أقلام وأراء

الإثنين 25 أبريل 2022 10:19 صباحًا - بتوقيت القدس

لماذا الآن؟

بقلم العميد: أحمد عيسى
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحث الأمن القومي


نشر الصحفي (أمير بوحبوط)، المراسل الأمني والعسكري لموقع (ولا الإسرائيلي)، يوم الأربعاء الماضي الموافق 6/4/2022، مقالاُ باللغة العبرية حمل عنوان "من داخل جهاز الإستخبارات الذي يصفي "الإرهابين" عن طريق شبكات التواصل الإجتماعي"، حيث كشف بوحبوط في مقاله هذا عن أحد أقسام الإستخبارات الإسرائيلية التي أُنشئت خلال العقد الأخير لإنتاج إستخبارات من معلومات يجمعها القسم من مصادر علنية كالصحف ومحطات التلفزة والراديو ووسائل التواصل الإجتماعي.


ويعتبر سماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بنشر هذا المقال خروجاً عن المألوف وكسراً لأحد القواعد الصارمة التي تفرضها إسرائيل على منظومتها الأمنية، سواء القواعد التي تتعلق بالمفاهيم التي يقوم عليها الأمن القومي، أم القواعد المتعلقة بهياكل الأجهزة الأمنية، لا سيما الإستخبارية منها، أم التي تتعلق بأليات عمل هذه الأجهزة، وذلك لإبقاء حالة الغموض هي السائدة عن الأمن الإسرائيلي، الأمر الذي يثير التساؤل لماذا الآن تخرج أجهزة الأمن الإسرائيلية عن المألوف وتكشف عبر الصحفي (بوحبوط) عن هذا القسم الذي أطلق عليه بوحبوط إسم عين المراقبة (I Monitor) والأهم سماحها بالكشف عن الإحتياجات الإستخبارية التي يتوجب على القسم جمعها من المصادر العلنية.


اللافت هنا أن الكاتب لم يكتف بالكشف عن مكان القسم الذي يتواجد تحت الأرض في مبنى وزارة الدفاع بتل أبيب، في إشارة منه لمدى أهمية هذا القسم، وعن مصادر معلوماته، كما لم يكتف بالوقوف عند أبرز الإنجازات التي حققها هذا القسم منذ تأسيسه، بل راح وكشف عن ملفات لا زالت قيد المعالجة، الأمر الذي يبدو غريباً في عالم الإستخبارات، خاصة عندما كشف بوحبوط عن ملفات شخصيات بارزة في مجال صناعة الرأي في العالم العربي مثل عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم الإلكترونية، وغسان بن جدو رئيس محطة الميادين التلفزيونية، وأخرين من محطة المنار وصحيفة الأخبار اللبنانيتين.


تجدر الإشارة هنا أن الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية لم تخترع العجلة في الكشف عن أن الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي (مصادر المعلومات المفتوحة) تعتبر من أهم مصادر معلوماتها، فالعارفين بعالم الإستخبارات يعرفون أن الإحتياجات الإستخارية التي تحتاج لعمليات جمع معقدة لا تتجاوز 4% من إحتياجات أجهزة الإستخبارات، أي أن 96% من إحتياجات جهاز المخابرات يتم الحصول عليها من مصادر معلومات علنية مفتوحة، وهنا ينبغي التأكيد أن التطور الهائل الذي يشهده عالم الإتصالات قد رفع كثيرا من نسبة تلبية الإحتياجات الإستخبارية من مصادر المعلومات المفتوحة، الأمر الذي يقلل من أهمية الكشف عن مسؤولية هذا القسم في تطوير إستخبارات وتقديرات موقف للمستوى السياسي حول قضايا مثل الوضع الفلسطيني والربيع العربي والأزمة الخليجية وغيرها من القضايا التي تطرق إليها الصحفي بوحبوط في مقالته.
وعلى الرغم من الحقيقة المشار اليها في الفقرة السابقة هناك حاجة للإجابة على سؤال لماذا الآن؟ وفي محاولتها الإجابة على هذا السؤال ستعتمد هذه المقالة نموذجا تفسيريا يقوم من جهة على تحديد الجهة التي إستهدفها بوحبوط في مقالته، ومن جهة أخرى، على القطاع الأبرز الذي يشكل مركز إهتمام عمل القسم.
وحول الجهة المستهدفة فلا شك أن المجتمع الإسرائيلي الناطق باللغة العبرية هي الجهة المستهدفة الأولى، ويقيناً يأتي المتابعين للإعلام العبري من العرب كجهة مستهدفة ثانية.
أما القطاع الأبرز الذي شكل مركز إهتمام المقال، فكان واضحاً أنه يدور حول الإعلام والرواية الذي يبدو أنه شكل الدافع والمحرك للكاتب ومن خلفه الرقابة العسكرية، لا سيما وأن الأخيرة خرجت عن المألوف وكشفت عن ملفات لا زالت في طور المعالجة عندما تعلق الأمر في هذا القطاع.
وفيما يتعلق بالجهة الأولى المستهدفة فتكشف إستطلاعات الرأي المنشورة في إسرائيل أن المواطنين في إسرائيل قد فقدوا الشعور بالأمن نتيجة لإكتشاف المواطن العادي في إسرائيل فشل مؤسسته الإستخبارية في تقدير التهديدات المتوقعة وطرق معالجتها، الأمر الذي تجلى بوضوح أمام سلسلة العمليات الأخيرة التي نفذها أفراد فلسطينيون كانوا جميعهم خارج رادارات أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية كما أن هذه العمليات قد نفذت في أماكن وبطرق لم تتطرق لها التحذيرات والتقديرات الأمنية الإسرائيلية، مما يعني أن المقالة ربما تكون قد جاءت كحلقة من خطة متعددة الحلقات تقول للمجتمع الإسرائيلي أن يد أجهزة الأمن الإسرائيلية طويلة وتعمل على مدار الساعة.


أما عن الجهة المستهدفة الثانية فيبدو أن واضعي الخطة التي يأتي المقال كأحد حلقاتها قد قرروا اللعب على المكشوف في محاولتهم وقف خطاب تعرية الرواية الصهيونية وكشف حقيقة أنها رواية تحمل مشروع إستعماري أبارتهايدي.


وحول الإعلام والرواية التي كانت من أهم موضوعات المقالة التي بدورها تشهد منذ فترة ليست قصيرة تصدعات وإنهيارات ملموسة، لا سيما بعد فشلها في إقناع المؤسسات الدولية وكذلك قطاعات واسعة من اليهود حول العالم أن إسرائيل ليست دولة أبارتهايد في علاقتها بالفلسطينيين.
وفي هذا الشأن ينبغي الإشارة إلى إعترافات رجالات الإعلام والسياسة في إسرائيل بفشل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي أمام الإعلام والخطاب الفلسطيني، لا سيما في ما يخص القدس والمسجد الإقصى، الأمر الذي من جهة يثبت أن القلم والصورة والكلمة هي أسلحة ذات وزن إستراتيجي في يد الفلسطينيين في معركة الرواية التي تتصاعد وتيرتها في نضال الفلسطينيين ضد الإحتلال والأبارتهايد، ومن جهة أخرى يكشف أن كل ما تملكه إسرائيل من مال وسلاح لن يمكن إسرائيل من توفير الشعور بالأمن المفقود للمواطن الإسرائيلي، والأهم أنه لن يمكنها من مواصلة التحايل على الرأي العام سواء اليهودي أم العالمي.

شارك برأيك

لماذا الآن؟

المزيد في أقلام وأراء

قلق كبير على حياة الرئيس الإيراني

حديث القدس

أهل النقب المغيَّبون

حمادة فراعنة

خيارات إسرائيل الصعبة بعد رفح

أحمد رفيق عوض

التبني الغربي لإسرائيل

عقل صلاح

قمة المنامة تقدم في الشعارات وعجز مزمن في التنفيذ

راسم عبيدات

فصول النكبة تتواصل مع جرائم الحرب والصمود الأسطوري

نهى نعيم الطوباسي

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية

عبد المنعم سعيد

في زمن التيه

يونس العموري

أقل الكلام

إبراهيم ملحم

هناك خطة للغد

غيرشون باسكن

إسرائيل تصارع اوهام النصر

حديث القدس

الاحتلال الإسرائيلي بين «الذكاء الاصطناعي» و«الغباء الفطري»

عماد شقور

المفاوضات بين حماس والمستعمرة

حمادة فراعنة

المحاكم.. مكان لاختبار الصبر!

سمر هواش

تأملات-- النساء الفاضلات كثيرات

جابر سعادة / عابود

هل هو تنازع على من يخدم إسرائيل أكثر؟

فتحي أحمد

التعافي من الفاقد التعليمي واستقرار منظومة التعليم

ثروت زيد الكيلاني

اليابان: غزة والشرق الوسط

دلال صائب عريقات

شكراً تونس

رمزي عودة

تأثير الحرب على التعليم.. دمار شامل بغزة وصعوبات كبيرة بالضفة

رحاب العامور

أسعار العملات

الإثنين 20 مايو 2024 10:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.02

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 94)

القدس حالة الطقس