فلسطين

الثّلاثاء 15 نوفمبر 2022 8:36 صباحًا - بتوقيت القدس

بريشتها عزفت تيماء سلامة ألواناً وحكايات للمكفوفين

غزة- "القدس" دوت كوم - روان الأسعد - يقول ليوناردو دافنشي: "العيون نوافذ الروح"، فهل انعدام الرؤية يحرم الإنسان من الإبداع أو حتى من التمتع بالفن البصري؟ هذا ما كان يدور في ذهن تيماء سلامة، الفتاة العشرينية والخريجة من كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى، عندما كانت في معرض واستوقفها مشهد فتاة كأنها محاطة بالأمل تشرح لها زميلتها عن اللوحات الموجودة في المعرض.


منذ ذلك التاريخ قررت تيماء أن يكون في ريشتها إبصار للمكفوفين للتمتع بالفن، وقررت أن تعمل على تقنية جديدة تعتمد على رسم لوحات مجسمة يمكن للمكفوفين لمسها والإحساس بجمالياتها، خاصةً أنهم من الفئات الفعالة والنشيطة في المجتمع.


تقول تيماء "بالرغم من أنّ العالم الفرنسي لويس برايل فتح الباب أمام المكفوفين لمعرفة القراءة عن طريق الحروف البارزة على الورق، ظلّت هذه الطريقة قاصرةً على القراءة فقط، وبقي حرمان المكفوفين من التمتع بالفن التشكيلي، ومجاله الأبرز الرسم، حلماً بعيد المنال عن المكفوفين، بالرغم من وجود عددٍ من الفنانين المكفوفين الذين لم يستمتعوا بالفنون البصرية فحسب، بل أيضاً أنتجوها بصورةٍ رائعةٍ وتقنياتٍ تُلفت الأنظار، ما جعلهم يكسرون قاعدة أنّ البصر هو الحاسة الوحيدة التي تجعلنا نتمتع بالفنون البصرية، وهنا عزمتُ على أن أخلق فناً جديداً يتذوقه المكفوفون من دون الحاجة لمساعدة الآخرين ليلمسوا جمال اللوحات".



وتتابع بشغف وحب: عندما دخلت كلية الفنون الجميلة، درست جميع أنواع الفنون، ومن ضمنها النحت، ولقلة الفنانين المهتمين بهذا النوع من الفنون، ولأنني شعرتُ برقيّ هذا الفن وجمالية التشكيل والإبداع فيه من خلال تحويل الطين إلى فنٍّ ذي جماليةٍ خاصة، قررت أن أُبدع في مجال فن النحت "الريليف" لأجسد لوحاتي بالرسم والنحت ضمن إطار يخرج عن المألوف، ويعطي قيمةً أكبر للوحاتي، والهدف الأسمى هو إنتاج فن للمكفوفين لدمجهم في المجتمع الفلسطيني، كونهم فئةً راقيةً، ولديهم طاقة كبيرة من التميز والإبداع.


وتقول: خلال مشاركتي في أحد المعارض بعدة لوحات منحوتة، صادفتُ فتاةً مكفوفةً برفقة صديقتها التي كانت تصف لها اللوحات في المعرض، فلامست لوحاتي بيديها، وتمكّنت من الشعور بمعنى اللوحة، وذلك دفعني لتطوير موهبتي في النحت ليكون فن المكفوفين جزءاً منه، كونهم من أكثر الفئات تهميشاً، وهنا كانت النقلة النوعية لأجتهد وأتميز به عن جميع الفنون، من فنٍّ تشكيليٍّ ورسمٍ بالفحم، وغيره من الأشكال الفنية.


وتردف: النحت هو المساحة التي تدخل على اللوحة الفنية، ولا يمكن طمسها أو إخفاء ملامحها، وتحويله إلى لوحات فنية يجعل الأشكال أكثر وضوحاً، إذ أُشكل من خلاله عالمي الخاص، إلى جانب أنه يجمع بين عددٍ من الفنون التشكيلية، ناهيك عن كونه محفزاً قوياً للتغيير والتفاعل الاجتماعي، لأنّ الفن أقدر على التعبير من الكلام، فدمج الرسم والنحت على سطح واحد "فن الريليف" منحني المزيد من التركيز والاهتمام لإكساب لوحاتي معاني جديدة، وتطويعها وإنضاجها، لتبث ألوان الحياة الحقيقية بتفاصيلها، وتعطي الحب لمتذوقيها.

اجتهاد فردي..

وتستمر تيماء بالحديث عن تجربتها في فن المكفوفين: بالرغم من إنّ فكرة فن المكفوفين لا تحتاج إلى عملٍ فرديّ، بل إلى دعمٍ مؤسسيٍّ لتطويره، فهم فئة كبيرة تحتاج اهتماماً واسعاً، فإنني في المراحل الأولى اجتهدت بشكلٍ فرديٍّ في جلب بعض المكفوفين إلى بيتي، من أجل مناقشة الأفكار وإنضاجها، واكتشفت أفكاراً جديدةً لعمل لوحات، للخروج بلوحةٍ فنيةٍ متكاملة، في ظل أنها ستكون ملموسة، ونجحت في جعلهم يشعرون بالسعادة عند ملامسة اللوحات وسهولة فهمه.



وتقول: من هنا أُوجه نداءً للمؤسسات الداعمة لتبني فكرتي في هذا الفن وتطويره، خاصةً في مشروعي القادم مع بداية السنة الجديدة بعملٍ خاصٍّ بالأطفال لإنتاج قصصٍ نحتيةٍ تخصهم ليتمتعوا بها، والعمل على دعم الشباب الموهوبين في قطاع غزة بشكلٍ عامٍّ للإبداع وتحقيق طموحاتهم التي تصبُّ في تطوير المجتمع.

معيقات وتحديات..

وتتحدث سلامة عن المعيقات التي تواجهها، وتقول: في كل يومٍ أُواجه تحدياً من ذهابي للمشغل حتى عودتي للبيت، لكن أبرز ما أُواجهه هو صعوبة استخدام طينة الفخار وعدم وجود ألوان الفخار الخاصة بتلك الطينة، والبحث عن بدائل أُخرى في ظل الحصار، هناك الكثير من المواد المحرم دخولها إلى القطاع، وهذا ما يرهق الفنان، فالبحث عن البدائل أمرٌ مرهقٌ جداً، وعانيتُ الأمرّين حتى توصلتُ إلى وجود الطينة الهوائية التي استطعت العمل عليها وتطويعها، ناهيك عن ارتفاع الأسعار، وتبقى البدائل ذات جودةٍ أقل، ولا تمنح اللوحة حقها، إضافةً إلى أنها تقصر من عمرها الزمني.


وتتابع: ومع ذلك، ما زلت مصرةً على تحقيق حلمي وإيصال فن المكفوفين إلى العالم، ولو أنه من الصعب أن أخرج من غزة في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض، إلا أن حلمي يكمن وراء إرسال لوحاتي لتسافر، وتشارك في معارض دولية خارج حدود القطاع، وأن تصل إلى العالم كله، كما وعملت كذلك على قصتين نحتيتين للأطفال الاولى هي الحطاب والشجرة، مأخوذة عن قصة شعبية فلسطينية، والقصة الثانية اسمها ميريكال للكاتبة الغزية جيهان لاشين. أما خططي المستقبلية فعلى المدى القريب سيكون هنالك أعمال فنية تحوي على مخرجات يستطيع المكفوفون أن يتلمسوها وبذات الوقت ستحكي عن طفولة مهجرة وعن الأطفال المتسولين في الشوارع الذين لا يذهبون للمدارس، والمشروع البعيد سأحاول جعل المكفوفين ينتجوا أعمال فنية بأنفسهم للعمل على تسويقها وبيعها من أجلهم .


وتردف تيماء شاركت في العديد من المعارض، وكان منها "معرض جائزة إسماعيل شموط"، منذ بداياتي وقد تأهلت لوحة "العائلة الفلسطينية" للمرحلة النهائية، إضافةً إلى رسم العديد من الجداريات، وتصميم أغلفة الكتب، إلى جانب حصولي على إقامة فنية في محترف "شبابيك"، بدعمٍ من المراكز الثقافية، وبالتعاون مع مؤسسة عبد المحسن القطان، ومشروع الفنون البصرية، و"نماء واستدامة"، وآخر المشاركات كانت في مدينة بيت لحم في فندق الجدار، وقبل عدة أيام شاركت بمعرض في المعهد الفرنسي الذي حمل اسم مهرجان أثر الفراشة.

تجسيد المشهد الفلسطيني..

وتتابع: حاولت أن أُجسد المشهد الفلسطيني من خلال لوحاتي؛ بإبراز ملامح التراث الفلسطيني كالثوب المطرز والسروال، والفنون الشعبية الفلكلورية، كالدبكة وتصوير العلاقات الأُسرية، وبعض الرموز النباتية والحيوانية والزخارف الفنية، وتطرقت إلى حياة الصياد والبحر لتتمحور معظم لوحاتي عن فئة الصيادين بتجسيد معاناتهم وإبراز جرائم الاحتلال ضدهم.


ولأنّ البصيرة قبل البصر، والقلب قبل العين، حولت الشابة الغزية تيماء سلامة ما تعلمته في كلية الفنون الجميلة إلى مشروعٍ فنيٍّ مختلف، وفنٍّ من نوعٍ خاصٍّ بطابعٍ إبداعيٍّ حقيقيّ، ليكون مشروعها على أرض الواقع لوحات فنية تحاكي المكفوفين والمبصرين، لتُرى لوحاتها بالقلب قبل العين، ولتجعل للخيال صوتاً وللحلم صورةً وطاقة تفاؤل تمتدان خارج إطار اللوحة مهما كانت الحواس، لتشكل مسارها الفني الذي لا يمكن أن يتوقف على حاسةٍ ولا على معرضٍ ولا على حدث، بل ليكون نافذة إداركٍ للجمال عند الجميع.

دلالات

شارك برأيك

بريشتها عزفت تيماء سلامة ألواناً وحكايات للمكفوفين

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الأحد 19 مايو 2024 10:55 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.06

شراء 4.01

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 81)

القدس حالة الطقس