أقلام وأراء

الإثنين 18 ديسمبر 2023 10:24 صباحًا - بتوقيت القدس

ما يمنع المصالحة الفلسطينية؟!

تشهد الساحة الفلسطينية وبخاصة الغزية، سفك دماء عزيزة، وأرواحا تزهق وتصعد لبارئها، وبيوتا تهدم على ساكنيها، ومستشفيات تهدم وتخلى من مرضاها، ومدارس تقصف ويدفن ساكنيها تحت الأنقاض، وتنتشر الجراحات والأمراض بين مواطنيها، ويهجر الساكنون إلى المجهول والمعاناة، وتقطع المياه والكهرباء ووسائل الإتصال الإلكتروني عن المدنيين، وتطال القذائف جميع الأبرياء في مخادعهم، وتضيق مصادر الرزق إلى حد الإبتلاء، وبعد هذا وذاك لا يتحرك فريقا الوطن المتناحرين، نحو مصالحة حقيقية تلبي تطلعات هذا الشعب المعاني، في هذا الزمن العصيب.
رب قائل من بعيد يقول بملء فيه، أن محاولات المصالحة بين الفريقين المتناحرين الإخوة الأعداء، كانت عديدة ولم تفلح جميعها وذهبت هدرا كل الدعوات والمحاولات أدراج الرياح. وكل وثائق المصالحة قديمها وجديدها، مزقت وخرقت. حتى وثيقة مكة في المسجد الحرام عام 2007 برعاية المرحوم الملك السعودي عبد الله لم تصمد وسقطت كما سقط غيرها. وجميع محاولات الإصلاح بين الإخوة الأعداء من مصرية وسعودية وجزائرية وقطرية وتركية باءت بالفشل واحدة إثر أخرى ولم تستطع أية مصالحة من تلك، أن تقفز عن صخرة الإعتراض الشاهقة.
سيأتي الصوت السوداوي من بعيد أيضا، ويكرر كالبوم إذا كانت الدول العربية بمالها وقوتها قد فشلت في ردم الهوة بين الفريقين المتناحرين، وإذا فشل الزمن بطوله في إنجاز هذه المهمة، فهل سينجزها مقال صحفي يقرأه واحد ولا يقرأه عشرة، في زمن وواقع غابت فيه الكلمة، وحلت محلها الدماء الزكية والمعاناة الإنسانية والعذابات البشرية. لسنا هنا نلقي لوما على أحد، ولا نشوه موقف أحد، ولا نحمل المسؤولية على أحد، ولا نغالط أحدا، ولا ندخل في تفاصيل الماضي، فما فات قد فات، بل نناشد الجميع بأن يتحدوا على الحد الأدنى ويتقوا دماء هذا الشعب صاحب العزة والكبرياء.
ما جرى في الشهرين الأخيرين، وبغض النظر عن كل شيء، أعاد إلى المقدمة السياسية القضية الفلسطينية بأبهى وأجلى وأسطع صورها. وغدت ضاغطة على جميع الأطراف - ما عدا الإسرائيلي -، وتؤكد جميعها على حل القضية الفلسطينية من خلال حل واحد هو حل الدولتين، وهذا يقتضي قطعا توافقات ومصالحات بين الإخوة الأعداء. فجميع الدول العظمى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، ما انفكت ظاهريا تنادي بذلك ، رغم زيف مناداتها. ومناداتها زائفة، لأنها تنادي بهذا المطلب بين فينة وأخرى ككليشيه تظهر وتختفي وفق الأوضاع السائدة، بينما جاء وقت كانت فيه الولايات المتحدة تعمل على هذا الخيار الإسلامي وتدعمه وترى فيه حليفا، وبالتالي دعمت ما سمي الربيع العربي. وجاء أوباما لجامعة القاهرة لإلقاء خطابه التاريخي دعما لهذا التوجه، ومن نافلة القول أن جون بايدن كان نائبه وتشرب أفكاره وناصرها. أما اليوم فانقلبت سياسة الولايات المتحدة، وغدت لا تعمل على الساحة الواقعية بأية خطوة لتؤكد مطلب الدولة الفلسطينية، وترجمته إلى واقع ملموس مثل خطوات وقف الإستيطان كليا، واعتباره جريمة حرب، كما يقيمه القانون الدولي الإنساني.
اليوم غير الأمس القريب، ووقائع الزمن الحالي، ودم الشهداء يستصرخ تحقيق المصلحة الفلسطينية بأقرب وقت وبأسرع زمن وبنخوة غير مسبوقة. فلا يعقل أن يبقى سيف الإنقسام القميء شاطرا الإقليم الفلسطيني والشعب الفلسطيني. لا يعقل أن تبقى الإدارة الأمريكية الأسيرة للرغبة الصهيونية مسيطرة على القرار الفلسطيني المستقل والحر. أو ليس القرار المستقل الفلسطيني من أكثر الأمور حرصا في النظام السياسي الفلسطيني. ألا يجب أن نبذل في سبيله الجهد ونضحي في سبيله بالغالي والنفيس. هذه فرصة العمر، وبعدها ستضيع لأن المعادلات قد تتغير وإفرازاتها ستتبخر.
غير مفهوم لم لا يتم الإقتداء بمجتمعات سياسية أخرى غير المجتمع السياسي الفلسطيني لتحقيق الوحدة السياسية، ونحن نزعم صباح مساء بأننا متفردون وطلائعيون وعندنا خصوصية الدولة . لم لا نقتدي بالدولة اللبنانية وبالحكومة اللبنانية وما يجري هناك. لم لا ننظر حوالينا في الكيان الإسرائيلي، واجتماع كل هذه العناصر المتنافرة المتناقضة من أجل مصلحة الكيان بل وانضمام السخيف بني جانتس للجوقة اليمينية في زمن الطوارىء والحرب. وهل المصالحة تعني بسذاجة أو ببلاهة حل كل القضايا العالقة بين الفريقين المتناحرين، بالقطع الجواب هو بالنفي، لكنها مصلحة وطنية من الطراز الأول تحقق للشعب المنكوب بعضا من أمل ورمقا من روح. لم لا نقيم وحدة من الجميع فهذا ظرف استثنائي، وهو أمر مشروع وبعدها لنختلف؟! وهل أنا شخص ساذج لتتملكني هذه الدعوة وتملي علي هذه الكلمات.
ليت الجميع في هذا السياق، نسيان شروط الرباعية، والشروط السابقة لتحقيق المصالحة، واعتراف بالكيان مسبق، واعتراف بأوسلو ونبذه، والخلافات حينما العربية الإيرانية، والتنسيق الأمني، والفردية والحزبية، فقد سقطت هذه الشروط البالية والأمور الصغيرة، وغدت الأمور أخطر وأعقد، فقد خلق واقع جديد جبل بالدم. بل لا يمل بأن يصرح نتنياهو ليل نهار، بأنه لا يعترف بأوسلو وأنها خطأ كبير. وأنه يرفض السلطة الفلسطينية في الضفة، وأن تتولى مقاليد الأمور في قطاع غزة فيما بعد، وهو لا يدفع التزاماته ألمالية التي جمعها بموجب أوسلو بل يحجبها عقابا لها ومن صغيره سموتريتش، وهو لا يثق بها رغم عهود الإدارة الأمريكية المتصهينة له والتي هي ولية نعمته، ويعلن بأسلوب تهديدي مستتر، أنه سيتكفل بحل الأمور مع الإدارة الأمريكية، وهو الذي يفهمها أكثر من غيره من السياسيين وكأنه يقول صراحة خلوا لي الإدارة الأمريكية، أنا كفيل بها.
هل يعقل أن يتكفل كل فريق فلسطيني بتقديم طلبات دونما توحيد، وهل يعقل أن دولة واحدة منقسمة على ذاتها، وهل يعقل أن يستفرد فريق بالحقيقة المطلقة، وهل فريق لوحده صاحب الشرعية الوحيد وينكر على الآخر أية شرعية، وهل فريق بمفرده سيقرر مصير البلاد لوحده، وهل هناك فريق سياسي يعتقد أنه ظل الله على الأرض، وأن هناك طريقا واحدا لتحرير هذه البلاد من دنس الإحتلال، أوليس حقا على القيادي الفلسطيني من هذا الفريق أو ذاك أن يقدم نموذجا ومثالا يحتذى به، ويقتدى به للشعب الفلسطيني ويسعى لمصالحة تاريخية في ظرف يستغاث به، وهل سيدير كل طرف من جانبه مفاوضات منفردة مع الطرف الآخر،أليس في كل ذلك وتحديدا عدم المصالحة، إضعافا للقوة الفلسطينية التي ما فتىء الأمريكيون والإسرائيليون يشككون فيها.
ليت السياسي الفلسطيني يقدر خطورة هذه المرحلة، ويعبرها بسلام ومصالحة ووحدة أولية وأمن وأمان. وبعدها ستتكفل الآليات القانونية والسياسية المعروفة والمقبولة بحل جميع الأمور العالقة . لكن دعونا نجتز هذه المرحلة الخطرة الإستثنائية بنوع من الحرص والأمل والتضامن المشترك فالوحدة قوة، ونطبق قول الشاعر، تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا .

دلالات

شارك برأيك

ما يمنع المصالحة الفلسطينية؟!

المزيد في أقلام وأراء

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

لم ينته المشوار والقرار بيد السنوار

حديث القدس

الانعكاسات السيكولوجية للحد من حرية الحركة والتنقل

غسان عبد الله

مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟

عقل صلاح

الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

السعودية وولي العهد الشاب: ما بين الرؤية والثوابت

د. دلال صائب عريقات

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

أسعار العملات

الإثنين 06 مايو 2024 10:33 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 225)

القدس حالة الطقس