أقلام وأراء

الأربعاء 10 أبريل 2024 11:45 صباحًا - بتوقيت القدس

قراءة سياسية في رمضان هذا العام

تلخيص

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا في الحياة، أهمها تحرير الانسان من كلّ ما يحول بينه وبين ممارسة دوره الكامل في الحياة، والانسان صاحب الإرادة الحرّة هو وحده القادر على ممارسة دوره دون أن يكبّل هذا الدور أيّ شيء، سواء كان ذلك عاملا داخليا أو خارجيا، فهو متحرّر من أغلال قد تكون داخل نفسه أو كمؤثر من خارج هذه النفس، فكونه عبدا لله تعني أنه تحرّر من كلّ شيء سوى الله، ولا شكّ أنّ الله الذي أمر هذا الانسان أن يكون عبدا له يريده متحرّرا من أيّ خضوع أو تبعية أو خوف أو قلق أو توجّه أو أن يحسب حسابا لأحد غيره، فهو الحرّ الذي يتمتّع بالحرية التي تؤهله لدخول المعترك السياسي بكفاءة عالية قوامها الحرية.


وهو بذلك يتمتع بحريّة كاملة تامّة تؤهله بأن يطلق كلّ طاقاته وابداعاته، دون ان يكون هناك ما يعيق أو يضعف أو يكبّل إرادته التي حرّرتها العبادة لله من كلّ شيء لا ينسجم مع هذه العبادة.


هذه واحدة لها علاقة مباشرة بتفعيل المسلم تفعيلا كاملا غير منقوص في كل الميادين، من أهمّها الميدان السياسي، فلا يعقل أن تنتج العبادة الإرادة الحرّة ثم لا تأخذ دورها في هذا الميدان الهامّ. ثمّة عبادة الصوم بالتحديد تأتي لتحرّر المسلم من الخضوع لشهواته وأهوائه ومن نفسه الامّارة بالسوء، وكلّ ما يعطّل هذه النفس من القيام بدورها الإيجابي في الحياة، وهنا نرى كتحصيل حاصل أن هذه العبادة ستقوم بفعلها الذي يطلق كلّ طاقاته وينشّط كلّ قدراته في ميادين الحياة كافّة والتي من أهمها الميدان السياسي.


وهو بدءا من شهواته مرورا بأهوائه ورغباته وطبائعه واهتماماته وانتهاء بقدراته الروحيّة والعقلية ينقله من موقع العبد الخاضع لشهوته أو الخاضع لأهواء غيره من البشر إلى موقع السّيد الحرّ المتصرّف بحكمة ورشد، ففرق شاسع بين من يكون سيّدا على شهواته ورغباته وبين من يكون عبدا لها، فالاوّل يخرج من الدوران في فلك الذات الضيّقة إلى حيث القضية التي تدور أمّته في فلكها، وبالتالي هو صاحب الكفاءة العالية ليمارس دوره السياسي، بينما الاخرون يجدون أنفسهم يدورون في فلك الأشياء، لتموت بهم القضية أو يدورون في فلك الأشخاص فيتحوّلون من أمّة حية إلى أمة مريضة، وهذا للأسف هو حال الامّة في زمن الغياب الحضاري، إذ يضيع دورها بما تتمتّع شعوبها من حالة من الدوران حول الأشياء أو الأشخاص، بعيدا عن الدوران حول الأفكار التي تصنع منهم أمّة حيّة (د. ماجد عرسان كتاب فلسفة التربية الإسلامية) قادرة على ممارسة دورها السياسي بحرية واقتدار.


العبادة ممارسة عملية كي تنقلنا من الأشياء والأشخاص إلى الأفكار، تبدأ بالاقتناع بالفكرة ثم تعمّق الإحساس بها على الدرجة التي تخرجه من دوائر الأشياء والأشخاص، وبالتالي يمارس قيم الدين بحريّة واقتدار، بعيدا عن أغلال الأشياء والأشخاص.


ثمّ إنّ تحديد الهدف المركزي والاستراتيجي من الصيام وهو (لعلّكم تتقون) وقد جاء بصورة الجماعة كما هو حال التكليف في الإسلام، كي تخرج من دائرة التقوى الفردية وتنتقل من انتاج انسان التقوى إلى انتاج مجتمع التقوى وأمّة التقوى، وهذا التزام كبير يجعل منها أمّة واحدة ذات قضيّة واحدة، فالقضيّة الفلسطينية مثلا واحتلال القدس والمسجد الأقصى يجعل من صميم تقوى الامّة أن تكون هذه القضية هي قضية المسلمين أجمعين، وأن إيلائها ما تستحق من اهتمام وواجب والتزام هو من صميم قيمة التقوى التي جاء الصيام ليحقّقها ويرفع من شأنها كي تكون فعلا هي القضية المركزية لكلّ المسلمين، وهنا نجد أنه لا يمكن الفصل بين العبادة ومظهرها السياسي إلا عند من أرادوا بعلم او جهل تقزيم هذه العبادة وحرفها عن تحقيق أهدافها كاملة غير منقوصة.


وكذلك لا يعقل هذا الفصل النكد بين تقوى المجتمع كقيمة عليا، عليها أن تحقّق قيم الحريّة والعدالة والسيادة والكرامة والحياة الصالحة بكلّ ما تعنيه من أبعاد، بينما هناك طغمة مستبدّة تتبع سياسة المستعمر وتخضع شعوبها لهذه السياسات وطريقه، لذلك مصادرة هذه القيم واستبدالها بقيم الاستبداد من ظلم وفساد ومصادرة للحرية والكرامة، فأوّل ما تصنعه العبادة في الإسلام حرية وسيادة الانسان، ومعروفة قصة القبطي الذي شكى ظلم الوالي فعقد له الخليفة عمر المحاكمة في العبادة يوم عرفة في الحج، لأن العبادة والعدالة صنوان وأن من يركع لله لا يمكن ان نُركّعه لحكّام يركعون للمستعمر كي يحفظ لهم سلطانهم، وكانت كلمة عمر الخالدة: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".


هكذا وبشكل عملي وواع تأخذ العبادة بأيدينا إلى عملية تحرير شاملة من عبادة العباد وعبادة الأشياء إلى فضاء حرّ ورحب يمارس فيه المسلمون الحياة الحرّة الكريمة بكل أبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بما يحقّق لهم استقلالهم وسيادتهم الكاملة غير منقوصة بأيّ حال من الأحوال، وانتصارهم الكامل لقضيتهم المركزية فلسطين، هذا إذا فقهوا: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا، وكما قال عليّ رضي الله عنه: " لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا خير في تلاوة لا تدبّر فيها" .

دلالات

شارك برأيك

قراءة سياسية في رمضان هذا العام

المزيد في أقلام وأراء

حرب الابادة في غزة عندما يتحول الجلاد إلى الضحية !!

حديث القدس

التمثيل الدبلوماسي العربي في فلسطين... أهلا وسهلا بالكويت

د. دلال صائب عريقات

هل من رؤية فلسطينية لليوم التالي للحرب؟

معين الطاهر

رحيل رجل فاضل إلى جوار خالقه

المحامي أحمد عبد الهادي النجداوي

الجامعات الأميركية والدبلوماسية "العارية"

يقظان التقي

أفيقوا أيها الملتصقون بالكراسي..!!

ابراهيم دعيبس

يوم الانحياز للحق والعدل

حديث القدس

أقل الكلام..."بنيامين" إذ يقاتل بأظافره!

إبراهيم ملحم

هل نحن على أعتاب عصر الرقابة الذهنية؟ تداعيات زراعة الشرائح الإلكترونية في الدماغ البشري

صدقي أبو ضهير

الإدارة الأمريكية والخطوات العملية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين

حمزة البشتاوي

«فيتنام بايدن» في الجامعات الأميركية؟

جبريل العبيدي

الشهر الثامن على حرب غزة

بهاء رحال

بعد ٧٩ عاما من الإنتصار على النازية.. شعبنا بالإرداة سينتصر أيضاً

مروان اميل طوباسي

إنهاء الحرب على غزة.. معضلة يخشاها الجميع

عطية الجبارين

22 عاما على مبادرة السلام العربية وما زال العرب يستجدون

أحمد صيام

إسرائيل ترد على صفقة التبادل بعدوان متواصل

حديث القدس

احتلال معبر رفح

بهاء رحال

(كل جمعة)-- كونت لا دي نتنياهو

جواد العناني

احتجاجات الجامعات الأميركية: ماذا يفعل الفلسطينيون

مراد بطل الشيشاني

الحركة الطلابية ودورها في تعزيز الحوار والتكافل/ التضامن الاجتماعي

غسان عبد الله

أسعار العملات

الأحد 12 مايو 2024 10:11 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.71

دينار / شيكل

بيع 5.26

شراء 5.23

يورو / شيكل

بيع 4.01

شراء 4.0

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%0

%100

(مجموع المصوتين 7)

القدس حالة الطقس