فلسطين

الأحد 28 أغسطس 2022 7:47 مساءً - بتوقيت القدس

"ميسم" المصابة بـ "متلازمة داون" تحول والدتها لشخصية مؤثرة اجتماعيًا

سلفيت - "القدس" دوت كوم - روان الأسعد - في رحلة ملهمة تتحدث كفاح شاهين عن تقاطع دورها كأم وزرع مشاعر التقبل تجاه ابنتها ميسم المصابة "بمتلازمة داون" أو ما يسميه البعض "متلازمة الحب" لدى محيطها،لتكتشف مع كل تطور وإنجاز تحققه، إنها نعمة من الله أدركت من خلالها أن الحياة هي محاولة للعطاء اللامحدود.


تقول كفاح: أنا أم لأربعة أطفال، بينهم ميسم، تلك الطفلة التي تبلغ من العمر فقط 15 عامًا، والمصابة بمتلازمة داون، حصلت على شهادة القانون من جامعة النجاح الوطنية، كنت أمارس عملي بمكتب محاماة في مدينتي سلفيت، إلى أن ولدت طفلتي، فتركت عملي ولم يكن قرارًا صعبًا، لكنه حكيم.


أدركت ذلك بعد أن ألهمتني ميسم أن أصبح شخصًا مؤثرًا في مجتمعي، وجعلت مني شخصًا أفضل، وجودها في حياتي لم يكن محض صدفة، لكنه موعد مع الأمل لأنه يزرع الابتسامة في قلبي دائمًا.

أم تكسر الحاجز.. وتنطلق إلى "هذا حقي" ..

وكأي أم عادية تقول كفاح عن تجربتها لـ"ے" دوت كوم: كغيري من الأمهات كانت فرحة الحمل لا توصف وانتظرت طفلتي بكل شوق لتملأ حياتنا مع شقيقتها فرحًا وحبًا وسعادة، لكن عند الولادة كان الخبر مفاجئًا لنا، فنحن ننتظر طفلة طبيعية، كان الخبر صادمًا لي، وشعرت أنني أدخل عالمًا جديدًا لم أدخله من قبل، ولا أعرف عنه شيئًا، شعرت فيه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقي، واستجمعت قواي، فلا يحدث شيء في الحياة إلا لسبب، واستقبلت ميسم بقلب كبير، وقررت أن أرسم لها مستقبلاً مختلفًا، بعيدًا عن نظرة المجتمع السلبية لمن هم بمثل حالتها.


وتضيف كفاح: بدأت أقرأ وأثقف نفسي عن مرضى متلازمة "داون" الذين يعانون إعاقة خلقية دائمة، وهو مرض ينجم عن نشوء جيني يسبب تأخرًا في النمو البدني والعقلي، بدأت محاولاتي الدائمة لفهم كل ما يتعلق بمتلازمة داون، وكيفية التعامل معها لتعيش حياة طبيعية وتأخذ فرصتها مثل باقي أفراد المجتمع.


وتتابع: وبدأت أكتشف معها أنها طفلة عادية كباقي الأطفال ذكية وحساسة، ونظرة المجتمع تحتاج لتوعية، والأهم من كل ذلك هو الحب والتقبل، فكلما تقبلناهم أبهرونا بالمواهب التي رزقهم الله بها، واهتممت بتنمية ذكائها المكتسب بالتدريب المستمر بالحب والضحك حتى لو كان كل شيء بطيئا، وكانت مرحلة صعبة، لكنها في النهاية استطاعت الالتحاق بالمدرسة، وتم دمجها بمدارس الحكومة، وتعيش حياة طبيعية، ولا تعاني من تأخر عن باقي الأطفال، وقد التحقت بدورة للكراتيه لتطور من مهاراتها، بالرغم من أنها دخلت المدرسة في عمر الثامنة، أي أنها تأخرت سنتين، إلا أن قدراتها الاجتماعية والإدراكية ممتازة، ولديها أيضًا صديقات ويفهمن عليها أكثر من المعلمات أنفسهن.


وتقول كفاح: جميعنا متشابهون، لكن لكل منا بصمته الخاصة، تنطلق من مفهوم الاختلاف الذي يلعب دور المحرض الأساسي لنا كي نبدع ونتميز، وميسم كانت ذلك التميز في حياة كفاح، الذي انشق عنه إصرارها على إضاءة الطريق المظلم والصعب لكل الأهل الذين يعانون مع أطفالهم بين المدن والمراكز ليجعلها نموذج نجاح يحتذى به.


وبالرغم من كل الطبقات، فإن كفاح كسرت كافة الحواجز لتقود زمام المبادرة وتنشئ جمعية "هذا حقي"، لتكون بمثابة مركز خاص لخدمة ذوي الإعاقة دون أي سوال، وذلك رغبة منها في مساعدة غيرالقادرين، فهي تعلم أن الأسر التي لديها أطفال مصابون بأي إعاقة يحتاجون الكثير من الأموال، لتأهيل ابنهم المريض، والبداية كانت بسيطة جدا بلا رأسمال وبأخصائية نطق كان راتبها بتبرع من قريب، والألعاب الموجودة في المركز كانت خاصة بميسم، وتمت مشاركتها مع باقي الأطفال، وتم إحضار أدوات تعليمية وترفيهية بسيطة كالألوان والورق.

ظلم مجتمعي.. والتوعية ضرورية ..


تقول كفاح: أن تعيش التجربة هو أمر مختلف كليًا، ومتعب جدا مع المجتمع، الذي يقصر كثيرًا بحق هذه الشريحة، والأسوأ هو الظلم المجتمعي الواقع عليهم، والألقاب التي يطلقها البعض على المصابين مثل: منغولي ومجنون وغيرهما، وهذا دليل على عدم الوعي وضعف الثقافة في هذا الجانب، لذلك يجب نشر الوعي في المجتمع والتأهيل والتدخل المبكر والمناسب للأطفال ذوي الإعاقة.


وتكمل: ومن واقع تجربتي ومعاناتي، بدأت بالتعاون مع مجموعة من السيدات لنشر الوعي حول وضع الأطفال المصابين بمتلازمة داون في المدارس وفي المجتمعات لكي لا يسيئوا معاملة الأطفال المصابين بهذا المرض. 


لمدة سنة، وبعد سنة ونصف السنة بدأ يظهر الإيمان بفكرة الجمعية، وبسبب كون الخدمات التي تقدمها مراكز التدخل المبكر منقطعة وغير كافية، أخذت على عاتقي هذه المبادرة الثانية لتكون الأولى من نوعها في محافظة سلفيت، ولسد الحاجة الملحة لمثل هذه الجمعيات أرسيت دعائم جمعية "هذا حقي" في كانون الأول 2013 لأحقق حلمي.


وتضيف: تم استئجار مكان، وتم توظيف أخصائية علاج نطلق للقيام بخدمات التأهيل، والبداية كانت بثمانية أطفال، ثم تم استئجار موقع أفضل، ووصل عدد الأطفال الموجودين في المركز ما بین 70 إلی 80 طفلاً، وهنا بدأت التحديات من ضعف الوعي المجتمعي بالأشخاص ذوي الإعاقة، وضعف التمويل، والكوادر المتخصصة، كوننا جمعية خيرية لا تتلقى الدعم من أي جهة أخرى، لتقدم خدماتها في مجال (النطق والسمع والتأهيل والتربية الخاصة)، ولا يزال ينقصنا الكثير من الاحتياجات التي نسعى لتأمينها، فمصدر الدخل الثابت غير موجود، فالجمعية بالدرجة الأولى تعتمد على التبرعات، ورسوم أهالي الأطفال رمزية وأقل من رسوم العديد من مراكز التأهيل، وفي فترة "كورونا" تم كفل أطفال من دون رسوم بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة، وتمت مراعاة الأهالي.


وتتابع: كما أنه توجد الآن ست اختصاصيات تعمل لدى الجمعية، وهي بحال أفضل من ذي قبل، وتغطي خدماتها كل محافظة سلفيت، إلا أننا بحاجة للدعم الفعلي، كون المصاريف الآن أصبحت أكثر مع زيادة وتطور الخدمات، إضافة إلى أن العمل في الجمعية لا يتوقف على الأطفال ذوي الإعاقة، وإنما أيضًا الأطفال ذوو الاضطرابات وأهاليهم وتوعية الأهالي بخصوص هذه الحالات.


وتردف: كما وعملنا في جمعية هذا حقي لذوي الاعاقة ، تحت رعاية بلدية سلفيت وبالشراكة مع مديرية التربية والتعليم-سلفيت، على مبادرة (التنوع جمال) لمدة سنتين، وهي مبادرة عبارة عن مسابقة رسم لطلاب المدارس وزعت شروطها على كافة مدارس محافظة سلفيت من قبل الاخوة في مديرية تربية سلفيت، الهدف منها تعزيز مفهوم تقبل التنوع وتسليط الضوء على شريحة الاطفال ذوي الاعاقة في مجتمعنا الجميل واحتياجاتها، حيث قام الأطفال المتسابقون برسم رسومات تعبر عن مفهومهم عن الأطفال ذوي الاعاقة الذين يعرفهم ويتعامل معهم في المدرسة وخارجها مع كتابة عنون للرسمة، آملين من الاهالي مساعدة أطفالهم بشرح الطرق الصحيحه لكيفية التعامل ودعم القيم المحببة عند التعامل مع ذوي الاحتياجات والتي سيعكسونها من خلال رسوماتهم.


وأكملت: خضعت الرسومات للجنة تقييم وكان هنالك عشرة فائزين تم تكريمهم وتقديم هدايا لهم، إضافة الى أننا قمنا بطباعة أول رسمتين فائزتين على شكل يافطة كبيرة علقت على مداخل مدينة سلفيت مع اسم صاحبها الفائز، وعملنا أجندات عليها، وهذه الرسومات تم توزيعها على العديد من المؤسسات وقد حققت هذه المسابقة هدفها وهو رفع الوعي لدى أطفالنا وتعزيز فرص دمج هذه الشريحة في المجتمع.

تجربة صعبة.. وبالتصميم والإرادة يتحقق كل شيء ..

تقول كفاح: التجربة ليست سهلة، بل تتطلب منا الكثير من الجهد والصبر، لكن الرحلة حين تخوضها معهم بحب وتشجيع ومحاولة لتخطي الصعوبات والتحديات الكبيرة يمكن أن تجعل الحياة أفضل، كانت فرحتي بميسم وبكل ما تقوم به مضاعفة عن أشقائها، فلطالما كانت المعركة ليست معركة جسد بقدر ما هي قوة روح وإرادة، والله وهبها الوعي والذكاء والتصميم والقدرة على التعامل مع أي شخص في حياتها، وهي مصدر إلهامي الأول والحافز الذي دفعني الحصول على شهادة الماجستير في التربية الخاصة.


وتضيف: فخلف كل تغيير إيجابي في حياتنا أفراد ملهمون، يرسمون أمامنا الخير والعطاء في عالم اختلت موازينه، وتبلدت فيه المشاعر، ولأن المجتمع هو مرآة للعائلة يجب أن نوعي أسرتنا، باختلاف هذا الطفل ودمجه معهم، وأنه من الطبيعي رؤيته، وهو يتأخر في المشي وخلافه عن أقرانه ليعرف الناس أن اختلاف قدرات أطفالنا ليست عيبًا ليقدم الدعم للطفل من ذويه ومجتمعه ومعلميه لتكون الخطوة الأولى له كصمام أمان، كون الرعاية والاهتمام مفتاح المحبة للجميع بلا استثناء.


وتتابع: علينا أن نعي تمامًا أن ذوي الاحتياجات الخاصة هم أشخاص يحبون الحياة، يقبلون على الناس، يحتاجون الدعم النفسي والاجتماعي، ويجب أن تكون نظرة المجتمع اليهم نظرة تشجيع وليست نظرة شفقة، فالاستثمار بهم بطريقة صحيحة مع توجيههم وتنمية مهاراتهم سيجعلهم فاعلين ملهمين، وهناك تجارب كثيرة في العالم هي أكبر برهان.

دلالات

شارك برأيك

"ميسم" المصابة بـ "متلازمة داون" تحول والدتها لشخصية مؤثرة اجتماعيًا

-

ناصر شاهبن قبل أكثر من سنة

ميسم القلب الابيض،لا تعرف الحقد والكره.. امها ام رائعة مثاليه..حولت بارادتها وعزيمتها وتصميمها واملها بالله الضيق والحزن والالم الى تمكين وفرج والهام لكافة الاهالي والقدرة على تجاوز كل المعيقات ...❤️❤️

المزيد في فلسطين

أسعار العملات

الإثنين 20 مايو 2024 10:57 صباحًا

دولار / شيكل

بيع 3.73

شراء 3.72

دينار / شيكل

بيع 5.31

شراء 5.29

يورو / شيكل

بيع 4.07

شراء 4.02

بعد سبعة أشهر، هل اقتربت إسرائيل من القضاء على حماس؟

%9

%91

(مجموع المصوتين 94)

القدس حالة الطقس