قابلًا للتحقق، بل واجهة زائفة تخفي خلفها تكنولوجيات ضبط معقدة تحكم أجسادنا الرقمية وتهيمن على وعينا الجمعي.


احتكار العقوبة ومرجعياتها كأداة لإنتاج الجسد الانضباطي


تسعى ميتا إلى خلق "الجسد الانضباطي" باستخدام تقنيات تتراوح بين تقنين النشاط الرقمي ومراكمة الوقت الذي يسمح للآلة بالتعلم الذاتي، ومراكمة العقوبات عبر إحكام الرقابة على الأشخاص، واستغلال الإكراه والهندسة والمراقبين، وفرض مجموعة من العقوبات الضابطة فيما يتعلق بخرق الوقت من تأخر وغياب وإحداث انقطاع للمستخدمين عن النشر، أو النشاط، أو السلوك، أو الكلام، وتَدَرُّج العقوبة والمكافأة. يضاف إلى ذلك، إشاعة علامات العقاب المطابقة تماما في كل الجسم الاجتماعي، وتعميم المصطلحات التي لا اتفاقًا واضحًا على تعريفها مثل خطاب الكراهية والإرهاب والعنف كقانون، وتصنيف العقوبات كما في استخدام سياسات المحتوى مسميات مثل خطاب كراهية"، و"العنف" وتدرجاته: "العنف الخطر" و"العنف شديد الخطورة". من الجدير ذكره أن سياسات المحتوى تصنف ما لم يتم الاتفاق على تعريفه إلى جانب فئات ذات تصنيف واضح مثل" عمليات الختان إلى جانب مجموعات القناصة والقتلة والمرتزقة، والقُصَّر إلى جانب الأشخاص المعرضين لمخاطر عالية، كما أن هناك مساواة بين المحتوى غير المهم والمحتوى الاحتيالي، ويأتي ذلك في محاولة لشرعنه العقوبات بالتجاور أو ما نطلق عليه خطابيًا "تساوي الفاعلين".

وفي هذه المواقع، يتم اعتماد صِيَغُ رسائل محددة سابقا تحدد طبيعة ونوع العقوبات والتي تقوم على مبدأ إسناد الأدلة المشتركة للتثبت من الجريمة، والإيحاء بأن العقوبة نجمت عن تحقيقات عادلة. وفي الحقيقة، لا يتطلب الأمر أدلة قاطعة أو مخالفات صريحة. إذ تُعتمد قاعدة أن "أنصاف الأدلة تعطي أنصاف حقيقة وأنصاف مجرمين". ومن خلال هذه التقنية، يتم الحفاظ في أفكار الناس على الربط المطلق بين الجريمة والعقوبة، والتي غالبًا ما تتخذ طابعًا غير مرئي، كالحظر المؤقت، التقييد في نشر المحتوى، أو تقليص الوصولية، ويتم تطبيقها بشكل تدريجي، حيث يتم ربط …

[2:33 pm, 01/05/2025] عبد السلام الريماوي: الحركة المسرحية الفلسطينية قبل النكبة.. الظاهرة والرواد



يوسف م. شرقاوي



الكتابة عن المسرح الفلسطيني في بداياته صعبة، أولاً لأنّ المراجع والوثائق نادرة جداً، ولذلك عدة أسباب منها: أنّ الاحتلال الإسرائيلي دمّر معظمها أو صادرها أو أخفاها وسرقها، وأيضاً أنه لا يوجد أرشيف خاص بالمسرح الفلسطيني في الأراضي المحتلة، الأمر الذي تجمع عليه الدراسات كلها، وحتى خارج الأراضي المحتلة، ليس ثمة أرشيف فيها عن المسرح الفلسطيني.

الأمر الآخر، عند البحث عن تجربة ريادة مسرحية نهضوية في فلسطين، تقارب تجربة الروّاد الأوائل في سوريا ولبنان ومصر (أبو خليل القباني ومارون النقاش ويعقوب صنوع)، تنحصر في المرحلة الزمنية الفلسطينية ما قبل النكبة، بين 1918 و 1948، حين بدأت هناك حركة مسرحية فلسطينية خاصة، وعن ذلك يقف مرجعٌ وحيد لواحد من روّاد الحركة المسرحية هو نصري الجوزي (المقدسي) الذي كتب "تاريخ المسرح الفلسطيني 1918 – 1948"، وذكر تجارب الريادة آنذاك، والعوامل التي أسست لها.


المدارس الوطنية الفلسطينية

عام 1908، سنة إعلان الحقبة الدستورية الثانية في السلطنة العثمانية، قام الشيخ محمد الصالح بتأسيس "روضة الفيحاء" التي اختفت أثناء الحرب العالمية الأولى، وبعد الاحتلال البريطاني استأنف الشيخ مع جماعة من أصدقائه تأسيس مدرسة وطنية باسم "روضة المعارف الوطنية"، وظلت حتى سنة هزيمة عام 1967. كذلك فقد أسس خليل السكاكيني عام 1909 "المدرسة الدستورية"، وتأسست "مدرسة النجاح الوطنية" عام 1922 في نابلس، وحين تولى رئاستها عزة دروزة 1922 - 1927 حوّل عام 1923 روايته "وفود النعمان إلى كسرة" إلى تمثيلية قامت فرقة تمثيل المدرسة بتمثيلها على مسرح البلدية. وعام 1924 وضع تمثيلية بعنوان "عبد الرحمن الداخل" وعام 1925 "ملك العرب في الأندلس".

بعد الاحتلال البريطاني انتشرت المدارس الوطنية أكثر، ونشطت الحركة المسرحية فيها، واتجهت إلى إحياء التراث العربي واستقت موضوعاتها من تاريخه، مقابل مدارس الإرساليات التي كانت تقدّم مسرحيات موليير وراسين وكورني وشكسبير.

ظهرت آنذاك إلى الوجود مسرحيات فلسطينية مثل: "جابر عثرات الكرام"، "جريح بيروت"، "عنترة العبسي"، "صلاح الدين الأيوبي"، "مملكة أورشليم"، "طارق بن زياد"، "فتح الأندلس"، "عليا وعصام"، وغيرها.

ثاني العوامل التي يضعها الجوزي هو زيارة بعض الفرق المسرحية العربية الأولى إلى فلسطين، إذ زارت بين 1920 - 1930 فرق مسرحية عربية فلسطين وقدّمت عروضها هناك، مثل فرقة جورج أبيض، وفرقة رمسيس بإدارة يوسف وهبي، وأمين عطا الله، وفاطمة رشدي، وعلي الكسار، ونجيب الريحاني. الأمر الذي جعل الشبان الفلسطينيين يقبلون على تأسيس فرق تمثيلية ونوادٍ أدبية. وسوف تدلنا بعض المقالات المكتوبة في جريدة "فلسطين" عام 1928 عن مقارنة كانت تُعقد بين الفرق الفلسطينية والفرق المصرية.


الجمعيات والنوادي الفلسطينية


بعد إعلان الدستور العثماني 1908 وعلى أثر الاحتلال البريطاني 1917 - 1918، تأسست جمعيات ونوادٍ أدبية فلسطينية في مختلف المدن، منها ما يعنى بالتمثيل كفنّ خاص، مثل "جمعية نهضة التمثيل الأدبي" في حيفا، التي تأسست أوائل القرن العشرين وأصدرت عام 1914 نشرة تبيّن أهدافها صدرت عن مطبعة الكرمل في حيفا، وقد تصدّرها شعاران هما: "التمثيل هو مدرسة الشعب على المسرح"، "التمثيل خير وسيلة للنهضة الأدبية في البلاد".

كذلك فقد سعت جمعية "الشبيبة المسيحية" المؤسسة عام 1915 إلى تقديم مسرحيات تنبّه الشعب إلى الأوضاع الاجتماعية السائدة، وقد ترّأسها أديب شاب في ذلك الوقت اسمه، أديب الجدع.

ومن بين الجمعيات التي كان لها أثر أكبر على الحركة المسرحية "جمعية النهضة الاقتصادية العربية"، التي دعا إلى تأسيسها نجيب نصار صاحب جريدة "الكرمل"، وقد ساهم بدوره في حقل التأليف المسرحي بمسرحيتي "مجد العرب" و"وفاء العرب" التي مثّلت في الناصرة وحيفا عام 1919.

ينقل عبد الرحمن ياغي في كتابه "الأدب الفلسطيني الحديث" عن إبراهيم عبد الستار قوله: "لأول مرة تألّقت فرقة تمثيلية عربية وقامت بعرض رواية اجتماعية (شكسبير - هاملت) وهي من تعريب الكاتب طانيوس عبده، وإخراج الأديب جميل إلياس خوري. ولأول مرة يمكننا أن نقول إن فرقة الكرمل هي الفرقة العربية التي استطاعت القيام بأدوار تمثيلية معقّدة، ومن بين أفراد الفرقة سيدات ممثّلات كأسماء خوري وثريا أيوب".

من بين الروّاد المؤلفين المسرحيين في حيفا، والذين ساعدوا على نشر فكرة التمثيل والمسرح في المدارس، جميل البحري. وقد أصدر مجلة "الزهرة" عام 1921، وقسّم كل عدد إلى قسمين، قسم فيه رواية مستقلة وقسم ثانٍ تحت عنوان "معرض الأقلام"، وله كتاب "تاريخ حيفا" عام 1922.

أما في يافا، فعن طريق "جمعية ترقي الآداب الوطنية في يافا"، التي أشهرت رسمياً عام 1908، وبحسب مقدمة النشرة التي أصدرتها الجمعية، ذكرت النشاط المسرحي الذي كان يرصد ريعه لتحقيق أهداف الجمعية.

كذلك كان "نادي الشبيبة الأرثوذكسية للبنين" مبرزاً في نشاطه المسرحي، وكان الأخوان خليل ويوسف القدسي مشرفين على جميع التمثيليات، كما كانا يقومان بالأدوار الرئيسية وتدريب بقية الممثلين.

وقد كُتب في جريدة "فلسطين" في عددها الصادر عام 1928 عن فرقة النادي بعد أن زارت القدس ومثّلت فيها: "لقد كنا نظن قبل اليوم أنّ فنّ التمثيل في فلسطين متأخر جداً، ولكن ما كدنا نشاهد هذه الفرقة حتى كنا في ظننا مخطئين، وقد ظننا أنفسنا أمام المسارح المصرية التي أخذت هذا الفن مهنة لها من زمن بعيد".

كما كتب إلياس الرنتيسي في جريدة "فلسطين" عام 1928 يقول إن: "الفرقة نالت ثقة الجمهور وحازت شهرة واسعة في القطر الفلسطيني حتى شهد لها الكثيرون بأنها تضارع الفرق المصرية". ومثّلت الفرقة في الرملة "الشعب والقيصر" عام 1928، وفي يافا "الذبائح" باللهجة المصرية من تأليف أنطون يزبك في العام نفسه، وأعادت تمثيلها في بيت لحم. كما مثّلت "لولا المحامي" لسعيد تقي الدين، و"الهاوية" لمحمد تيمور، و"الهوس" لحافظ نجيب، ودُعيت إلى القدس. 

ظهرت فرقة أخرى هي "جمعية الشبان الإسلامية" ومثّلت "في سبيل التاج" على مسرح قهوة البلور في يافا، ومثّلت "وامعتصماه" عام 1927.

على كثرة النوادي والجمعيات فسوف نذكر بعضاً منها بحسب توزّعها في المدن الفلسطينية آنذاك، للاطلاع على مدى انتشار الحركة المسرحية، وكذلك الثقافية والنهضوية، في فلسطين، وأيضاً لتبيان مختلف التوجّهات الفكرية لهذه النوادي والجمعيات، الذي يمتد إلى فكرتها عن المسرح كظاهرة وما الذي تريده منه.

ففي بيت لحم كانت "الجمعية الأنطونية البيتلحمية" و"نادي الشبيبة البيتلحمية". أما في رام الله فكانت "جمعية الإخاء الأرثوذكسي"، وفي نابلس "نادي حزب العمال العربي النابلسي"، وفي الناصرة "نادي الشبيبة الأرثوذكسية"، وفي عكا "شعبة المعارف" و"الجمعية الأدبية الخيرية" و"جمعية مار منصور" و"جمعية اتحاد عكا للسيدات"، الذي رعته أسمى طوبي بين 1929- 1948، وهي إحدى الرائدات. 

أما في غزة فكان هناك "النادي الأرثوذكسي"، وفي القدس "النادي العربي" و"المنتدى الأدبي" و"جمعية الترقي والتمثيل العربي"، و"النادي العربي المقدسي"، و"جمعية الفنون والتمثيل"، و"نادي الشبيبة الأرثوذكسية" برئاسة نصري الجوزي صاحب "الحق يعلو"، ثم "الفرقة التمثيلية العربية" برئاسة جميل الجوزي، ثم "فرقة الثقافة والفنون" برئاسة شكري السعيد.

مع تأسيس محطة الإذاعة الفلسطينية عام 1936 والتشجيع على الفن والمسرحيات، ازداد عدد الفرق الإذاعية، ففي عام 1944 كان في القدس وحدها ما يربو على 20 فرقة، ثم انضمت الفرق إلى "اتحاد الفنانين الفلسطيني" و"اتحاد الفرق التمثيلية"، اللذين ظلا يعملان حتى سنة النكبة 1948.


روّاد الحركة المسرحية الفلسطينية


لا يمكن إحصاء كلّ من اشتغل أو أسهم في الحركة المسرحية في فلسطين قبل النكبة، والمعلومات المتوفّرة حول الروّاد الأوائل قليلة، والشهادات كذلك قليلة. 

كما أنّ دراسة حركة الريادة تتطلّب عادةً اطلاعاً على النصوص ودراستها، الأمر العسير تطبيقه على المسرح الفلسطيني. إذ إن أغلب النصوص التي كانت تُقدَّم آنذاك مفقودة. على أية حال، فغير الاستقاء من التراث العربي وحكاياته، ما إن انكشفت نية المشروع البريطاني - الصهيوني، وأُقرَّت في صك الانتداب، تم الانتباه لها، ووجّه لها المسرح الفلسطيني نقده، فلنصري الجوزي مسرحية موضوعها الأساسي بيع الأراضي في ذلك الوقت، ما يعني أنّ المسرح كان يواكب أي تطوّر يطرأ في الحالة الفلسطينية، الأمر الذي يؤكّد مرونة الفاعلين فيه واعتباره لا حركة نهضوية فحسب، بل "مدرسة الشعب"، كما جاء في بيانٍ قديم.

أما عن الروّاد، فنذكر منهم: جميل البحري، أسمى طوبي، الأب أسطفان سالم، برهان الدين العبوشي، نجوى قعوار فرح، صليبا ونصري الجوزي، شفيق ووديع ترزي.


عن "الميادين"


............


بعد الاحتلال البريطاني انتشرت المدارس الوطنية أكثر، ونشطت الحركة المسرحية فيها، واتجهت إلى إحياء التراث العربي واستقت موضوعاتها من تاريخه، مقابل مدارس الإرساليات التي كانت تقدّم مسرحيات موليير وراسين وكورني وشكسبير.

دلالات

شارك برأيك

"ميتا" بوصفها تمثيلًا للسلطة السائلة: أبنية الرقابة والعقاب والتحكم بنفاذية الخطاب الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي

المزيد في منوعات

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1261)