أقلام وأراء
الجمعة 10 يناير 2025 8:55 صباحًا - بتوقيت القدس
سيكولوجية المجموعة في فلسطين.. درع النضال وسيف الانقسام

في فلسطين، حيث تختلط الدماء بالتراب، وحيث يحاول الاحتلال طمس كل معالم الحياة، تبرز سيكولوجية المجموعة كدرع أساسي في معركة الصمود. إنها القوة التي تُعيد بناء ما هدمته آلة الحرب، وتُلهم الفرد بأن وجوده جزء من نسيج جماعي متماسك. لكن هذه القوة، كما يمكن أن تبني، قد تتحول إلى معول للهدم، إذا ما تم استغلالها بشكل خاطئ، أو انزلقت في متاهات الانقسام.
في العدوان الأخير على غزة، حينما لم يبقَ سوى الأنقاض شاهدة على الوجود البشري، انبثقت روح الجماعة لتعيد الحياة إلى ما بدا أنه انتهى. خالد، وهو عامل بسيط، فتح منزله المتواضع لإيواء عائلات مشردة من حي الشجاعية. يقول: "لم أشعر للحظة أنني أقدم معروفاً. في هذه اللحظات، نحن عائلة واحدة، وبيوتنا ملك لكل من فقد بيته."
هذه اللحظات تعكس كيف تتحول سيكولوجية المجموعة في فلسطين إلى حبل نجاة. من المبادرات الشعبية لإعادة بناء المنازل، إلى الأمهات اللواتي يعتنين بأطفال الجيران أثناء القصف، يظهر الفلسطينيون قدرتهم على تحويل المأساة إلى فرصة لتعزيز الوحدة.
الاحتلال الإسرائيلي لم يستهدف فقط الأرض، بل حاول طمس الهوية الوطنية الفلسطينية. لكن في مواجهة هذه المحاولات، تحولت سيكولوجية المجموعة إلى أداة ثقافية للمقاومة. الجدران التي تغطيها رسوم تُخلّد الشهداء، والأثواب المطرزة التي تحمل حكايات النكبة والنضال، كلها تعكس هذه المقاومة الثقافية.
في القدس، تحدثت أم أحمد عن تعليمها حفيدتها فن التطريز الفلسطيني. قالت: "هذا الثوب ليس مجرد قطعة قماش. إنه تاريخنا، وهوية لا يمكن للاحتلال أن يمحوها. عندما تُكمل حفيدتي الثوب، ستكون قد غرزت في كل غرزة قصة من قصص قرانا المهجرة."
وكما يمكن للمجموعة أن تكون أداة قوة، فإنها قد تتحول إلى عبء إذا ما غاب الوعي. الانقسام السياسي بين غزة والضفة الغربية لم يكن مجرد اختلاف في الرؤى، بل نزيف جماعي أثّر على روح الصمود الفلسطيني وأضعف التضامن العالمي.
الشاب محمود من رام الله، الذي شارك في مظاهرة تطالب بإنهاء الانقسام، عبّر عن إحباطه قائلاً: "نحن نحارب الاحتلال بيد، ونُضعف أنفسنا باليد الأخرى. لا يمكن أن ننتصر إذا كنا نقاتل بعضنا البعض."
هذا الانقسام لم يقتصر على الفصائل السياسية فحسب، بل تسرب إلى المجتمع، حيث باتت الانتماءات الحزبية تُحدد العلاقات اليومية، وتُعمق الفجوة بين المواطنين.
في كثير من الأحيان، يتحول الانتماء إلى المجموعة إلى ضغط نفسي هائل على الفرد، مما يخلق بيئة تسلبه حريته في التفكير والتعبير. في بعض الفصائل أو العائلات الفلسطينية، يُطلب من الفرد الامتثال التام لقواعد الجماعة وقراراتها، حتى لو تعارضت مع قناعاته الشخصية.
شاب فلسطيني يعمل في منظمة مجتمع مدني وصف هذا الضغط قائلاً: "أحياناً، أجد نفسي مضطراً لدعم قرارات لا أؤمن بها، فقط لأني أخشى أن أُتهم بعدم الولاء أو التخلي عن المجموعة. هذا الشعور يخلق اغتراباً داخلياً ويُضعف قدرتي على المبادرة."
هذا النوع من الضغوط يقتل التنوع داخل المجموعة ويمنع ظهور أفكار جديدة. بدلاً من أن تكون المجموعة حاضنة للإبداع، تتحول إلى مساحة للجمود الفكري. في سياق الاحتلال، حيث يحتاج الفلسطينيون إلى كل طاقة ممكنة، يصبح هذا الاغتراب خسارة كبيرة للمشروع الوطني.
إن استعادة المجموعة كأداة للتحرر تتطلب جهداً مستداماً لإعادة صياغة دورها في الحياة الفلسطينية. يجب أن تتحول المجموعة إلى فضاء يعزز القيم الإنسانية والوطنية العليا ويحتضن التنوع الفكري، بدلاً من أن تكون أداة للتقسيم أو الإقصاء.
لا بد من تعزيز الهوية الوطنية بوصفها مظلة تتجاوز كل الانتماءات الحزبية والفئوية. عندما يُرفع علم فلسطين، يجب أن يُغطي الجميع دون استثناء. القصص والروايات التي تعكس نضال الفلسطينيين ككل، بغض النظر عن انتماءاتهم، يمكن أن تخلق وعياً جديداً يعيد توحيد الصفوف.
كما يجب تشجيع الحوار الحر داخل المجموعات، بحيث يكون لكل فرد حق في التعبير والمشاركة. هذا الحوار لا يعني فقط تقبل الآراء المختلفة، بل تحويلها إلى نقاط قوة تثري المجموعة بدلاً من أن تفرقها.
وعلينا مواجهة القهر الداخلي الذي يتسلل إلى المجتمع الفلسطيني. القيم التقليدية التي تعيق المرأة أو تهمش الشباب يجب أن تُستبدل بمنظومة تكرس العدالة الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تعزيز دور المرأة في القيادة المجتمعية يمكن أن يكون خطوة نحو بناء مجموعة أكثر قوة وعدلاً.
أخيراً، لا بد من بناء جسور تضامن مع المجموعات العالمية التي تدعم القضية الفلسطينية. التضامن الدولي يمكن أن يمنح الفلسطينيين إحساساً بأنهم ليسوا وحدهم في المعركة، ويُبرز قضيتهم كجزء من نضال إنساني عالمي ضد الظلم والاستعمار.
في مواجهة الاحتلال، لا يمكن للفلسطيني أن يقف وحده. المجموعات الفلسطينية، بحسناتها وسيئاتها، هي القوة التي حافظت على القضية حية لعقود. لكنها قوة تحتاج إلى الوعي والانفتاح، حتى لا تتحول إلى عبء على مشروع التحرير.
كما قال أحد وجهاء مخيم جنين: "لا يكفي أن نواجه الاحتلال كخصم خارجي، بل يجب أن نواجه كل ما يفتك بنسيج وحدتنا من الداخل. حين نُصغي لصوت ضمائرنا ونجعل التكاتف بوصلتنا، تصبح قوتنا أعظم من أن يُقهرها عدو، وأعمق من أن تهزها رياح التفرقة."
إن سيكولوجية المجموعة ليست مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هي عماد النضال الفلسطيني. إنها القوة الكامنة التي، إذا أُحسن استثمارها، تستطيع أن تتجاوز الانقسامات، وأن تبني مشروعاً وطنياً جامعاً، يقود الفلسطينيين بثبات وكرامة نحو الحرية والتحرر.
دلالات
المزيد في أقلام وأراء
هل أصبحنا مدمنين على السرعة؟ تيك توك، العقل، وفقدان الصبر!
بقلم : صدقي ابوضهير : باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي
الذكاء الاصطناعي ووهم المعرفة
بقلم: عبد الرحمن الخطيب، مختص بتقنيات الذكاء الاصطناعي
الجنائية والجُناة!
ابراهيم ملحم
تغييب وترهيب
حديث القدس
الرئيس ترمب والتهجير والاستيلاء على غزة
فراس ياغي
أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي
عيسى قراقع
زيارة 1987.. عن مخيم الفارعة وصوت الشيخ إمام ويويا وإرهاصات الانتفاضة
توفيق العيسى
أوهام ترمب.. إعلان حرب
حديث القدس
هجوم "الصدمة والرعب".. هل يحقق أهدافه؟
جيمس زغبي
لقاء نتنياهو مع ترامب
حمادة فراعنة
من يأخذ قلم ترامب من يده؟
بهاء رحال
مشروع ترامب للتطهير العرقي.. استهداف لفلسطين قضية وهوية
راسم عبيدات
اليوم الإسرائيلي - الأمريكي التالي لغزة والضفة
نبهان خريشة
المجنون!
ابراهيم ملحم
حرب ترامب الاقتصادية
حمادة فراعنة
العالم على كف "رئيس"
منظمة التحرير وشرعية التمثيل الوطني في الميزان الفلسطيني !!
محمد جودة
عندما يتحمل الفلسطيني المستحيل
حديث القدس
المشهد الراهن والمصير الوطني
جمال زقوت
الخيار العسكري الإسرائيلي القادم
راسم عبيدات
الأكثر تعليقاً
ترامب: الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتصبح مالكة له

العالم على كف "رئيس"

أحمل نعشي على كتفي وأمشي وأمشي

"حماس" تطالب بعقد قمة عربية طارئة لمواجهة مشروع التهجير

الرئيس عباس يصدر قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة مجلس تنظيم قطاع المياه

الرئيس ترمب والتهجير والاستيلاء على غزة

تصاعد العدوان على الضفة... خطة الحسم بالمسيّرات وأسنان الجرافات
الأكثر قراءة
مئات المواطنين ينزحون قسرا من مخيم الفارعة
منع إسرائيل ادخال المعدات الثقيلة إلى غزة يؤخر انتشال جثث المحتجزين

الرئيس عباس يصدر قراراً بإعادة تشكيل مجلس إدارة مجلس تنظيم قطاع المياه

ترامب: الولايات المتحدة ستسيطر على قطاع غزة وتصبح مالكة له

الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية يعربان عن رفضهما لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة

نتنياهو يهدي جهاز بيجر لترامب والأخير يعلق
العالم على كف "رئيس"


أسعار العملات
الخميس 06 فبراير 2025 8:54 صباحًا
دولار / شيكل
بيع 3.55
شراء 3.54
يورو / شيكل
بيع 3.67
شراء 3.68
دينار / شيكل
بيع 5.01
شراء 5.0
هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%55
%45
(مجموع المصوتين 585)
شارك برأيك
سيكولوجية المجموعة في فلسطين.. درع النضال وسيف الانقسام