تحرير العقل الديني في عصر المعرفة: قراءة نقدية في خطاب التراث ومرجعياته
الجمعة 25 أبريل 2025 5:59 مساءً - بتوقيت القدس
الملخص:
تشهد الساحة الفكرية في العالم الإسلامي سجالاً متنامياً حول دور التراث الديني في تشكيل الوعي المعاصر، خاصة في ظل ما يطرحه الواقع الرقمي من تحديات معرفية وتداول حر للنصوص والتفاسير والروايات. تهدف هذه الورقة إلى تحليل أزمة الخطاب الديني التقليدي من خلال منظور نقدي يقدمه المفكر محمد شحرور، مع الاستعانة بأفكار عدد من المفكرين الإصلاحيين مثل محمد الغزالي وناصر حامد أبو زيد. تتناول الورقة تأثير المرويات الدينية المشوهة في إثارة موجات الإلحاد والتشكيك، وتؤكد الحاجة إلى خطاب ديني عقلاني يواكب متطلبات العصر ويعيد الاعتبار للعقل كوسيلة لفهم الدين، لا كعدو له. توصلت الورقة إلى أن الانغلاق على الموروث والرفض المسبق لإعمال العقل يساهمان في إضعاف صورة الإسلام وتغذية خطاب التطرف أو الإلحاد المعاصر.
الكلمات المفتاحية:
العقل الديني، محمد شحرور، التراث الإسلامي، نقد المرويات، الإسلام والعقل، الإلحاد المعاصر.
1. المقدمة
في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجية المتسارعة، باتت الحاجة ملحّة لمراجعة الخطاب الديني الإسلامي بما يتلاءم مع واقع جديد تطبعه حرية تداول المعرفة وتعدد مصادر التلقي. لقد خلقت المنصات الرقمية فضاءً مفتوحًا للجدال حول الإسلام ومصادره، وخصوصًا الروايات المنقولة عن النبي ﷺ، والتي كثيرًا ما تكون موضع تشكيك، خاصة حين تُعرض بدون تأصيل عقلي أو منهجي سليم. تطرح هذه الورقة إشكالية العلاقة بين التراث الإسلامي والعقل، وتبحث في أثر الخطاب التقليدي في إثارة النزعات الإلحادية الحديثة، استنادًا إلى قراءات نقدية رائدة، وعلى رأسها فكر محمد شحرور.
2. إشكالية الورقة
تتمثل إشكالية الورقة في التساؤل التالي:
إلى أي مدى ساهم الخطاب الديني التقليدي، المرتكز على مرويات غير موثقة أو متناقضة مع العقل، في إنتاج صورة مشوهة عن الإسلام، وما السبل المقترحة لاستعادة خطاب ديني عقلاني قادر على مواكبة متطلبات العصر؟
3. المرويات المشوهة وآثارها المعاصرة
يعزو كثير من المفكرين تنامي التشكيك بالإسلام إلى الاعتماد غير النقدي على المرويات الدينية، والتي غالباً ما تكون خارجة عن المنطق ومتعارضة مع مقاصد الشريعة. من أبرز الأمثلة على ذلك، ما يُروى عن زواج النبي من السيدة عائشة في سن صغيرة، أو قصص عن لقائه بملك الموت، أو صلاته بالأنبياء في المسجد الأقصى، وهي روايات يصعب على العقل الحديث تقبّلها دون تمحيص أو نقد.
يشير محمد شحرور إلى أن هذه المرويات لا تعبّر عن جوهر الرسالة، بل تعكس إسقاطات ثقافية واجتماعية تاريخية حُمّلت على الدين، ما أدى إلى تحريف صورته لدى الأجيال الجديدة، خاصة في ظل تفكك الهيمنة التقليدية على مصادر التلقي وظهور بدائل معرفية متنوعة.
4. الدعوة إلى تحرير العقل: بين الغزالي وشحرور وأبو زيد
أكّد محمد الغزالي (1992) أن الإسلام جاء لتحرير العقول من الجاهلية، لا لتقيدها بتفسيرات جامدة. أما محمد شحرور، فركّز على أن القرآن يجب أن يُقرأ بعيون العصر، وأنه لا يجوز إلغاء العقل في مقابل الرواية. وشبّه ما أصاب الفكر الإسلامي بـ"مرض الآبائية"، أي الانغلاق على ما قاله السابقون باعتباره الحقيقة المطلقة.
في السياق ذاته، انتقد ناصر حامد أبو زيد ما وصفه بـ"سلسلة الالتزام بالتراث"، حيث يتم تقديم التراث وكأنه غير قابل للنقد أو المراجعة، وهو ما يعيق ظهور خطاب ديني معاصر قادر على التجدد.
5. عصر المعلومات وانهيار القداسة التراثية
فرضت التكنولوجيا المعاصرة واقعاً جديداً لم يعد فيه حكر المعرفة ممكنًا. بات بإمكان أي فرد الوصول إلى كتب التراث، ومقارنة الروايات، واكتشاف التناقضات. ونتيجة لذلك، تعرّض الخطاب الديني الكلاسيكي لانكشاف حاد، خاصة عندما يُقدَّم من غير تمحيص علمي أو تجديد منهجي.
في هذا السياق، أصبحت برامج ومنصات نقد الدين – حتى من خارج الإطار الإسلامي – تجد صدى واسعاً لأنها تتكئ على المرويات الضعيفة، مما يعزز الشكوك ويُضعف الخطاب الإسلامي التقليدي في أعين الجمهور، خصوصاً الشباب الجامعي والمتعلمين.
6. النتائج والمقترحات
الحاجة ماسة لإعادة بناء الخطاب الديني على أسس عقلانية تستند إلى مقاصد الشريعة لا إلى المرويات وحدها.
من الضروري تشجيع الدراسات النقدية للنصوص التراثية بدل اعتبارها "خطاً أحمراً".
يجب إعمال العقل عند قراءة القرآن والسنة، في إطار فهم تاريخي وسياقي.
ينبغي التوقف عن "الدفاع عن القيثارة" – بتعبير أسامة أنور عكاشة – والتركيز على "العزف"؛ أي تقديم صورة إيجابية ومقنعة للإسلام في ضوء مبادئه الكبرى.
7. الخاتمة
تؤكد الورقة أن تجديد الخطاب الديني لا يمر عبر تكرار الدفاع عن التراث، بل عبر قراءته قراءة نقدية عقلانية تستحضر سياقه التاريخي وتعيد تقديم الإسلام بوصفه ديناً عقلانياً متجدداً. إن تجاوز أزمة التراث لا يعني القطيعة معه، بل تحريره من التقديس غير المبرر، ليكون منطلقًا لفهم معاصر للدين يعيد الثقة إلى الأجيال الجديدة.
المراجع :
الغزالي، محمد. (1992). كيف تتعامل مع القرآن. دار الوفاء للطباعة والنشر.
شحرور، محمد. (1994). الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة. الأهالي.
شحرور، محمد. (2009). الدولة والمجتمع. دار الساقي.
أبو زيد، ناصر. (1994). نقد الخطاب الديني. سينا للنشر.
إقرأ المزيد لـ د. محمد محمود ياسين ...
الأكثر تعليقاً
واشنطن تعيد النظر في تصنيف «طالبان» إرهابية

حماس: إسرائيل تضلل العالم بادعاء إدخال مساعدات لغزة

هل ستفضي هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة إلى هدنة حقيقية تنقذ ما تبقى من غزة؟

النائب راندي فاين يدعو إلى قصف غزة نوويًا كما حدث مع اليابان بعد إطلاق النار في واشنطن

زامير يتوعد: سنوسّع الاجتياح ونحتل مزيدًا من مناطق قطاع غزة

الحد من مخاطر التدخين في النرويج بين واقع المجتمع وطموح السياسات العامة

كاتس يوجه الجيش بعدم استدعاء غولان للاحتياط ومنعه من ارتداء الزي العسكري

الأكثر قراءة
الاحتلال يعتقل شابا خلال اقتحامه بلدات وقرى في محافظة جنين

مستعمرون يقتحمون مدرسة عرب الكعابنة شمال غرب أريحا

محدث| 12 شهيدا في قصف الاحتلال خان يونس ورفح

شهيدان ومصابون في قصف للاحتلال غرب دير البلح

قصف إسرائيلي يستهدف مركبة في عين بعال جنوبي لبنان

الجهود المشتركة متواصلة : وزير الشؤون المدنية يستقبل وفداً من مصلحة مياه محافظة القدس

هجوم روسي يقتل 6 جنود أوكرانيين وسط حراك دولي لإنهاء الحرب

هل تنجح المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في 2025؟
%56
%44
(مجموع المصوتين 1265)
شارك برأيك
تحرير العقل الديني في عصر المعرفة: قراءة نقدية في خطاب التراث ومرجعياته