فلسطين

السّبت 11 فبراير 2023 9:09 صباحًا - بتوقيت القدس

أسمى غانم تروي ريشتها قصص السواد والنور والبيت المشترك

رام الله - "القدس" دوت كوم - روان الأسعد - بأنامل سحرية هادئة ولمسات فنية هادفة حملت ريشتها وأسمعت صوتها واوصلت عمق فكرتها، لتحول بذلك الفنانة أسمى غائم الشوارع إلى معرض للوحات الفنية التي تعكس من خلالها ثقافة في ملامح جديدة أضافتها إلى الشارع، تهدف إلى تعزيز أهمية المرأة ودورها، ولتروي من خلال جدارياتها وبانتقاء شخوصها قصص نساء استطعن بإرادتهن تحقيق الكثير، وتكون فكرتها تجسيد قضايا المرأة وطرحها بشكل خاص من خلال الفن والرسم، والمساهمة في إبراز صورة لها تخلق ثقافة جديدة بأمنيات ملونة، وذلك ببناء وعي مختلف لكل من يمر بها ليبحث ويقرأ ويعرف أكثر، فالفن بمختلف أشكاله له دور مهم في تجسير العلاقة بالمجتمع، وخلق حالة من التغيير وتراكم الخبرات الإنسانية، فالفن سلاح لا يسقط.


أسمى غانم, التي استطاعت موهبتها إتاحة الفرصة لها لتجسيد قضية المرأة واستعراضها برسالة فنية هادفة عبر ريشتها وألوانها وجدارياتها الأربع، تلقي الضوء على مضمون أعمق من صياغة الجمال، تحكي سيرة ومسيرة وتاريخ وثورة نساء لهن أهميتهن في فلسطين والعالم، من خلال إحداث إبداع بصري فيه توثيق وتأكيد على ما يحمله العمل من رسالة فنية لتغيير حال المجتمع وتنويره بأهمية المرأة، وما تقدمه بتجسيد صورها لتحمل رسالة جمالية وفق خط معاصر ومتحضر، يرفد الحياة الاجتماعية بعفوية وبلوحة لتعريف كل المجتمع بهؤلاء النساء وبإنجازاتهن، من خلال الدمج ما بين البحث والقراءة تصبح الثقافة جزءاً من الشارع.

الطفولة في "خان الشيح" والدراسة في رام الله وفرنسا ،،

الشابة أسمى غانم، القاطنة في مدينة رام الله، تحكي لـ "القدس" دوت كوم، عن فنها ولوحاتها، وتبدأ من طفولتها في مخيم "خان الشيح" وتروي: أنا لاجئة فلسطينية ولدت في دمشق، وتحديداً ريف دمشق- مخيم "خان الشيح"، درست الفنون الجميلة في الأكاديمية الدولية للفنون في رام الله، كما حصلت على ماجستير في الفنون البصرية والصوت من فرنسا، في طفولتي كنت أعاني من صعوبات في التعلم وبطء مقارنة بأبناء جيلي من الأطفال، وبالرغم من ظروف المخيم فإن والدتي كانت حريصة على خلق فرصة لي وتحفيزي، لتدفعني إلى الأمام بقولها إنني مختلفة ومتميزة عن الآخرين كوني فنانة، ولدي طاقات كبيرة، وبالفعل دفعتني إلى الفن بإحضارها لي أدوات للرسم، وبدأت برسومات بسيطة آتت ثمارها كنوع من التعبير عن نفسي، واستطعت أن أجعل موهبتي سلاحي لأتجاوز كل الصعوبات التي واجهتها في التعلم.
وتواصل: عشت وكبرت في سوريا حتى عام 1995 بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وعادت عائلتي إلى أرض الوطن، لكنها لم تستقر، وتنقلت ما بين فلسطين وسوريا حتى عام 2008، واستقرت عائلتي في مدينة رام الله، وهذا التنقل أثراني وأثرى ريشتي كثيراً لتعبر عن حنيني وشوقي إلى وطني وأنا لاجئة بعيدة عنه، ولتعبر عند عودتي إليه عن حنيني وشوقي إلى وطني الثاني الذي ترعرعت فيه، هذا التمازج بين البلدين والمشاعر خدم هويتي، فأنا فلسطينية وسورية، وهو مادفعني طيلة الوقت إلى التفكير بمفهوم الوطن، وأن لا شيء يستطيع أن يوقف ريشتي عن رسم عالمها الذي حواها، ووجدت فيه ملاذا وجسراً للتفكير بشكل مختلف.

مشروع "منارات" ،،

وتتابع: أنا فنانة فلسطينية متعددة الوسائط، أُمارس أكثر من نوع من الفن ما بين اللوحات والتصوير والموسيقى والكتابة، والفن الفلسطيني، أما عن الجدارية فالفكرة تبادرت إلى ذهني من خلال سفري إلى دول كثيرة ومختلفة، وكان العرض الفني في الشارع يحظى باهتمام كبير وتُرصد له ميزانيات ضخمة، كونه المرآة التي تكشف لكل مدينة هويتها الفنية، إضافة إلى كونه جزءاً من التثقيف، ناهيك عن كون مجتمعنا ذكورياً، والهوية النسوية في الشارع الفلسطيني خجولة، وكانت الفكرة بإضافة الطابع النسوي للشارع الذي يطفح بهرمون الذكورة لخلق توازن في الشارع العام عن طريق فن الغرافيتي المعروف بالفن المقاوم الذي يتجسد أصلا في الشوارع والأبنية عبر رسومات وكتابات لها طابع خاص تحمل في طياتها رسالة وهدفاً.


وعن الشخصيات التي اختارتها تقول: حين قدمت مشروع الجدارية اخترت أربع نساء رائدات مع مقولة لكل واحدة منهن وأسمائهن، وبالرغم من البعد الجغرافي فإن القضايا تتجمع تماماً كالقضية الفلسطينية، لقرب الناس المضطهدة من بعضها، فكان من الأهمية أن أُجسّد ذلك برسوماتي، فاخترت المفكرة والمناضلة الأمريكية أنجيلا ديفيس صاحبة البشرة السوداء التي كان همها أن تصل إلى الشارع الفلسطيني، واخترثها لأنها تركز في كتاباتها على العنصرية تجاه أصحاب البشرة السوداء والعنصرية تجاه الفلسطينيين، كما تربط ديفيس قضية السمر بالقضية الفلسطينية، وبالنسبة لها تحرير السمر من العنصرية لا يكتمل دون تحرر الشعب الفلسطيني.


وتضيف: أما اللوحة الثانية، فكانت للمعمارية عراقية الأصل زها حديد، وهي نموذج نسوي، تحدت كل الرجال على المستوى العالم، وبدأت تعمل في مجال العمارة، وكانت المرأة الوحيدة في ذاك الوقت التي حلمت وتحدت في مجال كان حكراً على الرجال، واستطاعت أن تتساوى بأعمالها مع أقرانها من الرجال في هذا المجال، بل وتتفوق عليهم لتثبت قوة المرأة العربية في الوصول ونيل ما تريد، متجاوزة بهذا كل العبارات المحبطة التي سمعتها في بداية مشوارها المهني، حيث قالت في إحدى مقابلاتها إن الأمر لم يكن سهلا عليها، لكن إصرارها كامرأة دفعها إلى المضي قدماً.


وتتابع غانم: واللوحة الثالثة للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، لأنها امرأة فلسطينية معروفة، أما الأخيرة، فكانت لعالمة الآثار الفلسطينية ياسمين زهران، وهي من مدينة رام الله، ووجودها كان مهما ضمن المشروع كتعريف عن هوية رام الله.


وتواصل: رحلة العمل استغرقت سبعة أيام متتالية لساعات طويلة، وفي البداية كنت خائفة، كوني سأرسم بالفضاء العام، وتعرضت في الأيام الأولى منها لنظرات استهجان وتعجب من المارة، لكن سرعان ما بدأ التفاعل المجتمعي بتقبل الفكرة وعرض المساعدة، وما شجعني أكثر هو التفاعل المجتمعي، خاصة أنني كسرت حاجز الذكور وعضلاتهم المسيطرة على هذا النوع من الفن، من دون ترك المجال للمرأة، لترسم هويتها الفنية بشيء نابع من داخلها.

معرض السواد والنور ،،

أسمى التي أرادت أن تعكس التشابك والتشابه بين حياة الشعوب المضطهدة في لوحاتها لتكون رسالتها واضحة تقول: معرض السواد والنور هو عبارة عن 80 لوحة، تم عرض 38 لوحة منها، كانت نتاج سنتين من العمل الذي بدأ ضمن إقامة فنية في مدينة شيكاغو لمدة ستة أشهر عام 2019، بعد عودتي، بدأت أعمل على كل الأعمال، بحيث إن كل الوجوه والأجسام صار يدخل فيها التركيب والهوية الفلسطينية، لذلك من يطالع اللوحات يشاهد الخلط بين الأعراق لتمنحه شعوراً بأن شخوصها ممكن أن تكون هويتهم فلسطينية عربية أو أفريقية، وهذه هي الفكرة التي سعيت إلى إيصالها، وهي توحيد الشعوب المضطهدة، وكيف من الممكن أن نجعل هذه الشعوب مركز أي عمل فني.


كما شاركت غانم في معرض" تحية لأسرى وأسيرات الحرية" الذي نظمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت بعمل عنوانه "مالكوم اكس فلسطينياً"، حيث قامت برسم مالكوم اكس الناشط والمفكر الأمريكي من أصول أفريقية الذي تم اغتياله في أميركا في العام 1965 لأنه كان يشكل خطراً مباشراً كمناضل، ومقاوم مسلم من أصول أفريقية يحارب ضد النظام العنصري في أميركا، في عملها الفني رسمت "مالكوم اکس" بزي الأسرى الفلسطينيين وكأنه واحد منهم، وذلك للتأكيد على أن قضية الأسرى الفلسطينيين هي عالمية تخص جميع شعوب العالم، خاصة الشعوب المضطهدة. لتربط القضايا العالمية ببعضها البعض كما فعل مالكوم اكس وغيره من المناضلين والمفكرين العالميين الذين أبدوا تأييدهم للقضية الفلسطينية وصولاً إلى أن فكرة الحرية هي فكرة تشاركية جماعية.

أعمال وخطط مستقبلية ،،


واختتمت بالحديث عن أعمالها وخططها المستقبلية: لا أستطيع أن يمر أسبوع دون أن أرسم، أعمل على كتاب بتمويل لبناني من "آفاق" يخص ذوي الإعاقة من كل الأعمار، وكيف يمكن للموسيقى أن تحكي عنهم في مخيمات اللاجئين، وهو مبني على دراسة تمت في كافة مخيمات الضفة الغربية، وبناء على دراسة الحالة لهؤلاء الأشخاص بنيت الموسيقى وكل النظريات التي عملت عليها، ويحمل اسم"موسيقى العقول التالفة"، وسيتم إطلاقه صيف هذا العام.


وتابعت: بعد الجداريات قمت بالعديد من العروض بشيكاغو وبعد الأمومة توقفت قليلا لكن في هذا العام تبلور العديد من المشاريع منها معرض خاص لي في شيكاغو بشهر آذار سيتضمن مفهوم البيت المشترك بمعنى" أكثر من عرق"ويتحدث عن الخلفية العرقية المختلفة للآباء وهو مستوحى من عائلتي لأن زوجي إفريقي أمريكي والمعرض يعبر عن هذا البيت بتفاصيله، عندما يدخل الشكل الفلسطيني مع العرق الافريقي الاسود، ليتحدث عنا كأعراق وشعوب لها نفس المعاناة، نحن شعب مضطهد كما أن العرق الأسود لازال يعاني من العنصرية، ومن المهم طرح هذه المفاهيم من خلال اللوحات والمعرض بمثابة تطور شخصي وطرح يجعل المشاهد يرى تفاصيله فيه، كون الشعب الفلسطيني مختلط جدا، فالجالية الافريقية بالقدس هي جالية مهمة ومثقفة وفلسطينية لأبعد الحدود، تحدثت عنها بلوحاتي، ويتضمن المعرض 30 لوحة تحت عنوان "البيت المشترك".


وأردفت :في شهر نيسان سأشارك بعرض موسيقي بصري في سويسرا ضمن مهرجان موسيقي عالمي للموسيقى التجريبية، عن تركيبة الأصوات والموسيقى المستوحاة من الأصوات الحربية في فلسطين، وسأحمل نفس الفكرة بشهر آب لكن بمهرجان مختلف في ألمانيا، وأعمل حاليا على مشروع مهرجان موسيقى بمخيمات اللاجئين للسنة القادمة تقوم عليه نساء المخيم ليعود ريعه عليهن بشكل مباشر.


بعد الامومة اصبح هنالك بعد آخر، فالكثير من الاقامات الفنية استطاعت غانم أن تقدم نفسها كفنانة فلسطينية بشكل رائع، رغم أنها كفنانة أم تعاني بعملية الإنتاج ووجود الفرص، رغم ذلك تمكنت من خلق الفرص، عبر تركيزها على إبراز هويتها الخاصة في أعمالها، والتركيز على قضايا مجتمعية متنوعة كان للمرأة جزء كبير منها، وبأفكار مدروسة، ليبقى الفن بمختلف أشكاله وممارساته يلعب دوراً مهماً في بناء الوعي، وتشكيل أداتي توثيق وتعبير ليبقى مؤثراً في حركة المجتمعات ومتفاعلاً مع حياتها، خاصة عندما يلامس الواقع ويصل به إلى مستوى ثقافي يليق به، وتمنت أسمى التي غيرتها الأمومة لتفكر بشكل جماعي أكثر، أن تبقى البلد حاضنة لفنانيها وأن تدعم وزارة الثقافة الفنانين وتنهض بهم.

دلالات

شارك برأيك

أسمى غانم تروي ريشتها قصص السواد والنور والبيت المشترك

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الأحد 28 أبريل 2024 5:20 مساءً

دولار / شيكل

بيع 3.83

شراء 3.8

يورو / شيكل

بيع 4.09

شراء 4.01

دينار / شيكل

بيع 5.4

شراء 5.37

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%73

%23

%5

(مجموع المصوتين 172)

القدس حالة الطقس