Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الثّلاثاء 29 أبريل 2025 9:56 صباحًا - بتوقيت القدس

الـلا الفلسطينية والـلا الإسرائيلية في مواجهة أمريكا

في السياسة الدولية، قد تتشابه الكلمات، ولكنها تختلف جذرياً في أثرها ومعناها، تبعاً لمن ينطق بها، ومن يملك أدوات تفعيلها، الـ"لا" الفلسطينية والـ"لا" الإسرائيلية في مواجهة الضغوط الأمريكية تقدمان نموذجين متناقضين لكيفية استخدام كلمة "لا"، الأولى تحتكم إلى منطق الباطل، وتترجم إلى "قوة" ومكاسب سياسية، والأخرى، التي تحتكم الى منطق الحق الأبلج، تترجم إلى عزلة وتآكل في الموقف.     

 

منذ نشأتها، لم تتردد إسرائيل في قول "لا" لأقرب حلفائها حين يتعلق الأمر بما تعتبره "مصالح استراتيجية" و"أمن قومي"، فخلال قمة "كامب ديفيد" 2000، رفض باراك التنازل عن "السيادة الكاملة" على القدس  رغم "الضغوط" الأمريكية. لاحقاً، مضى شارون في تنفيذ "خطة الانفصال الأحادي" عن غزة دون تنسيق مع الفلسطينيين أو "موافقة" أمريكية كاملة، مصراً على فرض الأمر الواقع، وفي ذروة العدوان على غزة، رفض نتنياهو صراحة – بحسب ادعائه - ضغوط إدارة بايدن المطالبة بوقف العدوان، أو القبول بإقامة دولة فلسطينية، زاعماً أن دولته لا تتبع لأحد، ولن تملي عليهم واشنطن شروطها، حتى لو كان الثمن توتراً دبلوماسياً. 


هذه المواقف لم تنبع من تحد عاطفي، بل من حسابات دقيقة للقوة، يدرك أنه يتم حمايته من قبل منظومة قائمة على التحالفات الاستراتيجية، وأنه قادر على تجاوز الخلافات مع أمريكا، ودون تكبد خسائر حقيقية، وفي كثير من الحالات استخدمت هذه الخلافات لتعزيز خطابه الداخلي، وزيادة تماسك جبهته السياسية المفككة. 

على الضفة الأخرى، لم تكن الـ"لا" الفلسطينية أقل عناداً أو وضوحاً، ولكنها جاءت دوما محملة بثمن "باهظ"، منذ قمة كامب ديفيد، رفض الراحل أبو عمار القبول بتسويات تنتقص من الحقوق الفلسطينية، فتمت مواجهته بالعزلة، الداخلية والخارجية، والاتهامات بإفشال "عملية السلام"، واستمر هذا الحال مع الرئيس أبو مازن، الذي قال "لا" غير مرة وجه الضغط الأمريكي والإسرائيلي، رافضاً التنازل عن القدس، أو القبول بصفقة القرن، معلناً في كل مرة ثوابت فلسطينية، حتى وإن لم تكن محل إجماع فلسطيني، فبعضها يمثل الحد الأدنى أو ما دون، ومع ذلك، كانت النتائج مختلفة تماماً، فالـلا الفلسطينية كثيراً ما قوبلت بوقف مساعدات، ومزيد من الضغط، واعتبرت "تعنتاً"، دون أن يرى فيها أحد موقفاً مشروعاً. 


الفرق بين الـ"لا" الإسرائيلية والـ"لا" الفلسطينية لا يكمن في مخارج الحروف، ولا نبرتها، بل في توازن القوى، بين من يملك جيشاً "قوياً"، واقتصاداً "متيناً"، ولوبيات فاعلة داخل مراكز صنع القرار، ليس في أمريكا وحدها، بل حول العالم، وربما في العالم العربي، بينما يخوض الفلسطيني معركته وحده، بأدوات محدودة، محاصراً بالانقسام الداخلي، وبعالم عربي متهالك، ومنظومة دولية بالية. 


ولعل المقارنة الأوسع تتطلب نظرة إلى التاريخ، والرجوع قليلاً إلى تاريخ العرب، فبعد نكسة عام 67، عقد العرب قمة الخرطوم الشهيرة، وأطلقوا لاءاتهم الثلاث، كانت انعكاساً - في الظاهر - لإرادة جماعية تصر على أن القضية الفلسطينية ليست شأناً فلسطينياً فحسب، بل قضية عربية مصيرية، وكانت إعلاناً صريحاً بأن الهزيمة لا تعني الاستسلام، بل تستدعي مزيداً من التمسك بالمبادئ والسيادة. 


غير أن المشهد العربي اليوم يقدم نقيض تلك الروح، والإرادة، والإصرار، ووحدة المصير، وتسليماً مطلقاً بالعجز والهزيمة، وإقراراً بأن القضية الفلسطينية شأن الفلسطينيين، نحن أردنا ذلك، وهم وجدوا فيه ضالتهم، فترى عواصم عربية تتسابق نحو التطبيع، طواعية أحياناً، أو تحت الضغط الأمريكي أحياناً أخرى، دون أي مقابل حقيقي - للفلسطينيين على الأقل- تحول كثير من دول العرب أدوات تنفيذ السياسات الأمريكية والإسرائيلية، بدل أن تكون مراكز لدعم الموقف الفلسطيني، لم تعد لاءات اليوم لاءات سيادة، بل لاءات مشروطة مقيدة، تخضع لإرادة، لكن ليس إرادة العرب، تراجع مفهوم الإجماع العربي على القضية الفلسطينية إلى مجرد بيانات بروتوكولية، فيما المواقف الفعلية تعكس تسليماً بالأمر الواقع، وتفريطاً تدريجياً بالحقوق التاريخية. 


الـ"لا" الفلسطينية اليوم تبدو خافتة أكثر من ذي من قبل، في ظل خريطة إقليمية تآكل فيها الإجماع العربي، وتحولت كثير من الأنظمة إلى وكلاء لسياسات الاستعمار القديم الجديد، ومع ذلك، تبقى لهذه الـ"لا" قيمة رمزية وتاريخية، فهي تمثل آخر خطوط الدفاع عن فكرة أن الحق لا يبنى فقط على توازن القوى، بل أيضاً على الصمود في وجه الإملاءات، مهما كانت قاسية. 


إن قراءة مسار الـ"لا" الفلسطينية والـ"لا" الإسرائيلية تكشف بوضوح أن كلمة الرفض ليست كافية بحد ذاتها، قيمتها الحقيقية تقاس بالقدرة على ترجمتها إلى مواقف سياسية فاعلة وإلى بناء تحالفات واستراتيجيات تحمي من عزلة الرفض، وإلا، فإن الكلمة تتحول إلى مجرد شعار يطلقه الضعفاء، فيما الأقوياء يفرضون واقعهم بلا حاجة لرفع أصواتهم. الفلسطينيون والعرب أمام مفترق طرق، إما أن يستعيدوا روح لاءاتهم القديمة، أو يواصلوا الانحدار نحو واقع تصبح فيه كلمة "لا" مجرد أمنية، لا وزن لها في معادلات السياسة الدولية.

دلالات

شارك برأيك

الـلا الفلسطينية والـلا الإسرائيلية في مواجهة أمريكا

الـلا الفلسطينية كثيراً ما قوبلت بوقف مساعدات قبل 26 أيام

تبوك - السعودية 🇸🇦

هناك من يصر على موقفه، ويثبت ويضحي من أجل كامل حقوقه، على كامل أرضه، ويرفض التنازل مهما كانت المغريات والعواقب. وهناك من يتغير موقفه حسب نتائجه، فيتنازل سدا لذرائع مموليه وأعدائه، ويظل يتنازل

المزيد في أقلام وأراء

أكلت يدها

عيسى قراقع

يان بيتر هامرفولد... حين وجدت فلسطين في قلب نرويجي

اياد أبو روك

تحقيق هآرتس: مكتب رئيس الوزراء اختار جهة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة خلف ظهر المؤسسة...

ترجمة مصطفى إبراهيم

القمة العربية ...وتشتيت الفلسطينيين

عصام أبوبكر

الجوع والنزوح ومعادلة اليأس والتفاؤل

مصطفى ابراهيم

بعد حرب الإبادة في غزة: فتح وحماس ودحلان ومأزق المشروع الوطني الفلسطيني!!

تحولات لصالح فلسطين

نريد مواقف دولية تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار

أورشليم يا أورشليم.. ولا يتركون فيك حجراً على حجر

حين تختفي غزة من العناوين.. قراءة في أجندة الإعلام العالمي

ترمب ونتنياهو خلاف حقيقي أم سحابة صيف عابرة؟

تصدّعات داخلية في جدران الغيتو الإسرائيلي، ما الدلالات!

في غزة الناس ينتظرون مصيرهم

مصطفى إبراهيم

هل ساميتهم خير من ساميتنا ؟

أمين الحاج

غزة والإبادة جوعاً

د. جبريل العبيدي

سِــفر الآلام

نبهان خريشة

القدس تحت المجهر.. معركة وعي بلا مرجعية "بين أوسلو وعدوان أكتوبر 2023".. السياسات تصوغ مواجهة...

مالك زبلح

هذا هو الفرق بيننا وبينهم

من الدولة المدللة.. إلى المنبوذة

سلاح التظاهرات دعماً لفلسطين

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1274)