أقلام وأراء

الأحد 17 ديسمبر 2023 10:54 صباحًا - بتوقيت القدس

نظيف اليد مرفوع الجبين عشت... ورحلت

آمنا رحلت، على بساط الإيمان والحق. حكمت... فعدلت.


لم يكن الحق كلمة في عباراتك فحسب بل هو نهج حياة ارتضيته ولم تحد عنه ايمانا بقوله تعالى:" فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ". وما كانت طاعة الله العلي العظيم سوى رأس الحكمة لديك وفعل إيمان ونهج حياة.


كم كنت شبيها بالكويت، أرضك وناسك وتراثها وماضيها وحاضرها، وكم كنت بصيرا في أسرة الخير تنظر إلى الأمور كما يجب أن تكون لا كما فرضتها الظروف. أعدت الأمور إلى أساسياتها وفطرتها الأولى. أبلغت ابناء أسرتك الصغيرة أنهم يجب أن يكونوا القدوة في السلوكيات والعمل والحضور، وأن السياسة تعني فن تكريس المبادئ لا فن التملص منها، وأن التوافق مع أهل الكويت هو الدستور الأساسي قبل قرون من الزمن وأي تجريح لهذا التوافق ضرب للعهد والعقد والميثاق.


وأبلغت أسرتك الكبيرة، أهل الكويت على تنوع مشاربهم، أن الميزان يكيل بمكيال واحد في الحقوق والواجبات، وأن أمن الكويت واستقرارها وسلام ساكنيها خط أحمر، وأن الحزم في تطبيق القانون أولوية على الشعارات والتعريفات مثل "الدهاء والمرونة"، وأن الحكم ملح الأرض يتطلب عدلا في الرعية وينبذ الالتفاف على العدل بحجج الضرورة والمواءمات السياسية تيمنا بحديث الرسول الكريم: "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن - وكلتا يديه يمين - الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا" .


في تقويم الزمن، لم تكن القيادة عبر مسند الإمارة طويلة، لكن القيادة بكل أهلها توفرت بكم منذ التدرج الأول، في قصر دسمان وفي مدرسة المباركية، وفي مؤازرة إخوانك الأمراء، وفي منصب المحافظ، وفي نيابة رئاسة الحرس الوطني، وفي وزارات الشؤون والدفاع والداخلية، ثم في ولاية العهد أمينا وعضيدا لأمير الإنسانية الراحل الشيخ صباح الأحمد... في كل تلك المناصب كنت رائدا تزرع بصمة خاصة وتحصد المحبة والولاء والانجاز، وفي كل تلك المناصب كنت أميرا بعدلك وحكمتك ورؤيتك وهدوئك. لا تغضب من نصيحة ولا تبخل بنصيحة "فالدين النصيحة" و"إذا استنصحك فانصح له" .


وعندما تسلمت مسند الإمارة نقلت كل ذلك التاريخ إليه. لم يكن المنصب غريبا عنك ولم تكن غريبا عليه. بقيت الأكثر التصاقا بالكويت، تستقبل الجميع بقلب مفتوح. يشعرون أنك أخ كبير أو أب لهم، تسأل عن كبارهم وتتحرى اخبار صغارهم، تبادر الى الاتصال والاطمئنان على الكبار وتوصي زائريك بأن ينقلوا الى صغارهم "توصيات أبوكم نواف لكم بأن تكثروا من العلم اليوم كي تصبحوا قادة الغد" .


وبين شؤون الحكم وادارة الدولة والاستقبالات والاجتماعات والتوجيهات، يبقى الوازع الديني سيد الأحكام، وتبقى الواجبات الإيمانية جرعة الروح التي غذت قيم العدل والمساواة وأمدتك بسلاح الصبر والهمتك نعمة البصيرة. تدخل المسجد وحيدا وتجلس وحيدا وتقرأ ما تيسر من الذكر الحكيم وتتلو الدعاء وتطلب الحماية والأمن والأمان والتقدم للكويت واهلها... ثم تغادر وحيدا وتتحدث مع من يتجمعون أمام سيارتك مرحبا مبتسما موجها. وكم كنت رحمك الله تردد قول الفاروق عمر رضي الله عنه:" آس بين الناس في مجلسك ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك" .


"وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". كانت من الآيات الكريمة التي رسمت خريطة الطريق لمرحلة كويتية ظللتها السعادة وتوجها الفرح. أثبت يا أمير العفو والتسامح أن الكويت تسكن في صدور أبنائها مهما أبعدتهم المسافات وأنها قلوبهم النابضة بالمحبة والانتماء.


سيدي صاحب السمو أميرنا الراحل، سنعلم أولادنا ما تعلمناه منك. أن تكون قلوبهم كبيرة بحجم قلب أبونا نواف، وأن القيادة في العمل حسم وحزم وحلم وحكمة ورؤية وابتسامة، فليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. وأن التواضع يزيدهم رفعة، وأن التكبر انعكاس لنقص والتوتر تعبير عن وهن.


ليس سرا أن الراحل الكبير الشيخ نواف الأحمد امتلك سر العلاقة مع أهل الكويت بعيدا من القوانين والدستور والأعراف والمجاملات. كانت كلماته عندما يحادثك تكفي لتمهيد كل طرق الاستجابة والحل، فهو يبدأ المكالمة "معاك والدك نواف" ويغرق السامع بالخجل... والفخر.


رحمك الله يا "أبونا نواف" لم يعرف الكويتيون عنك إلا الكلمة الطيبة ولم يسمعوا سوى التوجهات الأبوية مهما كانت الظروف قاسية، غرست في اسرتك ومحيطك كل ابجديات الأخلاق تيمنا بقول الإمام علي رضي الله عنه: “إنّ الله جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلاً بيننا وبينه". كم كنت قريبا من الله... والله قريب من المتقين.


رحمك الله يا والدنا وقائدنا... عزاؤنا ان الأمين على العهد سمو الشيخ مشعل الأحمد خير خلف لخير سلف سيكمل المسيرة، وهو الذي كان رفيق عمر وولي حق. غالب الدمع عندما كان يودعك في رحلات العلاج وخانه التماسك وانهمرت العبرات عندما ودعك في رحلتك الى دنيا البقاء. يقال ان القائد الحقيقي لا يحكم إلا برؤية العبور الى المستقبل وصنع الأمل... والشيخ مشعل يزرع التفاؤل ليحصد مستقبلا أفضل للكويت والكويتيين.


رحمك الله يا والدنا وأميرنا... نظيف اليد، مرفوع الجبين، عشت ورحلت، تغمدك العلي القدير بواسع رحمته وألهم الكويتيين الصبر والسلوان.

* صاحب مجموعة "الراي" الإعلامية الكويتية

دلالات

شارك برأيك

نظيف اليد مرفوع الجبين عشت... ورحلت

المزيد في أقلام وأراء

كابينيت الحرب يقرر مواصلة الحرب

حديث القدس

الإصرار الأميركي نحو فلسطين

حمادة فراعنة

من "اجتثاث حماس" الى "الهزيمة النكراء" .. الصفقة خشبة خلاص لإسرائيل

حمدي فراج

زمن عبد الناصر

سمير عزت غيث

الأسير باسم خندقجي بروايته طائرة مسيّرة تخترق القبة الحديدية

وليد الهودلي

مرحى بالصغيرة التي أشعلت هذه الحرب الكبيرة

مروان الغفوري

متى تضع أمريكا خطًّا أحمر؟

سماح خليفة

بين انتفاضة الجامعات الأميركية والجامعات العربية

عبد الله معروف

انتفاضة الجامعات ضد حرب الابادة.. هل تنجح في احياء الوعي بقيم العدالة ؟

جمال زقوت

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

لم ينته المشوار والقرار بيد السنوار

حديث القدس

الانعكاسات السيكولوجية للحد من حرية الحركة والتنقل

غسان عبد الله

مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟

عقل صلاح

الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

السعودية وولي العهد الشاب: ما بين الرؤية والثوابت

د. دلال صائب عريقات

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

أسعار العملات

الإثنين 06 مايو 2024 10:33 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 229)

القدس حالة الطقس