أقلام وأراء

الخميس 27 يوليو 2023 10:03 صباحًا - بتوقيت القدس

ما يجري في أوساط المستوطنين اليهود

واضح أن الانقسام الداخلي في المجتمع الإسرائيلي يتخذ يوماً بعد يوم أبعاداً أكثر عمقاً واتساعاً خاصة بعد 3 تطورات نعتقدها الأهم في الايام الأخيرة: أولها إصرار الإئتلاف الحاكم على المضي قدماً في تشريعاته، رغماً عن الحركة الرافضة في الشارع وتوسطات رئيس دولتهم ودعوات الأمريكيين، وقد تجسد هذا بإقرار قانون إلغاء المعقولية، وثانيها بالدعوات العلنية غير المسبوقة لقطاعات هامة في الجيش من الاحتياط برفض الإلتحاق بالخدمة، مثل الطيارين وجنود وضباط الاستخبارات العسكرية وهيىة الأركان، اضف لذلك تصريحات قيادات سابقة في الموساد والشاباك تدعم الحركة في الشارع (دفاعاً عن الديموقراطية) كما يزعمون، ما حدا بقيادات الجيش لقرع جرس الإنذار، وثالثها النقاش داخل الهستدروت لإعلان الإضراب المفتوح.


وإذا كان صحيحاً ان الانقسام الداخلي كنتاج لحفنة من التناقضات، كان سمة ملازمة للكيان منذ نشأته، وحتى ما قبل ذلك، إلا أن تلك التناقضات لم تنفجر يوماً كما انفجحرت اليوم، والأهم لم تطل الجيش يوماً، باني الدولة واليد الضاربة للمشروع الصهيوني، فدائما كان هناك تناقضات بين المستوطنين، الشرقيين والغربيين، المتدينين والعلمانيين، (اليسار) واليمين، إلا أن انقسام هذه المرة عميق بما لا يقاس، ومتفجر بكل ما في هذه الكلمة من دلالة على منعطف تاريخي سيترك تأثيراته بلا شك على المجتمع والدولة والجيش، إذ وللمرة الأولى يعبر الانقسام عن نفسه بظاهرة رفض الخدمة في (دولة دكتاتورية) كما يقول الرافضون في الجيش وحرضاً منهم على (ديموقراطية الدولة). حتى مسؤولي الموساد والشاباك يتحدثون عن الديموقراطية!!


لا ديموقراطية في مجتمع استطياني عنصري

واللافت للنظر، بالنسبة لنا نحن الفلسطينييون، ذلك الحديث عن الديموقراطية والدفاع عنها باعتبارها، كما يزعم المحتجون، سمة دولتهم. إذا كان ثمة ديموقراطية فهي ديموقراطية مجتمع المستوطنين اليهود، وحتى هذه خاضعة للنقاش باعتبار التمييز ضد المستوطن الإسفارادي الشرقي على حساب المستوطن الإشكنازي الغربي، والمشروع الاستيطاني بالنهاية مشروع غربي بامتياز، ومع ذلك، وبافتراض انها دولة ديموقراطية فهي بذات الوقت دولة عنصرية تجاه شعبنا في منطقة 48، وبالتالي فهي ديموقراطية يهودية عنصرية بامتياز، إن جاز أصلا الجمع بين الديموقراطية والعنصرية، وإن جاز ايضاً اعتبار أن دولة نهضت بفعل التطهير العرقي والإبادة والاحتلال والتوسع والغزو والعنصرية يمكن وصفها بالديموقراطية. ومع ذلك فليست تلك حالة فريدة فالمجتمعات الناشئة في أمريكا وكندا مثلاً، نشأت وتشكلت أصلاً كمجتمعات ودول ديموقراطية ليبرالية على أنقاض ملايين السكان الأصليين الذين تمت إبادتهم.


وما يزيد الأمر غرابة، حد الشعور بالقرف، بالنسبة لكل مَنْ عانى الاعتقال والتعذيب الدموي في أقبية التحقيق، وكاتب هذه السطور واحد منهم، وهم بعشرات، إن لم يكن بمئات الآلاف، ولكل أسرة تدمر منزلها فوق راسها في قطاع غزة، ولكل اسرة شهيد فقدته باغتيال بربري، ولكل مخيم جرى تدميره فوق ساكنيه ونحر ساكنيه كما في صبرا وشاتيللا، لكل مَنْ وقع ضحية مجزرة مرتبة كما كفر قاسم ودير ياسين، أقول ما يزيد الأمر غرابة حد القرف لكل هؤلاء هو سماع رؤساء الموساد والشاباك وضباط الطيران وضباط الوحدات المختارة والاستخبارات يتحدثون عن الديموقرطية وضد الدكتاتورية والاستبداد!!!! وهم الذين تتلوث ايديهم، شأن كل المجتمع الاستيطاني، بدماء شعبنا، وهم الذين يتخوفون من السفر لبعض الدول كي لا يعتقلوا كمجرمي حرب، وهم مجرمو الحرب الذين كشفت وثائقهم أنفسهم ضلوعهم في مجازر عديدة وعمليات تطهير. وما الدفاع مثلاً عن صلاحيات المحكمة العليا (كحصن للقانون والديموقراطية) كما يصفونها، ضد العبث بصلاحياتها عبر إلغاء قانون المعقولية، فليس بالنسبة لشعبنا سوى أكذوبة لا تليق سوى بالعنصريين ومجرمي الحرب، فهذه المحكمة شرعنت التعذيب في السجون والاستيطان ومصادرة الأراضي وكل الممارسات المجرمة للاحتلال، إنها بالنسبة لشعبنا ليست (حصناً للقانون والديموقراطية) بل الأداة ( القانونية) لشرعنة المشروع الاستيطاني الترحيلي فلا صفة القانون ولا صفة الديموقراطية تليق بها.


ليس من ديموقراطية في مجتمع ينهض على التطهير العرقي والترحيل والمجازر والاحتلال والتمييز العنصري، كل ذلك سمة مميزة للمجتمعات العنصرية الاستيطانية لا للمجتمعات الديموقراطية. وقد سجلت الصحافة الإسرائيلية سماع أصوات منفردة ومعزولة هنا وهناك تطالب بإنهاء الاحتلال باعتباره لا يتفق والديموقراطية، فيما جرى قمع تلك الأصوات سريعاً دون ان تغدو ظاهرة ذات بال. إنه مجتمع استعماري من راسه حتى أخمص قدميه.


هل الحرب خيار للخروج من الأزمة؟


أما ما سيؤول إليه هذا الاحتجاج فذلك برسم المراقبة، مع أن اللحظة تؤشر لممكنات التصاعد اكثر فأكثر، ولكن ما هو واضح هو الحقيقة التاريخية: لم يتفكك مجتمع استيطاني جراء انقسامه الداخلي. فالاستيطان العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا ووزيمبابوي وروديسيا والجزائر لم يتفكك بانقسام مجتمع البيض الأوروبيين بل بهزيمتهم عبر المقاومة العنيدة المتعددة الأشكال، وعلى راسها الكفاح المسلح للشعوب الاصلانية، وما يدعم هذه الحقيقة هو طبيعة اللاصق السياسي والفكري الذي يربط مكونات مجتمع المستوطين معاً، رغم انقساماته، ونعني به العداء للآخر الأصلاني، الذي لا ينهض مجتمع المستوطنين ويتماسك إلا بالعداء له، وتحويل هذا العداء لعقيدة سياسية أمنية تكاد تصل حد المرض النفسي لدى أؤلئك المستوطنين، شأن العقيدة الأمنية لدى المستوطنين اليهود والتي توحدهم في عدائهم للفلسطينيين والعرب. لذلك لا يسارعن أحد ويراهن على انهيار الكيان من داخله بفعل الانقسام.

ومع ذلك فهذا الوضع الداخلي المنقسم والمأزوم للكيان، وهذا الجيش الذي بات يعاني في أفضل قطاعاته ووحداته من خطر التفكك فعلياً، بعد أن يظل (يتفاخر) بأنه الجيش الذي لا يقهر، وتم قهره مراراً من 2006 وحتى معركة جنين، هذا الوضع ينبغي أن يكون حاضراً في رسم تكتيكات وخيارات المقاومة فلسطينياً وعربياً.


ولأن العداء لشعبنا والدفاع عن مجتمع الاستيطان هو اللحمة التي تجمع المستوطنين برغم خلافاتهم، فهل يمكن افتراض سيناريو التوجه لحرب لتدعيم تلك اللحمة وتعزيز ذاك اللاصق؟ التوجه للحرب ينقذ إئتلاف نتياهو، ويحقق التفاف المعارضة حوله رغم انفها فلا شيء يوحدهم قدر العداء لنا، والتوجه للحرب يقطع الطريق على حركة الضباط والجنود الاحتياط الرافضين للخدمة، ولكن فيما يبدو أن لا خيار سوى هذا أمام الصهاينة، إلا أن هذا الخيار محفوف بمخاطر حقيقية أبرزها ان الانتصار في اية حرب قادمة ليس مضموناً نهائياً. بعد العام 2006 وانسحابهم المخزي من لبنان تحت وقع ضربات المقاومة، وبعد المقاومة الباسلة التي غيرت قواعد الاشتباك في قطاع غزة، وبعد معركة جنين الأخيرة، وبعد ما يشاع عن تعاظم القوة الصاروخية الدقيقة لحزب الله، وبعد التبلور الفعلي لمحور المقاومة من فلسطين ولبنان مروراً بسوريا وصولاً للعراق واليمن وإيران، لم يعد القادة العسكريون على ثقة بقدرة جيشهم على الانتصار، حتى لو كان خيار الحرب خيارهم وخيار السياسيين لإنتقاذ الجيش والمجتمع من الانقسام، وبالتالي فهو خيار صعب اللجوء له، الأمر الذي سيعزز من ظاهرة الانقسام أكثر فأكثر إذ يبدو لا حلول في الأفق خاصة ان تداعياته صارت تمس الاقتصاد والاستثمارا،ت والهجرة من وإلى الكيان لا الجيش فحسب.

دلالات

شارك برأيك

ما يجري في أوساط المستوطنين اليهود

المزيد في أقلام وأراء

إسرائيل تحاول التنصل من جرائمها

حديث القدس

الفعل وليس القرارات ما هو مطلوب

حمادة فراعنة

حراك الجامعات في مواجهة ألة القمع الإسرائيلية

زاهي علاوي

استكشاف هندسة الأوامر: الابتكار والتطور والتأثير على المستقبل

صدقي أبو ضهير

‏ الحكومة الجديدة وأهمية دعم القطاع الزراعي

عقل أبو قرع

معاداة السامية" ... سلاح ظلم وبغي

عطية الجبارين

القادمون من السراديب والذاهبون إليها

حمدي فراج

القمة العربية ما بين الوقائع والاستحقاقات اللازمة

مروان أميل طوباسي

أمريكا وحروب الإبادة: سجل حافل بالصناعة أو التورط

صبحي حديدي

انتظروا بياناً هاماً ...!!

سمير عزت غيث

اليوم التالي ووهْم حلّ الدولتين

محمد الهندي

ألسنة اللهب ترتفع في الجنوب والشمال والدبلوماسية الدولية تكتفي بالأقوال ..!!

حديث القدس

احتجاجات الجامعات: تحولات كمية.. إلى نوعية

د. أسعد عبدالرحمن

بداية التعافي الاقتصادي في الأردن

جواد العناني

النكبة وسرديّة المخيّم الكبرى

سمير الزبن

الجامعات والإعلام ودورهما في تعزيز"الانتماءِ للقضية الفلسطينية"

تهاني اللوزي

المقاومة ونتنياهو ولعبة الوقت

بهاء رحال

القضاء على الشعب الفلسطيني

حديث القدس

النكبة مستمرة

حمادة فراعنة

"إسرائيل" عالقة بين معادلتي العجز في التقدم والعجز في التراجع

راسم عبيدات

أسعار العملات

الجمعة 17 مايو 2024 12:34 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.71

شراء 3.7

يورو / شيكل

بيع 4.02

شراء 4.0

دينار / شيكل

بيع 5.24

شراء 5.2

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%7

%93

(مجموع المصوتين 72)

القدس حالة الطقس