أقلام وأراء

الأحد 10 ديسمبر 2023 9:25 صباحًا - بتوقيت القدس

الحرب على القطاع ومضاعفات ذلك على الضفة

من الصعب الكتابة عما يدور في غزة هذه الأيام من قتل وتشريد ودمار شامل وطمس لكل معالم الحياة. فهو موضوع متعدد الجوانب وممتد بين ماض وحاضر وغد لا نعرف ما الذي سيأتي به. ومع ذلك لا بد من القول بأن ما يجري لا يمكن أن يوصف بأنه حرب ضد حركة حماس لأن أهداف هذه الحرب باتت واضحة للعيان وهي بكل بساطة: جعل قطاع غزة مكانا ً غير صالح للحياة البشرية، لإرغام سكانه على الرحيل عنه.


صحيح أن الاهتمام يتركز على الضحايا البشرية ولكن حتى هذه الضحايا لا تُحظى بالاهتمام اللازم فهي مجرد أرقام تقاس بالعشرات أو المئات يوميا وتضاف للقائمة التي بلغت الآن قرابة التسعة عشر ألفا ً والتي تزداد ارتفاعا ً في كل لحظة، والتي تتجاوز الآن الخمسة وعشرين ألف قتيل اذا أضفنا اليها من لا زالوا تحت الأنقاض.


جعل القطاع غير صالح للحياة البشرية
ويتم تنفيذ خطة جعل قطاع غزة مكانا ً غير صالح للحياة البشرية بشكل مقصود ومبرمج من خلال القضاء على كل مقومات الحياة بتدمير المرافق العامة من بنية تحتية للماء والكهرباء وكذلك كل الأبنية التي تقدم الخدمات العامة للناس كالمستشفيات والمدارس والمصانع والجامعات والمساجد والكنائس والمزارع وغيرها والقضاء على الكفاءات البشرية من الأطباء والمهندسين والمحامين وأساتذة الجامعات والصحفيين ورجال الخدمات الطبية كالإسعاف والتمريض وغير ذلك، ومنع وصول الوقود والغاز والدواء واللوازم الطبية والطعام والماء للناس وتجويع وترويع الجميع. وطرد الناس من الشمال والوسط باتجاه الجنوب على الحدود المصرية تمهيدا ً لتهجيرهم.


الكل يتحدث عن مخطط إسرائيلي للتطهير العرقي للقطاع من خلال ترحيل سكانه الى مصر، أو عبر مصر الى أقطار أخرى تقبل استضافتهم. وهنا لا بد من القول بأن تجويع وتعطيش الناس هو أداة للقهر والضغط لإرغامهم على الرحيل والادعاء في نفس الوقت بأنهم رحلوا طوعا دون اكراه!


لقد أعلنت مصر وعلى لسان الرئيس السيسي وغيره من المسؤولين المصريين بأنها لا تسمح بتهجير سكان القطاع من بيوتهم الى الأراضي المصرية، ولكن القيادة المصرية لم تقم بأي اجراء مضاد لمنع التهجير، ولا شك بأن تواجد قرابة مليوني فلسطيني في رفح الفلسطينية على الحدود المصرية بواقع أكثر من شخصين على المتر المربع بدون ماء أو طعام أو حتى أماكن لقضاء حاجاتهم، وخاصة النساء، سيؤدي في لحظة ما الى انفجار بشري يطيح بالجدار الفاصل بن مصر ورفح ويترك مئات الآلاف تتدفق من رفح الى الأراضي المصرية بحثا ً عن شربة ماء أو كسرة خبز وعندها ستقول السلطات المصرية بأنه لم يكن بقدرتها وقف هذا الطوفان البشري وتتحول المسألة وكأن استقبالهم وإغاثتهم هي عمل أنساني !


أليست مصر ذات السيادة على معبر رفح
قلت بأن القيادة المصرية لم تقم بأي اجراء مضاد لمنع التهجير، وأنا لا أعني بذلك أنني أتوقع أن تعلن مصر الحرب على إسرائيل، ولكني أعني وبكل بساطة أن معبر رفح يفصل بين مصر وقطاع غزة وأن المفروض أن يكون هذا المعبر خاضعا ً للسيادة المصرية وأن تقوم مصر بفتح هذا المعبر أربعة وعشرين ساعة في اليوم وعلى مدار سبعة أيام الأسبوع وتسمح بتدفق المساعدات الغذائية والطبية والانسانة الى القطاع بدون أي قيود على العدد.


ليس هذا فحسب بل والسماح بدخول الكفاءات الإنسانية المختصة كالأطباء والفنيين والآليات اللازمة لرفع الأنقاض للمساعدة في اسعاف المصابين وإنقاذ حياتهم، والسماح لوسائل الاعلام الأجنبية والصحفيين الأجانب بالدخول الى القطاع من معبر رفح لينقلوا للعالم الصورة الحقيقية للوضع في القطاع ونقلها للعالم.


مخطط تهجير سكان قطاع غزة الى خارج وطنهم ليس جديدا على الفكر الصهيوني الذي قامت إسرائيل على أساسه، ويؤكد بأن نكبة عام 48 ما زالت مستمرة وأن طرد الفلسطينيين من وطنهم وأرضهم عام 48 استمر منذ ذلك الحين دون توقف، ولكن بوتيرة مختلفة سواء داخل الأراضي التي احتلت عام 48 أو تلك التي احتلت عام 67، وها هم اليوم يحاولون تنفيذه على قطاع غزة، واذا نجح طرد سكان القطاع، لا سمح الله، فسينفذ ذلك المخطط على الضفة الغربية لاحقا ً، ولذلك فأن غزة اليوم هي خط الدفاع الأول عن الضفة الغربية وفي قلبها القدس الشرقية التي لم تتوقف محاولات طمس هويتها العربية وطرد سكانها العرب لحظة منذ عام 1967، وقد تم بالأمس ابلاغ ثلاثين عائلة من عائلات حي بيضون في منطقة باب المغاربة بإخلاء بيوتها المقامة على 8725 مترا ً خلال شهرين بحجة الاستملاك للمنفعة العامة للتلفريك الذي سيقام فوقها.


الدور الأمريكي وحسابات بعض الأنظمة العربية
والذي يجب أن يؤخذ بالحسبان ويتم العمل على مواجهته بكل الوسائل الممكنة هو أن مؤامرة اخلاء قطاع غزة تتم بمباركة ودعم أمريكي والذي تجسد أمس الأول باستخدام أمريكا لحق النقض "الفيتو"، لمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار بوقف فوري لإطلاق النار، فأمريكا وبعد شهرين من المذابح ضد شعبنا في القطاع والتي تجاوز عدد الضحايا الخمسة وعشرين ألفا ً، اذا أخذنا بالحسبان عدد الضحايا الذين ما زالوا تحت الأنقاض، ما زالت تؤمن بإمكانية تنفيذ مخطط التهجير وتريد إعطاء إسرائيل المزيد من الوقت لاستمرار القتل والتدمير والضغط سكان القطاع.


والمؤسف حقا ً هو أن هناك عدد من الأنظمة العربية ترى في الحرب على سكان قطاع حربا ً ضد حركة حماس، وتتواطأ مع تلك الحرب لخصومات لها مع حماس، وهذا أمر في غاية الخطأ لأن الشعب كل الشعب هو الضحية وهو الذي يدفع الثمن وليست حماس.


معالجة جذر الصراع وليس أعراضه الجانبية
وعلى إسرائيل وأمريكا وكل الأنظمة التي تعتقد بأن الحرب الحالية ستقضي على حماس أن تفهم بأن القضاء على فكر المقاومة ضد الاحتلال، وتحت شعاره تقف حماس، لن يتحقق حتى لو تم قتل قادة حماس أو اسكات صوتها. فالمشكلة أكبر من حماس، وهي أن الشعب الفلسطيني الذي ظل يناضل وبأشكال مختلفة منذ قرن من الزمن من أجل حريته واستقلاله ولم يذب أو يضمحل أو ينسى وطنه، سيقوم دائما ً من تحت الرماد ليستأنف نضاله من أجل حريته على تراب وطنه. ولا شك بأن الحكمة تقتضي الاعتراف بحقيقة الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية وتقرير المصير والاستقلال وهذا هو الطريق الوحد لتحقيق الاستقرار والأمن للجميع بالمنطقة، وأما السير وراء وهم القضاء على تطلعاته الوطنية ومحاولة اغتياله معنويا ً ونزع الصفة الإنسانية عنه ونعته بألقاب مثل حيوانات بشرية، كما قال وزير الحرب جالانت، وأبناء الظلام كما قال نتنياهو، لن يجلب سوى المزيد من العنف والمعاناة على الجانبين.


ولا شك بأن التفكير الإيجابي بشأن مستقبل أفضل للجميع يستوجب معالجة جذور الصراع لا الانشغال بأعراضه الجانبية. وجذر الصراع هو الاحتلال والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وانكار وجوده. فلا أحد يهوى الحرب من أجل الحرب، ولا أحد يستعذب الموت من أجل الموت، ولكن الناس تذهب للحرب وللموت حين تُسد أمامها كل الطرق التي تؤدي الى تمكنها من ممارسة حقوقها، ومن المنطق أن ينطبق هذا المبدأ أيضا ً على حماس. والمطلوب اليوم هو مبادرة سياسية تحفظ حقوق الجميع، وماء وجه الجميع، وتتيح للجميع النزول عن الشجرة والتحدث بلغة غير لغة القتل والعنف من أجل حقن الدماء وتحقيق العدل والسلام للجميع.
[email protected]

دلالات

شارك برأيك

الحرب على القطاع ومضاعفات ذلك على الضفة

المزيد في أقلام وأراء

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

لم ينته المشوار والقرار بيد السنوار

حديث القدس

الانعكاسات السيكولوجية للحد من حرية الحركة والتنقل

غسان عبد الله

مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟

عقل صلاح

الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

السعودية وولي العهد الشاب: ما بين الرؤية والثوابت

د. دلال صائب عريقات

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الإثنين 06 مايو 2024 10:33 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 221)

القدس حالة الطقس