أقلام وأراء

الأحد 17 ديسمبر 2023 10:22 صباحًا - بتوقيت القدس

إسرائيل ليست أكثر دول العالم أمنا ً لليهود

لا تبدو في الأفق نهاية قريبة للحرب على قطاع غزة لاعتبارات إسرائيلية داخلية ولإصرار المقاومة على المضي في القتال الى أن يقضي الله أمرا ً كان مفعولا. الاعتبارات الداخلية في إسرائيل تتلخص في ادراك نتنياهو بأن حياته السياسية تنتهي بانتهاء الحرب، وتبدأ بملفات جنائية تنتظره في المحاكم ولجان التحقيق في دوره في التقصير الذي حدث في 7/10 واعتقاده بأن تحقيق نصر، أي نصر، في هذه الحرب قد يخفف من سوء نهايته السياسية ويعطيه بعض الرصيد في سجله تاريخه السياسي كمن قضى أطول فترة برئاسة الوزراء في تاريخ إسرائيل، والذي لم يكن أحدٌ يتوقع أن تنتهي حياته السياسية بهذا الشكل. ولذلك سيظل نتنياهو وبشكل غوغائي يرفع من سقف توقعاته من الحرب، ويلجأ للعزف الوتر الذي يطيب لليمين المتطرف سماعه، لاعتقاده بأن هذا اليمين هو قارب نجاته الوحيد في هذا البحر المتلاطم، وأن بإمكانه إقناعه بأنه هو الأكفأ على الاستمرار في إدارة الحكم بإسرائيل لتنفيذ المخطط المشيخي لإقامة المملكة اليهودية.


مجلس الحرب وحسابات ما بعدها
وأما وزير الحرب يؤاب جالانت فهو غير قادر على هضم أو "بلع" الإهانة القاسية التي تعرض لها الجيش الذي لا يقهر والتي زعزعت أسس شعور الإسرائيليين بالأمن في بيوتهم وفي دولتهم التي قيل أن الهدف من تأسيسها هو خلق بيت قومي آمن لليهود وخاصة بعد المحرقة النازية. وجالانت الذي سيضطر هو أيضا ً الى الوقوف أمام لجان التحقيق والمساءلة عن التقصير الذي أدى الى الكارثة التي لحقت بالإسرائيليين في 7/10، يحاول من خلال هذه الحرب ترميم معنويات الجيش التي أصيبت في الصميم وتحقيق أي شكل من أشكال النصر يُحسّن من وضعه بعد الحرب، ويخفف من وطأة الثمن الذي سيدفعه جراء هذا التقصير.


وجانتس ثالوث مجلس الحرب يحاول أن يلعب دور " مستر أمن" ويشعر بالنشوة كلما نظر الى استطلاعات الرأي العام التي تشير الى فوزه بأكثر من ضعف أو ضعفي ما له اليوم من مقاعد في الكنيست الإسرائيلي وتعده بأن يكون هو وليس غيره رئيس الوزراء القادم. هذا مع الأخذ بعين الاعتبار ملامح التصدع التي بدأت تظهر في تحالفه مع جدعون ساعر الذي يبدو أنه وقد طاب له الجلوس في الحكومة مع نتنياهو يسعى للانفصال بحزبه "تكفاه حداشه" عن الائتلاف الذي أقامه مع حزب جانتس، والعودة للبيت الليكودي الذي فيه نشأ وترعرع.


هذه العوامل مجتمعة تجعل التفكير في البحث عن نهاية لهذه الحرب البشعة القذرة لا تبدو قريبة في الأفق، وأن تفضيل الاعتبارات الذاتية للقائمين عليها أقوى من الاعتبارات الإنسانية سواء القتل الجماعي والتدمير الهمجي في قطاع غزة أو سقوط العديد من القتلى والجرحى من الجنود الإسرائيليين، وبشكل شبه، يومي في معركة كان بالإمكان منع حدوثها منذ زمن طويل لو تخلت إسرائيل عن شهوة التوسع والتمدد الإقليمي وقبلت بالاعتراف بحق الفلسطينيين في العيش بحرية في دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل وعلى أساس مبادرة السلام العربية لعام 2002 والتي ما زالت على الطاولة وما زال بالإمكان أن تشكل أساسا ً لتسوية مقبولة للصراع لا سيما وأنها المبادرة السياسة الوحيدة التي تحظى بإجماع كافة الدول العربية، وكذلك الدول الاسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي ومن ضمنها ايران.


القتال للفوز بإحدى الحسنيين
وأما بالنسبة للمقاومة في قطاع غزة فإن كل المؤشرات توحي بأن المقاومة أقدمت على ما أقدمت عليه في 7/10 وهي تتوقع الرد الإسرائيلي العنيف، لربما ليس بالعنف الذي حدث، واستعدت لمعركة طويلة الأجل وأعدت رجالها للخوض والصمود في هذه الحرب من منطلق جهادي عقيدي يسعى للفوز بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، ويري في كل منهما مكسبا ً لا خسارة فيه. ولا يُتوقع أن تستسلم أو تتراجع كما ظنت اسرائيل.


أمام هذا التعنت من جانب إسرائيل التي ترى في بقاء حماس على المسرح هزيمة لا تستطيع إسرائيل قبولها حتى لو قتلت الآلاف من أنصار حماس، أو حكمت بالموت على عشرات الآلاف من المدنيين العزل من السلاح، لأن قادة الحرب فيها محكومون بالاعتبارات آنفة الذكر. وتمسكها بفكرة القضاء على حماس يضعها أمام حرب طويلة لا نهاية لها في الأفق، كما أن إصرار المقاومة الإسلامية على النصر أو الشهادة في المقابل يلتقي مع المسار الذي دخلته إسرائيل وهو السير على طريق لا عودة عنه.


الطرف الثالث الذي لا وجود له!
وأمام هذا الوضع لا بد من طرف ثالث يتدخل بقوة للفصل بين الديكة الذين أدموا بعضهم البعض، ولا يبدي أي منهم أية نية أو رغبة بالتوقف عن القتال.


وللأسف الشديد فإن مثل ذلك الطرف الثالث غير موجود على الساحة الدولية بسبب الطريقة التي تعاملت وتتعامل بها الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها أمريكا وألمانيا مع الحرب على قطاع غزة. فهذه الدول إضافة للنفوذ اليهودي فيها وتحكمه في سياساتها من جهة، وتعاطفها مع اليهود لاعتبارات دينية مشتركة، ومسؤولية تاريخية كما هو الحال بالنسبة لألمانيا، ترى في هذه الحرب استمرارا ً للحرب ضد الإسلام السياسي بالنسبة لبعضها، وضد الإسلام والمسلمين بشكل عام بالنسبة للبعض الآخر، وتعتقد بأن بالإمكان أن تخوض إسرائيل حربا ً بالوكالة عن هذه الدول ضد الإسلام ، لا سيما بعد أن نجحت الدعاية الإسرائيلية في الأيام الأولى للحرب في رسم صورة نمطية لحماس وضعتها في اطار داعشي ولقيت من يتلهف لالتقاطها والتصديق بها.


هذه الحقائق ستجعل المنطقة تدور في حلقة مفرغة من العنف الدموي ليس بالإمكان التنبؤ بنتائجها، مع الإقرار بحقيقة واحدة أثبتتها هذه الحرب، وهي أن إسرائيل ليست أكثر المناطق في العالم أمنا ً لليهود بل ربما أكثرها خطرا ً عليهم، وأن المردود السلبي للأطماع التوسعية للجماعات اليهودية المتطرفة سواء الدينية منها أم القومية، وانتهاكاتها للحقوق الإنسانية والسياسية والدينية للفلسطينيين، وتدنيسها مقدساتهم ونهب أراضيهم وممتلكاتهم، ورفض الإقرار بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتصدي الفلسطينيين لهذا الاعتداء أصبح يشكل التهديد الوجودي الحقيقي لأمن واستقرار وبقاء إسرائيل.
[email protected]

دلالات

شارك برأيك

إسرائيل ليست أكثر دول العالم أمنا ً لليهود

المزيد في أقلام وأراء

ما أفهمه

غيرشون باسكن

من الاخر ...ماذا وراء الرصيف العائم في غزة ؟!

د.أحمد رفيق عوض.. رئيس مركز الدراسات المستقبلية جامعة القدس

لم ينته المشوار والقرار بيد السنوار

حديث القدس

الانعكاسات السيكولوجية للحد من حرية الحركة والتنقل

غسان عبد الله

مفاوضات صفقة التبادل إلى أين؟

عقل صلاح

الحرب مستمرة ومرشحة للتصاعد على جبهتي الشمال والضفة

راسم عبيدات

السعودية وولي العهد الشاب: ما بين الرؤية والثوابت

د. دلال صائب عريقات

ملامح ما بعد العدوان... سيناريوهات وتحديات

بقلم: ثروت زيد الكيلاني

نتانياهو يجهض الصفقة

حديث القدس

هل الحراك في الجامعات الأمريكية معاد للسامية؟

رمزي عودة

حجر الرحى في قبضة المقاومة الفلسطينية

عصري فياض

طوفان الجامعات الأمريكية وتشظي دور الجامعات العربية

فتحي أحمد

السردية الاسرائيلية ومظلوميتها المصطنعة

محمد رفيق ابو عليا

التضليل والمرونة في عمليات المواجهة

حمادة فراعنة

المسيحيون باقون رغم التحديات .. وكل عام والجميع بخير

ابراهيم دعيبس

الشيخ الشهيد يوسف سلامة إمام أولى القبلتين وثالث الحرمين

أحمد يوسف

نعم ( ولكن) !!!!

حديث القدس

أسرار الذكاء الاصطناعي: هل يمكن للآلات التي صنعها الإنسان أن تتجاوز معرفة صانعها؟

صدقي أبو ضهير

من بوابة رفح الى بوابة كولومبيا.. لا هنود حمر ولا زريبة غنم

حمدي فراج

تفاعلات المجتمع الإسرائيلي دون المستوى

حمادة فراعنة

أسعار العملات

الإثنين 06 مايو 2024 10:33 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.28

شراء 5.22

يورو / شيكل

بيع 4.03

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%21

%5

(مجموع المصوتين 219)

القدس حالة الطقس