Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

فلسطين

السّبت 10 مايو 2025 6:45 صباحًا - بتوقيت القدس

رهف عياد: هذه هي أنا حين كان في العقل والقلب متسع للفرح والأمنيات والأحلام

خبرت طعم الجوع والمرض.. وخذلان العالم "الحر"

رهف عياد: هذه هي أنا حين كان في العقل والقلب متسع للفرح والأمنيات والأحلام 


كتب عبدالسلام الريماوي


هل ثمة ما هو أصعب من موت الأحبة؟

أن نراهم يذبلون ويذوون أمام أعيننا، ولا نملك أن نفعل شيئا من أجلهم، من أجل أن يستعيدوا عافيتهم وملامحهم الأولى التي تفيض بالحياة والجمال والحيوية والإقبال على الحياة، ولا نملك غير التعلق بهم أكثر، والخوف من فقدانهم في أية لحظة كنتيجة حتمية لكل هذا الوهن والتعب الذي يزداد يوماً بعد يوم وساعة بعد أخرى.

رهف عياد طفلة من غزة في الثانية عشرة من العمر، لكن حجمها ووزنها يوحيان بأنها أصغر بكثير.

تعيش رهف منذ نحو عامين في أتون حرب لم تبق ولم تذر شيئاً على حاله في غزة. حرب إبادة دمرت في نفوس الناس أضعاف أضعاف ما دمرته على الأرض من مبانٍ، وبيوتٍ وأسواقٍ وطرقات ومدارس ومستشفياتٍ وووو.

هل سبق المرض الحرب بارتداداتها الرهيبة إلى جسد رهف النحيل، أم أن ما أصابها كان شيئاً مما خلفته تلك الحرب الإجرامية عليها وعلى أقرانها من الأطفال، من ذعر وجوع وأمراض جسدية ونفسية يصعب تشخيصها أو حصرها، أو معرفة أعدادها لغاية الآن في ظل الغياب الكامل لكل أنواع الرعاية الصحية والنفسية، والانشغال بأعداد الضحايا والجرحى في عمليات القصف والاستهداف والغارات التي لا تتوقف ليل نهار، ومنع طواقم الإغاثة والطواقم الطبية والصحية من الدخول إلى القطاع للمؤازرة والعون والتوثيق، طالما أن المحتلين يقفلون كل النوافذ المؤدية إلى قطاع غزة بشكل كلي منذ أكثر من شهرين؟

من يطالع صور رهف الآن وهي تلازم حضن أمها وفرشتها في أحد مراكز الإيواء- لا أعتقد أنها تقيم في مسكن خاص بعائلتها- يرى طفلة نال من جسدها المرض والجوع، تماماً كما نال الخوف من قلبها وروحها، وهي لا تعرف أين يمكن أن تكون الغارة التالية لطائرات نتنياهو المصنعة في أمريكا "سيدة العالم الحر وواحة الديمقراطية"، ولا تعرف إن كانت ستعيش حتى اليوم التالي أم ستكون الضحية التالية لحرب همجية، لم تلتزم بأي من قوانين الحروب، ولم توفر طفلاً ولا شيخاً ولا شاباً، ولم تقم حرمة لمسجد أو كنيسة أو مدرسة أو مستشفى.

رهف تعاني الجوع والسقم والحرمان ومرضاً لم يشخص لغاية الآن، لإن القطاع الطبي في قطاع غزة المحاصر هو الآن في الرمق الأخير، بعدما دمرت إسرائيل كافة مؤسسات الرعاية الصحية، والمستشفيات، وما تبقى منها لم يسلم من القصف، وهو يعمل بالكفاف وبطواقم طبية محدودة (بعد استشهاد وجرح وأسر الكثير من أفرادها) وبالكاد تستطيع وقف نزف الجرحى وتكفين الشهداء الذين يسقطون تباعاً في الغارات التي لا تتوقف.

والدة رهف هي الأخرى لم تسلم من الحرب التي تركت آثارها على ملامحها، ما جعلها تكبر قبل أوانها. هي الآن الطبيبة والراعية والأم لصغيرتها، وتبذل كل ما بوسعها لرعايتها والاعتناء بها، لكنها لا تعلم ما الذي يتعين عليها فعله، وهي لا تعلم بعد طبيعة مرض صغيرتها، لانعدام إمكانات التشخيص الطبي في غزة، وفي ظل المجاعة التي تعيشها وطفلتها وأكثر من مليوني غزي أمام سمع وبصر المجتمع الدولي المتخم بشعارات حقوق الإنسان حقوق الأطفال والعدالة وسواها.   

تمسك رهف عياد بهاتف والدتها التي احتفظت بإرشيف من صور صغيرتها ذات الوجه الملائكي الذي يشع نوراً وبهاء، وشعرها الكثيف الكستنائي، وعينيها الدافقتين بالجمال والبراءة، وقد جعلت إحداها خلفية لشاشته. تنظر رهف إلى صورتها وكأنها تقول للعالم: هذه هي أنا، حين كان في العقل والقلب متسع للأمنيات والأحلام والفرح. هذه هي أنا قبل أن يقرر بنيامين أن يبني أمجاده الشخصية فوق كل هذا الخراب وعلى أشلاء وجثث عشرات آلاف الأطفال والنساء. هذه هي أنا قبل أن نتجرع ومعي أكثر من مليوني فلسطيني في غزة ممن خبروا القتل والتشريد، طعم الخذلان من مجتمع دولي يرى الظلم الذي نعيشه منذ سبعة وسبعين عاماً، ولم يحرك ساكناً للانتصار لنفسه أولاً ولمبادئ الحق والعدالة المزعومة، ولم يفعل حتى أضعف الإيمان، بل كان شريكاً للجاني في معظم الأحيان.

دلالات

شارك برأيك

رهف عياد: هذه هي أنا حين كان في العقل والقلب متسع للفرح والأمنيات والأحلام

المزيد في فلسطين

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1259)