Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo
Logo

فلسطين

الخميس 08 مايو 2025 12:15 مساءً - بتوقيت القدس

جميل السلحوت.. "القدس" منبر البداية والبوصلة التي لا تخون

خاص بـ"القدس" و"القدس" دوت كوم- مهند ياسين

-"القدس" احتفطت بمكانة ريادية وأهمية خاصة رغم الرقابة العسكرية الإسرائيلية الصارمة وكانت الأبرز بين المطبوعات
-"القدس" واكبت اللحظة الفلسطينية بكل تفاصيلها ولهذا أصبحت مرجعًا لا يمكن الاستغناء عنه أو القفز عليه 
-المهنية العالية شكّلت واحدة من أبرز ميزات القدس وجعلتها تتفوق على نظيراتها  وتحافظ على مكانتها طيلة العقود الماضية
-شعرت بسعادة كبيرة عند تعيين إبراهيم ملحم رئيسًا للتحرير فقد رأيت في ذلك خطوة نوعية في مسيرة الجريدة وقفزة مهمة في تاريخها المهني

استعاد الأديب المقدسي جميل السلحوت في حديثه لـ"القدس" بمناسبة صدورها في عددها الـ 20,000، سيرة الجريدة كأنها سيرة وطنٍ لا تنكسر، مؤكّدًا أنها كانت "منبر التعبير الأول بعد نكسة حزيران، وصوت الفلسطيني في قلب المدينة المحتلة".


وأكّد السلحوت في حديثه أن "القدس" لم تكن صحيفة عادية، بل ذاكرة جماعية وأرشيفًا حيويًا لتاريخ المدينة، وأدبها وحركتها السياسية والثقافية. وبقدر ما شكّلت ملاذًا لكتّاب ما بعد ١٩٦٧، فقد بقيت – كما يقول – الصحيفة الأوسع انتشارًا والأكثر مهنية واستقلالية، من دون أن تنزلق إلى الحزبية أو الرقابة المُقيّدة، بل احتضنت الجميع وكتبت للكل، فاستحقّت أن تبقى، حتى اليوم، عنوانًا للثبات والاحترام.

صحيفة الريادة بعد النكسة

- كونك وُلدت ونشأت في القدس، كيف تتذكر بداياتك مع جريدة القدس؟ هل كانت جزءًا من البيت المقدسي في طفولتك؟
* عندما اندلعت حرب عام 1967 وما تبعها من هزيمة، كنت حينها في الثامنة عشرة من عمري. في تلك الفترة، توقفت جميع الصحف التي كانت تصدر في القدس قبل الاحتلال، مثل جريدة الجهاد والمنار وغيرها، عن الصدور.
عدد من الكتّاب الشباب آنذاك – مثل محمود شقير، وخليل السواحرة، وصبحي الشحروري، وجمال بنورة، وعبد الحميد طقش من غزة، لجأوا إلى الكتابة في الصحافة التابعة للحزب الشيوعي الإسرائيلي، تحديدًا في صحيفتي الاتحاد والجديد.
وعندما صدرت جريدة القدس بعد الحرب، أصبحت وسيلة التعبير الصحفية الأولى التي انطلقت من الأراضي المحتلة عام 1967. وقد استقطبت عددًا كبيرًا من الكتّاب المخضرمين إلى جانب وجوه جديدة برزت في تلك المرحلة، مثل أسعد الأسعد، وعادل سمارة، وخليل توما، وآخرين.
جاء صدور القدس في ظرف استثنائي، وشكّل حدثًا مهمًا في الحياة الصحفية الفلسطينية. ورغم خضوعها، كغيرها من الصحف العربية لاحقًا مثل الفجر، والشعب، والبيادر، للرقابة العسكرية الإسرائيلية الصارمة، فإن القدس احتفظت بمكانة ريادية وأهمية خاصة، وكانت الأبرز بين تلك الإصدارات.

صوت فلسطين تحت الاحتلال

- في ظل احتلال المدينة وتغير ملامحها، ما الدور الذي لعبته جريدة القدس في حماية الهوية الثقافية للمقدسيين؟
* كحال بقية الصحف التي صدرت لاحقًا، كانت جريدة القدس تواكب اللحظة الفلسطينية بكل تفاصيلها، وتنقل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، من مصادرة الأراضي إلى التوسع الاستيطاني وغير ذلك من الانتهاكات. ولهذا، أصبحت مرجعًا لا يمكن الاستغناء عنه، ولا يمكن القفز عليه من قِبل أي باحث مهتم بالشأن الفلسطيني منذ عام 1967.
إلى جانب دورها السياسي والإخباري، تميّزت الجريدة كذلك باحتضانها للمشهد الأدبي الفلسطيني، من خلال صفحتها الثقافية التي فتحت الباب أمام عدد كبير من الكتّاب الشباب الذين ظهروا بعد الاحتلال. فقد كتب فيها أدباء بارزون مثل: زكي العيلة، وعبد الله تايه، ومحمد أيوب، وصالح زقوت، وزياد الحواري، ومفيد دويكات، وجميل السلحوت، وجبرا حنونة، وجمال سلسع، وغيرهم ممن شقّوا طريقهم من صفحات القدس نحو المشهد الثقافي الفلسطيني.

مهنية تصمد أمام الزمن

-  أنت كاتب متعدد الأجناس، من القصة إلى الرواية إلى المقالة الساخرة... هل كان لجريدة القدس دور في احتضان بعض هذه التجارب؟
* نعم، كتبتُ في جريدة القدس أكثر من مرة، وكانت لي مقالات منشورة فيها. لكن بعد عام 1974، انتقلت للعمل في عدد من الصحف الفلسطينية، وانخرطت في العمل الصحفي بشكل مباشر، وهو ما جعل من غير اللائق – مهنيًا – أن أواصل النشر في صحيفة أخرى أثناء عملي في مؤسسات صحفية مغايرة.
ومع ذلك، لا يمكن بحال من الأحوال إنكار الدور الكبير الذي لعبته جريدة القدس، سواء في تشكيل الوعي العام، أو في احتضان الأقلام الجديدة، أو في تثبيت حضور الصحافة الفلسطينية في قلب الأراضي المحتلة، رغم كل القيود والرقابة. 
- ما الذي يجعل جريدة القدس، برأيك، قادرة على الصمود حتى العدد 20,000، رغم الأزمات السياسية والاقتصادية والإعلامية؟
* تُعد جريدة القدس أكثر الصحف مهنيةً التي صدرت في الأراضي المحتلة بعد عام 1967، إذ عمل فيها عدد من الصحفيين المحترفين، الذين امتلكوا خبرة حقيقية في العمل الصحفي الميداني والتحريري.
وقد انعكس ذلك على طبيعة الجريدة، فكانت الأكثر إتقانًا في جوانب عدة: من حيث الانتظام في الصدور، وجودة الإخراج الصحفي، ودقة صياغة الأخبار، وعمق المضمون التحريري.
هذه المهنية العالية شكّلت واحدة من أبرز ميزات القدس، وجعلتها تتفوق على نظيراتها، وتحافظ على مكانتها طوال العقود الماضية.

منبر غير حزبي

- هل ترى أن جريدة القدس نجحت في أن تكون منبرًا مفتوحًا لكل أطياف المشهد الثقافي الفلسطيني؟ أم أن هناك مساحات كان يمكن توسيعها أكثر؟
* ما ميّز جريدة القدس عن غيرها من الصحف الفلسطينية التي صدرت بعد عام 1967 أنها لم تكن صحيفة حزبية، بخلاف صحف أخرى كانت تتبع لتنظيمات أو جهات سياسية معينة بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذا لا يعني أنها كانت منفتحة بالكامل على جميع الاتجاهات، فقد كانت تخضع بدورها لنوع من الرقابة الداخلية، وكانت لها توجهات سياسية واضحة، لكنها بقيت أكثر استقلالية نسبيًا، وأكثر مهنية من كثير من الصحف الأخرى.
ورغم ذلك، لا يمكن إنكار الدور البارز الذي أدّته جريدة القدس في المشهد الصحفي الفلسطيني، سواء على صعيد التغطية أو في احتضان الأقلام والأفكار. 
- بحكم انخراطك في مبادرات مثل ندوة "اليوم السابع"، كيف ترى التكامل أو الفجوة بين الحراك الأدبي المقدسي والصحافة الثقافية في الجريدة؟
* كما يعلم جميع المهتمين بالحراك الثقافي في الأراضي المحتلة، فإن ندوة اليوم السابع انطلقت في الأول من آذار/مارس عام 1991، وشكّلت منذ ذلك الحين منبرًا أسبوعيًا حرًّا لمناقشة الإنتاج الأدبي والفكري الفلسطيني.
كنا نوثّق مجريات الندوة بشكل منتظم، وقد قامت جريدة القدس مشكورة بنشر العديد من جلساتها، مما ساهم في إيصال هذا النشاط الثقافي إلى جمهور واسع، ورسّخ مكانة الندوة كأحد أعمدة المشهد الثقافي الفلسطيني في مدينة القدس وخارجها.

ذاكرة طريفة مع الجريدة

- هل تحتفظ بذكريات خاصة مع عدد من أعداد الجريدة، أو بمقالات معينة شعرت أنها مثّلت لحظة مفصلية في تاريخ الصحافة المقدسية؟
* لا يحضرني موقف بعينه مع جريدة القدس الآن، لكن ما يحضرني هو ملاحظة أعمق تتعلق بواقع الصحافة الفلسطينية عمومًا، وخصوصًا الصحف الصادرة في الأراضي المحتلة.
في تقديري، إن قوة أي صحيفة تنبع من قدرتها على تغطية الأخبار المحلية بعمق وصدق، ومن فسح المجال للأقلام المحلية، خاصة في بيئة معزولة جغرافيًا ومحصورة سياسيًا كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لكن للأسف، بعض الصحفيين المحليين كانوا يلجؤون إلى إعادة نشر مقالات من صحف عربية تصدر في الخارج، عوضًا عن تسليط الضوء على الأصوات المحلية التي تعيش وتكتب من داخل المعاناة اليومية.
ومن المواقف الطريفة التي لا تغيب عن ذاكرتي، أننا أرسلنا إحدى ندوات "اليوم السابع" إلى جريدة القدس في ذات الليلة التي عُقدت فيها، لكنها لم تُنشر. المفارقة أن صحيفة القدس العربي الصادرة في لندن قامت بنشرها في اليوم التالي مباشرة. وبعد نحو شهرين، فوجئنا بأن جريدة القدس تنشر النص نفسه، لكن هذه المرة منقولًا عن القدس العربي!
ذهبت حينها إلى مكاتب الصحيفة في القدس، واجتمعت مع عدد من المحررين الذين فوجئوا بدورهم عندما أخبرتهم أن النص أُرسل إليهم أصلًا، قبل أن يُعاد إليهم من الخارج عبر صحيفة أخرى.

أرشيف غني للباحثين

- بصفتك ناقدًا اجتماعيًا، هل ترى أن جريدة القدس نجحت في أن تعكس تحولات المجتمع المقدسي وتناقضاته؟
* هذا السؤال يتجاوز حدود جريدة القدس وغيرها من الصحف الفلسطينية، فالجريدة بطبيعتها صحيفة إخبارية عامة، وليست متخصصة في الشأنين الاجتماعي أو الاقتصادي بشكل معمّق.
مع ذلك، كانت القدس تواظب على نقل الأحداث والوقائع التي كانت تردها من الميدان، عبر مراسليها أو المواطنين داخل الأراضي المحتلة، ما جعلها توثق، بشكل غير مباشر، العديد من التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع الفلسطيني عبر العقود.
وبالتالي، فإن أرشيفها يُعد اليوم موردًا ثمينًا للباحثين في علم الاجتماع وغيره، كونه يعكس تطورات الحياة اليومية وتبدلات الوعي الشعبي في سياق الاحتلال.
-   بمناسبة صدور العدد 20,000، ما الرسالة التي توجهها لفريق تحرير الجريدة اليوم، وللقراء، وللجيل الجديد من الصحفيين المقدسيين؟
* شعرت بسعادة كبيرة عندما تم تعيين إبراهيم ملحم رئيسًا لتحرير جريدة القدس، فقد رأيت في ذلك خطوة نوعية في مسيرة الجريدة، وقفزة مهمة في تاريخها المهني.
جريدة القدس تُعد اليوم الأكثر توزيعًا وانتشارًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرارها في الصدور لما يقارب أكثر من نصف قرن يُسجَّل لصالحها كإحدى ركائز الصحافة الفلسطينية.
وعلى مدار السنوات، كان معظم الكُتّاب الشباب – في مراحلهم العمرية المختلفة – يتجهون أولًا إلى القدس، باعتبارها العنوان الصحفي الأبرز، والمنبر الذي طالما منحهم فرصة البدايات.

الكفاءة قبل الولاء

وفي ختام حديثه، وجّه جميل السلحوت ملاحظة مهمة إلى القائمين على جريدة القدس، وإلى كافة العاملين في الصحافة المحلية الفلسطينية، قائلًا: "أود أن أضيف أمرًا أراه ضروريًا، وهو أن آلية تعيين العاملين في الصحف لا ينبغي أن تقوم على العلاقات الشخصية أو الانتماءات السياسية، كما يحدث في كثير من الأحيان، بل يجب أن تُبنى على أساس الكفاءة المهنية فقط ".
وأضاف: "من المهم أن تظل أبواب الصحيفة مفتوحة أمام مختلف الأقلام، بغض النظر عن التوجه السياسي أو الفكري، أو العلاقة الشخصية مع المحررين. ما يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار هو جودة المادة، وأهليتها للنشر، لا غير".

دلالات

شارك برأيك

جميل السلحوت.. "القدس" منبر البداية والبوصلة التي لا تخون

المزيد في فلسطين

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟

%56

%44

(مجموع المصوتين 1265)