د. سعيد شاهين: خطة توزيع المساعدات عبر آلية دولية "ضرورية ومريبة".. وإسرائيل تستغلها سياسياً وأمنياً
طلال عوكل: هذه الآلية خطيرة جداً لما تحمله من تداعيات إنسانية وسياسية وستُبقي سكان غزة "رهائن دائمين" تحت رحمة هذه المساعدات
ياسر مناع: هذه الآلية ليست "خطة إنقاذ إنساني" بل محاولة لإعادة تصميم الاحتلال وتحويل الكارثة إلى حالة قابلة للإدارة لا للمساءلة أو الحل
سماح خليفة: هذه الخطة التي تُروَّج كمبادرة إنسانية قد تكون غطاءً لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على القطاع وخدمة مشاريع مستقبلية
عماد موسى: خطوة غير مسبوقة في تاريخ الصراعات وتهدف إلى تمرير مشروع الإبادة بـ"أيادٍ إنسانية" تخدم إسرائيل وتجنبها المساءلة الدولية
محمد جودة: الآلية الجديدة ليست خطوة إنسانية بل سياسية تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في غزة باستخدام أدوات ناعمة وخشنة
في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها قطاع غزة، تثار تساؤلات واسعة حول آلية جديدة يجري الترويج لها لتوزيع المساعدات الإنسانية، تحت إشراف دول مانحة ومؤسسات دولية، وبمراقبة إسرائيلية مباشرة.
ويقول كتاب ومحللون سياسيون ومختصون وأساتذة جامعات في أحاديث منفصلة مع "القدس"، إن الخطة وإن جاءت في سياق يوحي بأنها ضرورة إنقاذ عاجلة لحياة أهالي قطاع غزة، لكن يتصاعد القلق من كونها تغلّف أهدافاً سياسية وأمنية خلف ستار العمل الإنساني.
ويشيرون إلى أن هذه الخطة قد تتحول إلى أداة تحكم وسيطرة على أهالي قطاع غزة، لا سيما مع الحديث عن مشاركة شركات أمنية خاصة وإشراف عسكري إسرائيلي على نقاط التوزيع.
ويحذرون من أن هذه المبادرة قد تُستخدم لتبييض صورة إسرائيل دولياً، مع استمرارها في تنفيذ سياساتها العسكرية والعدوانية دون توقف، مشيرين إلى أن ما يبدو محاولة لتخفيف الجوع هو في حقيقته "إدارة للأزمة لا حلاً لها"، في وقت يغيب فيه أي أفق حقيقي لوقف العدوان أو الوصول إلى تسوية سياسية عادلة.
خطوة مهمة ولكن...
ويحذّر أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الخليل، د. سعيد شاهين، من الأبعاد الأمنية والسياسية المحتملة لآلية توزيع المساعدات الإنسانية على سكان قطاع غزة، والتي يتم الحديث عن تنفيذها عبر مؤسسة دولية تديرها دول مانحة وجهات خيرية، بإشراف إسرائيلي مباشر.
وفي الوقت نفسه، يشدّد شاهين على أهمية هذه الخطوة في إنقاذ ملايين الأرواح في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها القطاع، وهي ضرورية لكنها مريبة، إذ إن إسرائيل قد تستغلها سياسياً وأمنياً.
ويوضح شاهين أن الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات يروج لها بأنها تقضي بأن يحصل المدنيون الفلسطينيون في غزة على "حزمة مساعدات واحدة أسبوعياً تكفي لسبعة أيام"، تحت إشراف أمني إسرائيلي مباشر.
ويقول شاهين: "رغم أن هذه الخطة تحمل في طياتها "خطورة بالغة وأبعاداً أمنية حساسة"، إلا أنها تمثل "أولوية قصوى" في الوقت الراهن، نظراً للجوع الذي ينهش أجساد نحو مليوني فلسطيني في القطاع المحاصر، نتيجة سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى "تركيع الفلسطينيين عبر التجويع والتعطيش".
ويشير شاهين إلى أن هناك مخاوف مشروعة من أن تتحول نقاط توزيع المساعدات هذه إلى "مراكز أمنية بغطاء إنساني"، تُستخدم لتعقب المقاومين الفلسطينيين، مشدداً على أن إسرائيل لا تقدم على أي خطوة دون أن تكون مدروسة ومخططة بعناية.
ويضيف شاهين: "كل ما تقوم به إسرائيل تحكمه حسابات دقيقة لجني مكاسب سياسية وأمنية وعسكرية، وهي اليوم تسعى لتقويض سلطة حماس عبر هذه الخطوة، في إطار استراتيجية طويلة الأمد".
ويعتبر شاهين أن هذه الخطة، رغم غموضها وخطورتها، "إيجابية بامتياز في الوقت الراهن"، نظراً إلى الحاجة الملحّة لإنقاذ أرواح المدنيين الذين باتوا رهائن للجوع والحصار، في ظل حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من 17 شهراً.
الأولوية لوقف القتل والإبادة اليومية
ويؤكد شاهين أن الأولوية تبقى لوقف القتل والإبادة اليومية التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحق النساء والأطفال والرجال.
ويرى شاهين أن إسرائيل، من خلال هذه الآلية، "تحقق مكاسب مزدوجة"، فهي من جهة تظهر بمظهر الطرف المتجاوب مع ضغوط المجتمع الدولي، ما يخفف عنها الضغط السياسي والدبلوماسي، ومن جهة أخرى تواصل عملياً تنفيذ عملياتها العسكرية دون توقف، مستغلةً انشغال العالم بأزمات أخرى في المنطقة.
ويوضح شاهين أن إسرائيل تعمل على تشتيت الانتباه الدولي عن جرائمها في غزة، من خلال "افتعال أزمات أمنية وسياسية إقليمية"، مثل الضربات المتكررة في سوريا، وتهديداتها بضرب المنشآت النووية الإيرانية، بالإضافة إلى استمرار عدوانها على لبنان واليمن، وكل ذلك يتم بدعم ومساندة أميركية مباشرة.
ويقول شاهين: "ترى إسرائيل أن هذه الآلية تخدم مصالحها بالكامل، ويمكنها وقفها متى شاءت، طالما أن جزءاً من المجتمع الدولي يشاركها الجريمة، والجزء الآخر عاجز حتى عن مطالبتها بالامتثال للقانون الإنساني الدولي".
المجاعة في القطاع بلغت مستويات كارثية
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن لجوء إسرائيل إلى الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، والتي يتم تنفيذها بإشراف دول مانحة وغطاء دولي وبمراقبة إسرائيلية، يهدف في جوهره إلى تخفيف الضغط الدولي المتصاعد عليها، بعد أن بلغت المجاعة في القطاع مستويات كارثية، وظهرت صور الجوع والأمراض بوضوح أمام الرأي العام العالمي.
ويوضح عوكل أن هذه الخطة لا تنفصل عن محاولة إسرائيل تصعيد الضغط على حركة "حماس" وحاضنتها الشعبية، من خلال تعميق حالة الفوضى والانقسام داخل المجتمع الغزي، وإظهار عجز المؤسسات الإدارية التي تديرها الحركة عن الاستجابة لحاجات السكان الأساسية.
ويشير عوكل إلى أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الآلية إلى تنفيذ عملية فصل دقيقة بين من تصنفهم على أنهم "مدنيون غير منتمين لفصائل المقاومة"، وبين من تعتبرهم أهدافاً مشروعة لسياسة الخنق والتجويع. ويتطلب تنفيذ هذه السياسة، بحسب عوكل، "قاعدة بيانات أمنية معقدة"، تُمكّن من تحديد من يستحق الحصول على المساعدات ومن لا يستحق، وفق المعايير الإسرائيلية، وهو ما يُعد تدخلاً مباشراً في النسيج الاجتماعي والسكاني للقطاع.
تداعيات إنسانية وسياسية
ويصف عوكل هذه الآلية بـ"الخطيرة جداً"، لما تحمله من تداعيات إنسانية وسياسية، مؤكداً أنها ستُبقي سكان غزة "رهائن دائمين" تحت رحمة هذه المساعدات، مع إخضاعهم لعمليات مراجعة مستمرة تهدف إلى فحص مدى التزامهم بالمعايير التي تحددها إسرائيل.
ويرى عوكل أن دعم الولايات المتحدة لهذه الآلية يعكس مدى تعقيد المشهد السياسي، ويؤشر إلى صعوبة التوصل إلى اتفاق تهدئة في المدى القريب، مؤكداً أن هذه الإجراءات تهدف إلى إرغام حماس على الرضوخ للشروط الإسرائيلية من دون تقديم أي ضمانات بوقف العدوان، مشككاً في إمكانية خضوع الحركة لمثل هذه الضغوط.
استراتيجية إسرائيلية لإدارة الأزمة
بدوره، يقول الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع أن الآلية الجديدة التي يروج لها لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، تأتي في سياق استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إدارة الأزمة لا حلها، والتحكم في السكان الفلسطينيين تحت غطاء إنساني ظاهري يخفي أهدافاً سياسية وأمنية أعمق.
ويوضح مناع أن هذه الآلية، التي ستُنفذ من خلال مؤسسة دولية بإشراف دول مانحة وشركة أمنية أميركية خاصة، وبتنسيق مباشر مع الجيش الإسرائيلي الذي سيتولى تأمين محيط نقاط التوزيع، تمثل تحولاً خطيراً في طبيعة التعامل مع الكارثة الإنسانية في غزة.
ويقول مناع: "إن ما تبدو خطوة إنسانية في الشكل، هو في الواقع إدارة للحرب بأدوات مدنية، تُقصي الجهات الفلسطينية وتُخضع السكان لمنطق الإدارة الإنسانية تحت السيطرة الأمنية".
ويشير مناع إلى أن الآلية الجديدة لا تنفصل عن منطق الاحتلال الذي يسعى إلى السيطرة غير المباشرة على سكان قطاع غزة، مشدداً على أن تحويل المساعدات إلى مشروع مؤسسي خارجي، يُدار بالكامل من خارج البيئة المحلية، يُكرّس رؤية إسرائيلية ترى في الغزيين مجرد "ملف لوجستي" ينبغي احتواؤه مؤقتاً، لا شعباً من الواجب إنقاذه وتمكينه من حقوقه.
إدامة حالة الانهيار الإنساني
ويؤكد مناع أن هذه الخطوة تهدف إلى احتواء المجاعة في غزة دون وقف العدوان أو التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية، ضمن استراتيجية إسرائيلية أوسع تسعى إلى "إدامة حالة الانهيار الإنساني" ومنع الانفجار الشعبي أو تصاعد الضغوط الدولية، من خلال تقديم "مسكن إنساني مدجّن" يخضع بالكامل للرقابة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
ويوضح مناع أن الهدف من دعم هذه الآلية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لا يقتصر على التخفيف الظاهري من الكارثة، بل يندرج ضمن محاولة لإعادة ترميم الدور الأميركي المنهار أخلاقيًا في نظر الرأي العام الدولي، عبر تقديم نموذج مؤسسي يبدو "محايداً"، بينما يخدم فعليًا الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة.
ويحذّر مناع من أن أي نجاح محتمل لهذه الخطة سيكون "تقنياً فقط"، مشيراً إلى أن انتظام الشحنات، ووضوح نقاط التوزيع، وتنسيق العمليات لا يلغي حقيقة أنها تتم داخل منظومة استعمارية ما زالت تمارس القصف، وتتحكم في المعابر، وتمنع الإعمار، مما يجعل الحديث عن "نجاح إنساني" محاولة لتطبيع الكارثة وتمديد عمر الحرب.
ويؤكد مناع أن هذه الآلية "ليست خطة إنقاذ إنساني، بل محاولة لإعادة تصميم الاحتلال، وتحويل الكارثة إلى حالة قابلة للإدارة، لا للمساءلة أو الحل"، مشدداً على أن ما يجري هو "إدارة للجوع لا إنهاءه، وتحكم في السكان لا حمايتهم، وإدامة للحرب لا وقفها".
الخطة تخفي أهدافاً سياسية واستراتيجية
من جهتها، تؤكد الكاتبة والمحللة السياسية سماح خليفة أن الضغوط التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتبني خطة توزيع مساعدات إنسانية في قطاع غزة تخفي أهدافاً سياسية واستراتيجية تهدف إلى تحسين صورة كل من ترامب وإسرائيل أمام العالم، بينما تستمر الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين.
وتشير خليفة إلى أن هذه الخطة، التي تُروَّج كمبادرة إنسانية، قد تكون غطاءً لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على القطاع وخدمة مشاريع مستقبلية.
ووفقاً لخليفة، يواصل الجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين في غزة، مدعياً أنهم عناصر من حركة حماس، دون تقديم أدلة مقنعة.
وتستشهد خليفة بحوادث مثل استهداف مجموعة من الشباب العزل أثناء تناولهم الشاي، مؤكدة أن إسرائيل لم تعد تهتم بتبرير عمليات القتل، مما يثير تساؤلات حول كيفية ضمان حماية المدنيين أثناء توزيع المساعدات.
وتتساءل خليفة: "كم شخص سيُقتل بحجة الاشتباه بانتمائه لحماس أثناء تحركهم لاستلام المساعدات؟"، خاصة في ظل فقدان العديد من الفلسطينيين لأوراقهم الثبوتية نتيجة الحرب.
وتنتقد خليفة الخطة المقترحة لتوزيع المساعدات، مشيرة إلى أن إسرائيل قد تستخدم عمليات التفتيش المكثفة للمدنيين ذهاباً وإياباً لضمان "عدم تكرار المساعدات" أو للتأكد من عدم وجود عناصر من حماس، مما يزيد من معاناة السكان.
وتلفت خليفة إلى أن حرص إسرائيل على منع وصول المساعدات إلى حماس يعني حرمان الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة من الغذاء والرعاية الطبية، مما قد يؤدي إلى موتهم بسبب المجاعة.
وتؤكد خليفة أن هذا الوضع يتعارض مع هدف حماس المتمثل في الحفاظ على حياة الأسرى لاستخدامهم في مفاوضات تبادل الأسرى، مما قد يدفع الحركة إلى تركهم للمصير المحتوم.
خشية من وضع أجهزة تتبع داخل المساعدات
وتحذر خليفة من أن التزام إسرائيل بتمويل الأعمال الهندسية لبناء البنية التحتية لتوزيع المساعدات قد يكون خطوة لتهيئة القطاع للسيطرة الكاملة عليه، ممهدة الطريق لتنفيذ مشاريع استيطانية أو اقتصادية مستقبلية.
وتشير خليفة إلى احتمال استخدام إسرائيل لأجهزة تتبع في المساعدات لمراقبة المدنيين واكتشاف مواقع حماس، مما يعزز الشكوك حول النوايا الحقيقية للخطة.
وترى خليفة أن ترامب يسعى من خلال هذه الخطة لتلميع صورته كـ"رجل سلام" أمام ناخبيه، رغم فشله في الوفاء بوعوده السابقة بوقف الحروب ودعم الشعوب المضطهدة.
وتؤكد خليفة أن إسرائيل تستغل هذه المبادرة إعلامياً لتصوير نفسها كدولة إنسانية تحارب "الإرهاب"، بينما تتجاهل الوضع المأساوي في غزة، حيث تنتشر المجاعة والأمراض بسبب انعدام الرعاية الطبية.
وتحذر خليفة من أن الوضع الصحي والبيئي في القطاع ينذر بكارثة، مشيرة إلى أن الهدف الإسرائيلي ليس إنقاذ المدنيين، بل منع إثارة غضب المجتمع الدولي.
وتقول خليفة: "إسرائيل تريد من المدنيين أن يموتوا بهدوء دون إحداث مشاكل بيئية"، مؤكدة أن التجويع لن يقضي على حماس، التي لا تعتمد على هذه المساعدات، وأن التعاون الدولي في إنشاء نقاط توزيع قد يكون جزءاً من خطة أوسع لتعزيز السيطرة الإسرائيلية على غزة.
إسرائيل تسعى لتلميع صورتها الإنسانية
الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى يقول إن حكومة الاحتلال الإسرائيلي التي يرأسها بنيامين نتنياهو تواصل جرائم الإبادة في قطاع غزة، بينما تسعى ظاهرياً لتلميع صورتها الإنسانية من خلال خطط مزعومة لتوزيع المساعدات.
ويرى موسى أن الخطوة لتوزيع المساعدات هي غير المسبوقة في تاريخ الصراعات، تهدف إلى تمرير مشروع الإبادة بـ"أيادٍ إنسانية"، مع تحقيق أهداف استراتيجية تخدم إسرائيل وتجنبها المساءلة الدولية.
ووفقاً لموسى، تتبع إسرائيل آلية مدروسة تتضمن ثلاثة أهداف رئيسية: إطالة أمد تجويع سكان غزة عبر التحكم في تدفق المساعدات، مما يفاقم الأزمة الإنسانية، وتحميل المجتمع الدولي أو الأطراف الفلسطينية مسؤولية أي تأخير في التمويل أو تعثر في توصيل المساعدات، لتظهر إسرائيل كطرف يسعى للحلول الإنسانية، وإعفاء نفسها من المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الانتهاكات، عبر استراتيجية "تحميل الضحية المسؤولية".
ويحذر موسى من أن إسرائيل قد تفتعل حوادث تُلقي باللوم فيها على الفلسطينيين، مثل اتهام أطراف فلسطينية بمسؤولية سقوط ضحايا، لتظهر كأنها تلتزم بقوانين الحرب وتتجنب المساءلة الدولية.
ويصف موسى هذه الخطة بأنها "محاولة بائسة" لإخفاء مشروع الإبادة، مشيراً إلى أنها نتاج جدل داخلي بين أركان حكومة نتنياهو لإيجاد مخرج يحافظ على أهداف إسرائيل الاستراتيجية من الحرب.
إقصاء مصر عن أي دور فعال في إدارة الأزمة
ويؤكد موسى أن نجاح الخطة أو فشلها يعتمد على الموقف الدولي، وبالأخص الموقف المصري، حيث تسعى إسرائيل إلى إقصاء مصر عن أي دور فعال في إدارة الأزمة، بهدف الاستفراد بقطاع غزة وتعزيز سيطرتها عليه.
ويدعو موسى مصر للتصدي لهذه الخطة من خلال الضغط لضمان وصول المساعدات دون قيود، وكشف النوايا الحقيقية وراء الخطوات الإسرائيلية، لمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية تحت ستار العمل الإنساني.
ويؤكد موسى أن هذه الخطوة تعكس نهجاً إسرائيلياً متكرراً في الصراع، يعتمد على التلاعب بالرواية الإعلامية لتصوير إسرائيل كدولة إنسانية، بينما تواصل سياساتها العدوانية.
ويشير موسى إلى أن استمرار إسرائيل في عرقلة المساعدات وفرض قيود على تحركات المدنيين يكشف زيف الادعاءات الإنسانية، محذراً من أن الهدف الأساسي هو تهيئة القطاع لمشاريع مستقبلية تخدم أجندة الاحتلال.
إعادة هندسة السيطرة على القطاع
بدوره، يحذر الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة من الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، التي تأتي في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث بلغ الجوع مستويات خطيرة تهدد حياة مئات الآلاف من السكان، مشيراً إلى أن هناك العديد من المحاذير للتعامل معها.
ويرى جودة أن هذه الآلية، رغم مظهرها الإنساني، تثير شكوكًا جدية حول أهدافها الحقيقية، محذرًا من أنها قد تكون جزءًا من استراتيجية أوسع لإعادة هندسة السيطرة على القطاع تحت غطاء إنساني.
ويوضح جودة أن الآلية المقترحة، التي تشمل إشرافًا إسرائيليًا غير مباشر ومشاركة شركة أمنية أمريكية خاصة، تبدو في ظاهرها استجابة لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة.
ويحذر جودة من أن هذا الإطار قد يحول نقاط توزيع المساعدات إلى أدوات للرقابة والسيطرة، وربما استغلال الحاجة الإنسانية لتحقيق أهداف سياسية وأمنية.
ويشير جودة إلى أن تخصيص حزمة مساعدات واحدة أسبوعيًا لا يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية، حيث يعاني القطاع من انهيار كامل للبنية التحتية وغياب النظام الصحي، مما يفاقم المجاعة ويهدد حياة السكان.
ويؤكد جودة أن الهدف المعلن للآلية هو تنظيم توزيع المساعدات وضمان وصولها إلى المدنيين، لكن الواقع يكشف عن أهداف أعمق.
حملة ممنهجة لتقويض دور الأونروا
ويرى جودة أن هذه الخطوة تأتي في سياق حملة ممنهجة لتقويض دور وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والمنظمات المحلية، بعد اتهامات متكررة للأونروا بالتعاون مع حركة حماس.
ويعتقد جودة أن هذه الآلية الجديدة تهدف إلى فرض وقائع ميدانية جديدة تقلص دور المقاومة الفلسطينية، وتعمق الانقسام السياسي والجغرافي في القطاع، بينما تسعى إسرائيل والولايات المتحدة لتصوير أنفسهما كـ"منقذين" أمام المجتمع الدولي.
ويشير جودة إلى أن نجاح هذه الآلية يعتمد على عوامل عدة، منها قبول سكان غزة بها، وفاعلية التوزيع، واستمرار التمويل.
ويرى جودة أن فقدان الثقة بإسرائيل وشركات الأمن الخاصة يجعل من غير المرجح أن تحقق الآلية نجاحًا مستدامًا أو أن تشكل حلًا حقيقيًا للأزمة.
ويشير جودة إلى أن التحرك الإسرائيلي-الأمريكي لا يأتي في فراغ، بل يندرج ضمن استراتيجية تهدف إلى "خصخصة" المساعدات الإنسانية وربطها برؤية أمنية وسياسية، بدلاً من نهج إنساني محايد.
ويوضح جودة أن الأهداف السياسية لهذه الآلية تتجاوز مجرد إيصال المساعدات، إذ تسعى إلى إعادة تشكيل الحوكمة الإنسانية في غزة بعيدًا عن حماس والأونروا، مما يضعف أي مظاهر للسيادة المحلية أو التمثيل الوطني، كما أنها تهدف إلى تطبيع الوجود الأمني غير المباشر من خلال شركة أمريكية، مما قد يمهد لإدارة دولية أو جزئية للقطاع.
فرص نجاح هذه الآلية تبدو ضعيفة
ويلفت جودة إلى أن هذه الآلية تسعى أيضًا لتهدئة الضغوط الدولية على إسرائيل من خلال إظهار "جدية" في إدخال المساعدات، مع الحفاظ على السيطرة الميدانية والسياسية.
ويحذر جودة من أن فرص نجاح هذه الآلية على المدى المتوسط والبعيد تبدو ضعيفة لعدة أسباب، أبرزها غياب الثقة الشعبية بالأطراف المشرفة، خاصة أن من يشرف عليها إسرائيل المسؤولة عن الحصار والدمار.
ويشير جودة إلى احتمالات تصاعد التوترات الأمنية حول نقاط التوزيع إذا ارتبطت المساعدات بإجراءات رقابة أو انتقاء.
ويرى جودة أن تعقيدات التمويل والتشغيل، إلى جانب المعارضة المحتملة من جهات دولية وأممية، قد تعرقل تنفيذ الخطة، مشيراً إلى أن الأطراف الفلسطينية، وعلى رأسها حركة حماس، لن تقبل بهذه الآلية كأمر واقع، نظرًا لبعدها السيادي.
ويؤكد جودة أن الآلية الجديدة ليست مجرد خطوة إنسانية، بل هي سياسية بامتياز، تهدف إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في غزة باستخدام أدوات ناعمة وخشنة.
ورغم الدعم الدولي المحتمل والتمويل، يرى جودة أن الرفض الشعبي والوطني قد يفشل هذا المخطط أو يفرغه من مضمونه، ما لم يكن جزءًا من حل سياسي شامل وعادل ينهي الاحتلال ويعالج جذور الأزمة بدلاً من الاكتفاء بمعالجة أعراضها.
شارك برأيك
آلية توزيع المساعدات.. خطة مريبة محفوفة بشبهات أمنية وسياسية