Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

أقلام وأراء

الخميس 10 أبريل 2025 9:43 صباحًا - بتوقيت القدس

إذا أردنا أن نعرف ماذا في نابلس يجب أن نعرف ماذا في جنين وطولكرم

عندما كنا صغاراً، كثير منا كان يتابع المسلسل التلفزيوني الكوميدي الشهير "صح النوم"، وكان أكثر ما يضحكنا شخصية حسني البورظان – التي قدمها الراحل نهاد قلعي – عندما كان يطلق عبارته الشهيرة: "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل"، في محاولة منه لكتابة مقالة صحفية، وما أن يستجمع أفكاره ويبدأ، حتى تأتيه مفاجأة تبددها، مقالب غوار الطوشة – دريد لحام – المتلاحقة، تشغله عن تجاوز عنوان مقالته، دون أن نعرف ما علاقة إيطاليا بالبرازيل؟ وما هو الشيء المشترك بينهما؟ ولينتهي المسلسل دون أن نعرف ما كان يحدث هناك، فكنا نضحك لاعتقادنا بعدم وجود علاقة، أو حتى ارتباط بينهما، حينها على الأقل، بدت هذه الجملة، التي اعتبرها البعض مزحة أو مفارقة مضحكة، تحمل في طياتها منطقا غريباً، يربط بين أحداث قد تبدو منفصلة، محاولاً إظهار وجود علاقة خفية، أو تأثير متبادل، قد لا يبدو لنا واضحاً، وربما كانت محاولة منه للتنبؤ بحالة العولمة التي نعيشها اليوم.

هذا الارتباط غير المباشر بين الأماكن والأحداث، حيث يمكن أن تؤثر تطورات بعيدة جغرافياً أو زمنياً على أحداث آنية في مواقع أخرى، وهذا المنطق، وإن بدا فكاهياً، يحمل في جوهره فكرة أن فهم الحاضر أو المستقبل في مكان ما، قد يتطلب النظر إلى ما حدث او يحدث في مكان آخر، هذا التداخل، ولو دون قصد، كان تصويراً ساخراً لطبيعة ما نحياه اليوم. يومها كان "غوار" كثير التذمر من عصر عربي رديء، بدت لنا ملامحة مكتملة يومها، أو يمثل حال أمتنا في عصر العولمة الذي تنبأ به "البورظان "، ولكننا نعلم جميعاً أن واقعنا اليوم أشد قتامة، وليلنا أكثر حلكة، حتى مما لم يتخيله غوار؛ إذ لم يعد ثمة مكان للمقالب الخفيفة، ولا متسع للضحك، فالوجع جاد، والعبث ثقيل، والخيبة صارت خبزنا اليومي، فما نعيشه اليوم في فلسطين يمكن رؤيته عبر عدسة ذات المنطق، ولكن ليس على سبيل الفكاهة، بل بكثير من الألم والحسرة، وكآلية لفهم ديناميكيات تصعيد العدوان واتجاهاته.

بالأمس، شهدنا مئات جنود جيش الاحتلال يجتاحون مدينة نابلس ومخيماتها، في "استعراض" او عدوان واسع النطاق –قد يطول– وبأعداد "غير مبررة"، من وجهة نظر عسكرية على الأقل، لكنها تحمل أبعاداً أمنية وسياسية واجتماعية، ما حدث في نابلس لم يكن مفاجئاً، حتى لو بدا للبعض كذلك، بل امتداد لمسار واضح، أطلق منذ أشهر في جنين وطولكرم، فكان عدواناً غير مسبوق، وتدميراً ممنهجاً، تعيشان اليوم تداعياته المؤلمة جداً، من تدمير للمخيمات، وتشريد عشرات آلاف الأسر، التي تركت بلا مأوى، وكثير منها بلا معيل.

النظر إلى جنين وطولكرم كـ"نموذج أولي" لما قد "ينتظر" نابلس وغيرها من المحافظات، ليس تحليلاً سطحياً، بل استقراء يستند إلى الوقائع والأنماط، فحينما تعرضت المخيمات للتدمير، شهدنا حالة من صمت مدان، اضعفت الهياكل الاجتماعية، تدهورت معها الأوضاع الاقتصادية، وغابت منظومات الحماية بكل أشكالها تقريباً، و"ساد" عجز مطلق، إن لم يكن أكثر من ذلك، هذه "الأزمات" التي قد يظن البعض أنها محصورة جغرافياً، تخلق سلسلة من الآثار المترابطة التي تمتد إلى محافظات ومدن ومخيمات أخرى.

اليوم، وبعد الاجتياح الواسع لنابلس، يبدو أن "السيناريو القادم" تتضح معالمه، فهشاشة الوضع فيها، كما في باقي محافظات الوطن، بعد ما شهدته جنين وطولكرم، تضعها على مسار مشابه، ويجعلها حلقة مستمرة من حلقات العدوان، وما يجره من نزوح ودمار، تعكس نمطاً متكرراً، يتم فيه استنزاف الموارد المحلية، وزيادة الاعتماد على المساعدات الخارجية "المقيدة" أصلاً، وتقويض النسيج الاجتماعي. 

وبالتالي، فإن ما قد يحدث في نابلس – لا قدر الله – قد يكون "تكراراً" لما جرى في جنين وطولكرم، وبالنظر إلى أن رام الله – قلب السلطة الفلسطينية الإداري والسياسي- والتي قد تكون الفصل التالي، يحرم علينا النظر إلى هذه الأحداث على أنها مجرد حلقات معزولة أو منفصلة؛ فما قد يحدث، لا يمكن عزله عما حدث في جنين وطولكرم، أو المذبحة المتواصلة في غزة لأكثر من ثمانية عشر شهراً، وإن إدراك هذا الترابط هو الخطوة الأولى نحو استفاقة من غفلة طالت كثيراً، وفهم أعمق لواقع متهالك، فإذا أردنا أن نعرف "حاضر" نابلس و"مستقبل" رام الله، علينا أن نستوعب جيداً "ماضي" جنين وطولكرم، وقبل ذلك وبعده واقع غزة، ليس فقط لفهم ما يمكن أن يحدث، بل لفهم كيف يمكن أن يحدث، وردة فعل "المجتمع الدولي" - الذي نعقد الآمال عليه - على ما قد يحدث، لأن ذلك ليس مجرد تكرار لأحداث، بل هو سلسلة من الوقائع المتصلة، تستدعي وعياً جماعياً، واستجابة استراتيجية، لرأب صدع اتسع كثيراً، ومعالجة جذور الخلل، علها تمنع تكرار ذات "السيناريو".



...........


اليوم، وبعد الاجتياح الواسع لنابلس، يبدو أن "السيناريو القادم" تتضح معالمه، فهشاشة الوضع فيها، كما في باقي محافظات الوطن، بعد ما شهدته جنين وطولكرم، تضعها على مسار مشابه، ويجعلها حلقة مستمرة من حلقات العدوان.

دلالات

شارك برأيك

إذا أردنا أن نعرف ماذا في نابلس يجب أن نعرف ماذا في جنين وطولكرم

المزيد في أقلام وأراء

أكلت يدها

عيسى قراقع

يان بيتر هامرفولد... حين وجدت فلسطين في قلب نرويجي

اياد أبو روك

تحقيق هآرتس: مكتب رئيس الوزراء اختار جهة لتوزيع المساعدات في قطاع غزة خلف ظهر المؤسسة...

ترجمة مصطفى إبراهيم

القمة العربية ...وتشتيت الفلسطينيين

عصام أبوبكر

الجوع والنزوح ومعادلة اليأس والتفاؤل

مصطفى ابراهيم

بعد حرب الإبادة في غزة: فتح وحماس ودحلان ومأزق المشروع الوطني الفلسطيني!!

تحولات لصالح فلسطين

نريد مواقف دولية تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار

أورشليم يا أورشليم.. ولا يتركون فيك حجراً على حجر

حين تختفي غزة من العناوين.. قراءة في أجندة الإعلام العالمي

ترمب ونتنياهو خلاف حقيقي أم سحابة صيف عابرة؟

تصدّعات داخلية في جدران الغيتو الإسرائيلي، ما الدلالات!

في غزة الناس ينتظرون مصيرهم

مصطفى إبراهيم

هل ساميتهم خير من ساميتنا ؟

أمين الحاج

غزة والإبادة جوعاً

د. جبريل العبيدي

سِــفر الآلام

نبهان خريشة

القدس تحت المجهر.. معركة وعي بلا مرجعية "بين أوسلو وعدوان أكتوبر 2023".. السياسات تصوغ مواجهة...

مالك زبلح

هذا هو الفرق بيننا وبينهم

من الدولة المدللة.. إلى المنبوذة

سلاح التظاهرات دعماً لفلسطين

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1274)