فلسطين

الإثنين 31 أكتوبر 2022 4:15 مساءً - بتوقيت القدس

محمد سباعنة.. سيعود المضيف قريبًا لكنه ارتحل ولن يعود مجددًا

جنين – "القدس" دوت كوم - تقرير: علي سمودي - خلال زمن قياسي، استقطب الشاب محمد موسى سباعنة (21 عامًا)، بنشاطه الدؤوب على تطبيق ال "تيك توك"، المئات من المشاهدين والمتابعين الذين اعتادوا على ما يبثه لهم من قصص وحكايات وصور حتى للاجتياحات الإسرائيلية لمدينته جنين.


وفي ليلة وجع فلسطينية أراد الاحتلال من خلالها عقاب واستهداف أهالي جنين والشهداء، لم يتأخر سباعنة عن ممارسة هوايته المفضلة في التصوير، دون أن يخشى القناصة والدوريات التي أغلقت الطرق والأزقة لتمكين القوة الغازية من تنفيذ قرار هدم منزل الشهيد رعد خازم منفذ عملية تل أبيب في نيسان الماضي.


ورغم أزيز الرصاص، وتوالي سقوط الجرحى والشهداء، استقل محمد مع رفيق له دراجة نارية، وانطلق ليوثق ويبث المشاهد والصور عبر حسابه الخاص على التيك توك، وبينما كان الآلاف وبينهم والدته يتابعون بترقب وقلق، توقف البث فجأة، وكتب التطبيق "سيعود المضيف قريبًا"، لكن الحقيقة التي تبينت سريعًا أن المضيف محمد سباعنة لن يعود أبدًا، فقد أصابته رصاصة قناص اسرائيلي بالقلب، وأصبح ضيفًا في حضرة الشهداء ممن سبقوه.


رغم اعتزازها باستشهاد محمد، لكن الوالدة تعتبر ذلك اليوم "الأصعب والأقسى في حياتها"، فبينما كانت تنتظر حلول الصباح، لعقد قرانه وبدء تحضيرات زفافه، استقبلته محمولاً على الأكتاف وزفته شهيدًا لفلسطين، وتقول: "ابني محمد، كل حياتي وروحي وابن قلبي، سندي وعزوتي بسبب بعد شقيقه الوحيد علاء الذي يعيش في ألمانيا، وتميز بالحنان وبروح المحبة والإخلاص، فكانت علاقتنا أكبر وأكثر من الأمومة .. قريب للقلب ومحبوب رغم صغر سنه من الجميع .. منذ صغره، اعتاد على الصعاب وتحمل المسؤولية والكفاح .. عمل على دراجة نارية كموزع للطلبات، ولطيبة قلبه وأخلاقه وحسن تعامله وحرصه على خدمة الناس ومساعدتهم، وحقق نجاحًا كبيرًا، وكان لديه جمهور كبير من المحبين سواء الأطفال أو الكبار وأبناء جيله، ولم يتأخر يومًا عن تلبية أو مساعدة أحد".


تتزين جدران منزل المواطنة "أم علاء" بصور حبيب قلبها محمد، وخاصة آخر هدية أراد أن يقدمها لها، وهي الصورة التي تجمعه بها، لكنه استشهد وقدمها رفاقه نيابة عنه لوالدته التي لازالت تقاوم الدموع اجلالاً ووفاءًا لذكراه، لكن معالم وجهها تروي مدى وجعها وألمها بعد فقدانه، وتقول: "من عمله وبدعمي، تمكن محمد من تأسيس نفسه وحياته، وأصبح يفكر مؤخرًا بالاستقرار والزواج، واختار رفيقة دربه وعروسه، وقبل استشهاده بساعات، اتفقنا على اتمام خطوبته صبيحة اليوم التالي، واتصل على القاضي وحدد موعدًا لكتب الكتاب .. ولشدة فرحته ولتشجيعه، اتفقنا على الذهاب لشراء الذهب لخطيبته بعد كتب الكتاب، لكنه قبل الموعد المحدد بساعات، اشترى شهادته من رب العالمين".


تروي الوالدة المكلومة، أن محمد أمضى ذلك اليوم بكامله يتردد عليها على غير عادته، وتقول: "كأنه كان يشعر أنها لحظاته الأخيرة في الدنيا وكأنه يودعني .. كان يواصل عمله في توزيع الطلبات ثم يعود لقضاء الوقت معي، وقبل استشهاده بساعة، تناول وجبة العشاء، وعندما سمع صوت صافرات الدفاع المدني خرج بسرعة لمعرفة ما يحدث، ولم أعلم بوجود جيش الاحتلال في جنين في تلك الليلة، حتى تلقيت رسالة صوتية من محمد، قال فيها: الجيش في جنين وكادت دورية تصدمني لكن الحمد لله أنا بخير".


طمأن محمد والدته، لكنه رفض الاستجابة لطلبها بالعودة للمنزل مما أثار خوفها وقلقها، لكن لم يكن أمامها خيار سوى متابعة ما يبثه على الهواء مباشر من صور اقتحام جنين، والدعاء له، فقد كتبت له في الرسالة التي لم تكن تعلم أنها الأخيرة "الله يرضي عليك حبيبي يما".


تقول الوالدة: "محمد لم يكن له علاقة بالمواجهات، ومنذ فترة، يمارس هوايته بالتصوير، ولم يكن مسلحًا أو مطلوبًا، وفي تلك الليلة، كانت مشاهدات كبيرة جدًا على بثه، فاستهدفه قناص إسرائيلي مع زميله سائق الدراجة الذي أصيب بعيار ناري بقدمه، وعندما توقف البث، اعتقدت أنه انتهى وسيعود، لكنيي شعرت بوخزة في قلبي، الذي انهار وبكى عندما وصلني خبر اصابته، فـأدركت لماذا توقف البث، وبدأت أصلي لرب العالمين، أن لا تكون اصابته قاتلة".


في تلك العملية التي استهدف الاحتلال فيها هدم منزل الشهيد رعد خازم، اقتحمت عشرات الدوريات والمئات من الجنود مدينة جنين، وحاصروا الحي الشرقي، وحشد قواته لمواجهة المقاومة التي تحدته وحولت المنطقة لساحات معارك ومواجهات مسلحة شرسة، واستشهد المقاوم المشتبك حمد أبو جلدة، وإصابة 16 آخرين، أما محمد سباعنة، فلم يكن مسلحًا أو مقاومًا، كما يروي الشهود لـ "القدس" دوت كوم، وكان يقوم ببث مباشر على دراجة نارية، فأطلق قناص عيار ناري أدى لاختراق جهازه الخلوي ثم قلبه، فاستشهد على الفور.


انحسبت أنفاس متابعي محمد في انتظار عودة البث، لكن سرعان ما خيمت أجواء السخط والغضب بعد انتشار نبأ استشهاده وإطلاق النار على هاتفه واصابته، وبدأ الجميع يعبر عن ادانته للجريمة والتضامن مع والدته التي راودتها في الطريق لمشفى ابن سينا التخصصي مشاعر باستشهاده، وتقول: "في البداية، قالوا لي إصابة طفيفة، وفي الطريق أصبحت خطيرة، فازداد هلعي وتوتري، وأصبح لدي شعور أنه استشهد ويريد رفاقه اخفاء الحقيقة حتى لا أصاب بالصدمة".


وتضيف: "لا أعرف كيف وصلت للمشفى، وحزنت أكثر عندما لم أجده، بينما سمعت الجميع يقول الله يصبر والدته، فأدركت أن الاحتلال حكم عليه بالموت دون ذنب، وقتل ابني البريء، لكني احتسبته شهيدًا فداءًا للأقصى وفلسطين .. عندما زفوه شهيدًا، اخذوا روحي وقلبي معه، فلم أتوقع فراقه السريع ورحيله في اليوم الذي كنت انتظره طوال عمري، لكن رب العالمين أكرمني بالصبر ومنحني الفخر خاصة عندما شاهدت مدى حب الناس له وهم يتذكرونه بكل القصص الجميلة عن حياته، وهذا خفف وجعي كثيرًا".


وتابعت: "الشهادة نعمة من ربنا الذي أشكره لأنه كرم ابني بهذه المنزلة والمكانة، وهذا أكبر فخر لنا، فكلنا فداء لهذا الوطن العظيم".

دلالات

شارك برأيك

محمد سباعنة.. سيعود المضيف قريبًا لكنه ارتحل ولن يعود مجددًا

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

السّبت 04 مايو 2024 11:31 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.74

شراء 3.73

دينار / شيكل

بيع 5.3

شراء 5.27

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 3.99

رغم قرار مجلس الأمن.. هل تجتاح إسرائيل رفح؟

%75

%20

%5

(مجموع المصوتين 209)

القدس حالة الطقس