أقلام وأراء

الأحد 21 أبريل 2024 1:54 مساءً - بتوقيت القدس

الهند والأونروا... بين نهجين: الشراكة التنموية و"عدم التسامح مع الإرهاب"

تلخيص

في الإحاطة الإعلامية الأسبوعية لوزارة الخارجية الهندية في 1 فبراير/ شباط 2024، رداً على استفسار بعد قيام بعض الدول بوقف مساهماتها لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"؛ بسبب "الادعاءات الإسرائيلية حول تورط موظفين من الأونروا في هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي"، طرح السؤال "هل تفكر الهند إذن أي تغيير في مساهمتها". وقال راندير جايسوال، المتحدث باسم الوزارة، "تُعتبر الهند شريكاً تنموياً مهماً لفلسطين. وقد دأبنا على تقديم المساعدة لهم، سواء على المستوى الثنائي أو من خلال الأمم المتحدة. ولكن في الوقت نفسه، لدينا سياسة عدم التسامح إطلاقاً تجاه الإرهاب. وفي هذا الصدد، نشعر بقلق عميق إزاء الادعاءات القائلة بأن موظفي الأونروا متورطون في الهجمات الإرهابية التي وقعت في 7 أكتوبر. كما نرحب بالتحقيقات التي بدأتها الأمم المتحدة في هذا الصدد". 


ينسجم الموقف الهندي هذا مع المواقف الأخرى التي تبنتها الهند منذ بداية الحرب على غزة؛ في إطار محاولة نيودلهي تحقيق "التوازن الصحيح" في سياستها الخارجية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ وذلك بين وصف ما حدث في 7 أكتوبر/ تشرين الأول ب "الهجوم الإرهابي" وبين ضرورة الالتزام بالقانون الانساني الدولي ومواصلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة. بين "إطلاق سراح جميع الرهائن دون قيد أو شرط" وبين تأكيد الموقف المؤيد المفاوضات المباشرة من أجل التوصل إلى حلّ الدولتين. بين الامتناع عن التصويت (27 أكتوبر/ تشرين الأول 2023) وثم العودة لتصويت (12 ديسمبر/ كانون الأول 2023) على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار. واتسمت هذه المواقف بـالغموض الدبلوماسي أو يمكن تسميتها بـ "المواقف الدبلوماسية الفضفاضة"، التي قد توفر لأي دولة تتخذها خيارات عديدة يمكن اللجوء إليها في مواجهة القضايا المتناقضة أمام الأطراف المتصارعة. 


وفيما يتعلق بأزمة "الأونروا" الأخيرة، تجد الهند نفسها بين التزامها بالشراكة التنموية مع فلسطين، في إشارة إلى أنهُ لن يكون هناك أي تغيير في مساهمتها المالية "للأونروا"، وبين "سياسة عدم التسامح إطلاقاً تجاه الإرهاب"، مع ترحيب نيودلهي بتحقيقات الأمم المتحدة، في إشارة إلى أن نتائج التحقيق قد تدفع الهند إلى تبني خيار تعليق أو تغيير مساهمتها "للأونروا". وكلا النهجين يرتكزان على المواقف الهندية المذكورة أعلاه. 


وتماشياً مع نهج التزام الهند بالشراكة التنموية مع فلسطين، فإن نيودلهي لن تتجه نحو تعليق/ إيقاف تمويل وكالة "الأونروا"؛ وقد لا تكون الهند من أكبر الجهات المانحة للوكالة، لكن بعد أن جمّدت ما لا يقل عن 10 دولة مانحة "للأونروا"، أصبح تمويل الهند مهماً، كما ويرتبط موقف نيودلهي من الوكالة بالموقف الهندي التقليدي تجاه القضايا الفلسطينية، بما في ذلك قضية اللاجئين وحق العودة؛ وتعتبر "الأونروا" إحدى المرجعيات الدولية التي تتضمن حقوق اللاجئين الفلسطينيين.


يُذكر في 8 ديسمبر/ كانون الأول عام 1949، صدر قرار (302) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يقتضي "أنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى" وفقاً للمادة (7) من القرار. وتركز مهامها بشكل أساسي من بين أموراً اخرى، "تنفيذ برامج الإغاثة والأشغال المباشرة بالتعاون مع الحكومات المحلية على النحو الموصي به من قبل بعثة المسح الاقتصادي". في حين باشرت الوكالة مهامها في مايو/أيار 1950. وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن هناك أكثر من 6.4 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين في سجلات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".


وكانت الهند من أوائل الدول التي أعلنت عن استعدادها لتقديم الدعم المالي لوكالة "الأونروا". وعليه، أصبحت الهند من المانحين المنتظمين للوكالة. وإيفاءّ الهند بمساهمتها السنوية البالغة 5 ملايين دولار للعام 2023-2024، قدمت حكومة الهند يوم 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الدفعة الثانية من المساهمة المالية بقيمة 2.5 مليون دولار "للأونروا"، في حين كانت الدفعة الأول 2.5 مليون دولار من المساهمة المالية في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. وأكدت سفيرة جمهورية الهند لدى دولة فلسطين، رينو يادف، في حينها، "على دعم الحكومة الهندية المستمر لأنشطة الوكالة في المنطقة والخدمات التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين".


ويأتي التزام الهند بتعهداتها المالية السنوية "للأونروا" ضمن مواقف الحكومة الهندية المعتادة تجاه القضية الفلسطينية، فيما جاء وفاءّ الهند بمساهمتها المالية الأخيرة "للأونروا" بعد تصويت نيودلهي في 9 نوفمبر / تشرين الثاني 2023، لصالح قرارات صادرة عن اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة المعنيّة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار في الأمم المتحدة، من بينها، مشروع القرار المعني بالدعم للاجئي فلسطين، الذي يشمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا". وهو ايضاً موقف حكومي منتظم، تمرّره الهند كل عام. فيما أكدت الهند عدة مرات بأنه المساهمة المالية "للأونروا" تأتي "لدعم الأنشطة الأساسية للوكالة من البرامج والخدمات، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية المقدمة للاجئين الفلسطينيين". ويأتي ذلك في إطار اعتبار "الهند شريكاً تنموياً مهماً لفلسطين". 


أما بالنسبة لالتزام الهند بسياسة "عدم التسامح إطلاقاً تجاه الإرهاب"، فقد تسلك نيودلهي هذا المسار إذا أكدت النتائج التي توصل إليها مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة "الادعاءات الإسرائيلية حول تورط موظفي الأونروا في هجوم 7 أكتوبر". الأمر الذي قد يدفع الهند إلى التحرك نحو تغيير مساهمتها المالية للوكالة، والأرجح هو دعم الهند للاقتراح الإسرائيلي حول البدائل المحتملة "للأونروا"، مثل برنامج الغذاء العالمي. 


وبعد محادثة هاتفية بين وزير الخارجية الهندي جايشانكار، مع وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في 29 يناير/ كانون الثاني 2024، حول "الوضع المستمر في غرب آسيا"، "الشرق الأوسط"، نقلت وكالة "mint" الاخبارية الهندية عن شخصين مطلعين لم تحدد هويتهما، يوم 5 فبراير/ شباط 2024، أن إسرائيل اجريت مناقشات مع نيودلهي بشأن الادعاءات الإسرائيلية المذكورة، وأن "إسرائيل طلبت من الهند إعادة النظر في تمويلها للمنظمة". ومع ذلك، فقد اتجهت الهند إلى الحفاظ على "سياسة متوازنة" تجاه تمويلها ومساهمتها المالية في الوكالة؛ فموقف وزارة الخارجية الهندية حول أزمة "الأونروا"، المشار إليه في بداية المقال، جاء بعد ثلاثة أيام من المحادثات الهندية الإسرائيلية، واتسم الموقف بالغموض الدبلوماسي.


قد لا تنوي الهند تعليق/ إيقاف تمويل "الأونروا"؛ ولكن ماذا لو كانت إسرائيل قد قدمت ادعاءاتها المذكورة قبل شهر على الأقل من (18 يناير/ كانون الثاني الماضي)، أي قبل أن تفي الهند بمساهمتها السنوية "للأونروا" للعام 2023-2024؟ ربما كان للهند موقفاً أكثر وضوحاً. ولأن الهند غالباً ما تقدم مساهمتها المالية للوكالة في أواخر العام، فإن نيودلهي ستكتفي بموقفها الدبلوماسي "الموازي" بين الشراكة التنموية و"سياسة عدم التسامح إطلاقاً تجاه الإرهاب".

دلالات

شارك برأيك

الهند والأونروا... بين نهجين: الشراكة التنموية و"عدم التسامح مع الإرهاب"

المزيد في أقلام وأراء

مأساة غزة تفضح حرية الصحافة

حديث القدس

بمناسبة “عيد الفصح”: نماذج لعطاء قامات مسيحية فلسطينية

أسعد عبد الرحمن

شبح فيتنام يحوم فوق الجامعات الأميركية

دلال البزري

البدريّون في زماننا!

أسامة الأشقر

تحرك الجامعات والأسناد المدني لوقف لعدوان

حمزة البشتاوي

‏ آثار ما بعد صدمة فقدان المكان الاّمن – هدم بيتك أو مصادرته

غسان عبد الله

حوار عربي أوروبي في عمّان

جواد العناني

حرب نفسية عنوانها : تهديد اسرائيلي وضغط أميركي

حديث القدس

الأمم المتحدة والإعتراف بفلسطين دولة

ناجي شراب

خطاب ديني يواري سوأة المغتصِب

سماح خليفة

نتياهو قرر إفشال الهدنة وصفقة التبادل

بهاء رحال

تعرية التحالف الاستعماري

حمادة فراعنة

عزلتهم تزداد وهزيمتهم مؤكدة

وسام رفيدي

عاش الاول من أيار ..عيد العمال الأحرار

حديث القدس

"سان ريمو" إرث استعماري يتجدد ضد فلسطين والقدس

عبد الله توفيق كنعان

لماذا تقلق النخب من الحراك الطلابي المعادي لسياسات إسرائيل والمؤيد لغزة بالجامعات الأمريكية والغربية ؟!

محمد النوباني

أزرار التحكم... والسيطرة!

حسين شبكشي

ما أشبه الليلة الفلسطينية بالبارحة الفيتنامية

عيسى الشعيبي

الانتماء لفترة الصهيونية

حمادة فراعنة

الجنائية الدولية وقرار اعتقال نتنياهو ... حكمة أم نكتة

سماح خليفة

أسعار العملات

الجمعة 03 مايو 2024 9:49 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.72

شراء 3.7

دينار / شيكل

بيع 5.25

شراء 5.2

يورو / شيكل

بيع 3.99

شراء 3.95

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%74

%20

%5

(مجموع المصوتين 203)

القدس حالة الطقس